انقلاب بلون الاحتجاج

حجم الخط

اسرائيل اليوم – بقلم امنون لورد

من يتجول قليلا في  هوامش الاضطرابات في شارع غزة في القدس ويتحدث هنا وهناكمع اليساريين الذين يشارك بعضهم في الاحتفال يعرف أنهم في  معسكرهم باتوا يصلون  منذ  بضعة اسابيع لعودة القاتل يونا ابروشمي.  

​بعد الاحاديث على مستوى الشارع، بدأ المحللون ايضا “يشتاقون” لابروشمي. السلام  الان، مثال آخر، استيقظت باعلان في احدى صحف الصباح. من يفحص الاعلان سواء من جانب الشكل أم من جانب المضمون على حد سواء يرى التلاعب: رئيس الوزراء نتنياهو لم يقتل رابين فقط  بل وقتل اميل غرينسفيغ ايضا.

​غير أن هذه ليست نكتة بل  ضوء تحذير  أحمر. ثمة تخوف شديد من  أن  احدا ما يعد استفزازا بروح مجنون من اليمين يقتل “متظاهرا” من اليسار. وكان الحدث الابرز في نهاية الاسبوع الماضي. فالى الرواية القائمة عن “عنف اليمين” ادخلت المشادة بين مجموعتين من مؤيدي فرق  كرة القدم. وعرضتها “برافدا” المحلية، اي  القناة الواسعة، العكرة، لكل  وسائل الاعلام، كاعتداء من زعران اليمين الذين كادوا يقتلوا متظاهرا من اليسار. ويشهد على ذلك رد الفعل الشرطي للنائب يئير لبيد: “العنف  والدم المسفوك – على يدي نتنياهو”. احد لا يدعو لبيد الى النظام على خراب الديمقراطية الذي يبدأ بافساد اللغة. اذا كانوا يتحدثون عن ابروشمي فيبدو أنهم يعدون استفزازا يخلق الكتلة الحرجة اللازمة لخطوة الانقلاب.  يوم الجمعة في  محيط الساعة الواحدة والنصف ظهرا كان بوسعي أن ارى كيف يولد الطغيان. مررت بشارع غزة عند ميدان باريس. على الرصيف المقابل، قرب بوابة منزل رئيس الوزراء، كل يافطات ومسارع محدثي الاضطرابات جاهزة لما سيأتي. في  ظل  بنك ديسكونت يجلس امير هسكيل مع بضع صفحات في يديه وهو يملي شيئا ما هاتفيا. ولم ألتقط الا كلمة “الشرطة”.

​واصلت الى الامام في نزلة كيرن هايسود. قلت لنفسي: ها هو الحاكم الجديد لمركز القدس. بعد ساعة، ربما ساعتين، بناء على قراره سيغلق مركز القدس. اضطراب  يوم الجمعة قبل المساء وفي  كل يوم آخر – يغلق تلقائيا شارعين مركزيين في القدس، شارع غزة وشارع بن ميمون. في يوم اكثر كثافة يغلق ايضا شارع الملك جورج وشارع رمبن. القانونيون، المؤرخون وعلماء السياسة الذين نالوا تعليمهم في الاكاديمية الاسرائيلية منذ الستينيات من القرن الماضي، تنقصهم القيم الاساس في الديمقراطية. استمعوا الى رؤساء الجامعات الذين يحرضون على الثورة. يعرفون كيف يرددون عن ظهر قلب، ولكنهم لا يعرفون ما هي الديمقراطية. النواة الصلبة في داخلهم تحمل في جسدها وفي  عقلها  بقايا النفايات الاشعاعية الستالينية. ثمة بضعة صحافيين قدامى يشبهون بين مهندسي الدمار الاجتماعي اليوم، واحتجاجات موطي  اشكنازي وآسا كدموني في 1974.  لا يوجد زيف  اكبر من هذا. اشكنازي وكدموني وقفا وحدهما في  مطر  شتاء 1974 امام ديوان رئيس الوزراء مطالبين بالملموس انيأخذ موشيه دايان وغولدا مائير المسؤولية الوزارية عن قصور الحرب على عاتقهما. ورويدا رويدا انضم اليهما متظاهرون آخرون وبعد رفع تقرير اغرانات  اضطرت غولدا  ودايان الى الاستقالة.

​في العام 2020، في الصيف،  لا  يدور  الحديث عن “احتجاج” بل  عن تكنولوجيا هدم اجتماعي. يستغلون حالة الطواريء  للوباء  كي يزرعوا عبوات ناسفة في  المفاصل الحساسة  للمجتمع الاسرائيلي.  اشكنازي وكدموني لم يحلما باغلاق  احياء  وفرض الرعب على محيطهما.

​صباح الخير للقضاة وللمستشارين  القانونيين:  حولتم  “حق التظاهر”  الى حق اكثر  قدسية من حقوق الفرد، الجمهور والحياة نفسها؛ يدور الحديث عن قتال شوارع، تكتيك  محسوب. مراسلو وسائل الاعلام  اخذوا في  الاسر،  اضافة الى سكان  مركز  القدس المحتجزين كرهائن. كل هذا  يترافق  وتطبيع تعابير  العنف ، السادية.

​النتيجة حتى الان هي ان  ثورة الشارع تنجح. التهديد الكامن فيها تجاه الشرطة واضح. توجد مؤشرات استسلام.  ضغط الشارع، الى جانب المستشار القانوني للحكومة وكتلة أزرق أبيض، ينجحون في تعطيل عمل  الحكومة. يتحدثون عن “الخطر على الديمقراطية” لم يعد هذا خطرا، بل مشهدا قاسيا يتحقق. طغيان اليسار،  الاعلام وجهاز القضاء يتحقق  امام ناظرينا، يأتي كالمسافر الثامن في أروقة سفينة فضاء  الديمقراطية الإسرائيلية.