كتبت الكاتبة والصحفية الاسرائيلية عميرة هس، في "هآرتس" العبرية ان اجهزة الأمن الفلسطينية تبذل في الأيام الأخيرة جهدا كبيراً لتحسين صورتها في اوساط الفلسطينيين. في العديد من المواقع الاخبارية، تم التبليغ عن نجاح رجال الأمن القومي بمنع الجنود الاسرائيليين من اعتقال عدة قاصرين رشقوا الحجارة على موقع عسكري شرق البيرة.
وتنشر كل وسائل الاعلام الفلسطينية أرقام هواتف فروع لجنة الارتباط الأمني كي يتمكن السكان من التوجه اليها لطلب المساعدة في حال تعرضهم الى اعتداءات من قبل المستوطنين، والتي تحدث فعلا بشكل متواصل خلال الأيام الثلاث الأخيرة. وفي المدن المختلفة توقف رجال الأمن عن العمل كقوة للفصل بين الشبان – الذين يمثلون الغضب الفلسطيني – وبين مواقع الجيش الاسرائيلي، وتراجعوا بفعل الادعاء غير المنطقي بأنهم يتخوفون على حياة المتظاهرين.
في بيت لحم تم قبل اسبوعين فقط توثيق اعتداء قوات الأمن الفلسطينية بوحشية على شبان حاولوا الاقتراب من الجدار الفاصل. ولكنهم سمحوا في الأيام الأخيرة للشبان بتنظيم المظاهرات والتي انتهت احداها، امس، بإطلاق النار على طفل. وفي البيرة، يسمحون، منذ خطاب عباس في الامم المتحدة، للشبان بتفريغ غضبهم باتجاه حاجز بيت ايل المخصص لمرور "الشخصيات النخبوية" على اختلاف انواعها.
الشبان يتجمعون في الساحة القريبة ويقتربون من الحاجز ويشعلون الاطارات ويرشقون الحجارة، والجيش يرد بإطلاق النيران والغاز المسيل للدموع. اما الضباط الفلسطينيين الذين يتواجدون على مقربة منهم فينظرون الى ما يحدث وكأنهم يعلنون: هل ترون، نحن لا نتعاون مع الاحتلال.
في يوم خطاب عباس في الأمم المتحدة، وفي يوم عودته من الولايات المتحدة، ظهر ملثمون مسلحون في مركزي الخليل ورام الله وعرضوا انفسهم كنشطاء في كتائب شهداء الاقصى، ورفعوا بنادقهم الى الاعلى واطلقوا النار على مقربة خطيرة من الفضوليين الذين تجمعوا من حولهم. "من المؤكد ان هؤلاء هم من رجال الأمن الوقائي"، قالت عضو سابق في حركة فتح بعد مشاهدتها لهم، فكتائب شهداء الاقصى التي اقامها رجال الجهاز الامني واعضاء فتح في بداية الانتفاضة الثانية لم تعد قائمة. بين دوي النيران كان يمكن سماعهم وهم يدعون الى دعم عباس ويثنون على خطابه ويمجدون طريقه. وامس الأول دعا ناطق بلسان فتح كل التنظيمات الفلسطينية الى توحيد قواها حول الرئيس.
اجهزة الأمن الوقائي لا تزال مخلصة لعباس وسياسته التي تعارض الانتفاضة العسكرية والشعبية، اكثر من أي مؤسسة فلسطينية اخرى, وهم، مثل عباس، لا يزالون يعتقدون بأنه يمكن منع التصعيد العسكري.
انهم يسمحون للشبان بالاقتراب من المواقع العسكرية، ليس من اجل التصعيد وانما على العكس، كي يسمحوا لهم بتفريغ بعض الغضب، على امل ان تهدأ موجة العنف الحالي ايضا، بطريقة ما. ان الوضع السياسي المتدني لحركة فتح لا يسمح لها بعقد مؤتمرات دورية، وبالتأكيد ليس قيادة انتفاضة جديدة، ناهيك عن امكانية الامتناع عن تكرار اخطاء الانتفاضة الثانية.
الجمهور الفلسطيني يطمح الى اضطراب يحطم الوضع الراهن، روتين القمع. وقد حدث ذلك في الأيام الأخيرة. كل شيء يبدو اكثر هدوء، ويقلل الناس من مغادرة بيوتهم اذا لم يلح الامر، ليس في القدس الشرقية فقط وانما في الضفة، ايضا. الشوارع مكتظة بشكل اقل، وحركة السيارات الفلسطينية على شوارع الضفة قليلة جدا. سواء بسبب الحواجز العسكرية وسواء بسبب التخوف من المستوطنين. ولكن هناك ادلة على ان الجمهور لا يزال يجد صعوبة في تخيل الانتقال الى الانتفاضة الثالثة. انه لا يشعر بعد بأنه حان وقتها.
يوم امس، تم تنفيذ الاضراب المخطط للمحاضرين في جامعات الضفة الغربية للمطالبة باحترام اتفاقيات الأجور السابقة. ويفترض ان يتواصل الاضراب اليوم ويتسع في الأسبوع القادم. مع اندلاع الانتفاضة الثانية، للمقارنة، جمدت نقابة المعلمين بمبادرة منها نضالا طويلا من اجل الاجور.
يمكن لأجهزة الأمن الفلسطينية السماح للشبان بتفريغ غضبهم، ويمكنها صدهم، لكنها لا تملك تأثيرا على العامل المركزي الذي يقود في هذه الأيام الى التصعيد والذي يمكنه ايضا منعه – الجيش والشاباك والشرطة الإسرائيلية. التظاهرات خلال اليومين الأخيرين – في الضفة وليس في القدس فقط – تم تأجيجها بسبب اوامر منع دخول الفلسطينيين الى البلدة القديمة وفي اعقاب قتل فادي علون من العيساوية، الذي نسبت اليه عملية الطعن في المصرارة في القدس، امس الاول. في الشريط الذي اصبح رائجا تسمع اصوات الشبان المتدينين اليهود وهم يحثون الشرطي على اطلاق النار على علون وهو يهرب امام شبان يهود اخرين. وواصل احد افراد الشرطة اطلاق النار عليه حتى بعد ان سقط على الأرض وقتل. توجد في هذا رسالة واحدة فقط للفلسطينيين: دمهم اصبح مهدورا.
في الأيام الاولى للانتفاضة الثانية، عندما قمع الجيش التظاهرات الحاشدة بوسائط قاتلة وقتل الكثير من المدنيين، ساهم فقط في تأجيج الاوضاع. في حينه دفع الشبان ابائهم واخوتهم العاملين في اجهزة الأمن الى استخدام اسلحتهم ليس ضد ابناء شعبهم وانما ضد الجنود. لقد دخلت فتح في منافسة مع حماس، حول من يستطيع الانتقام بشكل افضل، ولكنها خسرت طبعا. حتى لو فرضنا ان كافة الاجهزة الحالية تعترف بالنتائج المدمرة للانتفاضة الثانية، واذا واصلت إسرائيل خط تصعيد القتل والعقاب الجماعي، الذي بدأته فعلا، فان رجال الاجهزة الامنية سيواجهون مرة اخرى مآزق شخصية ومهنية بالغة. وهذا سبب هام بالنسبة لهم لكي يُصلوا من بعاس من اجل منع التصعيد.