ترامب والانقلاب على الديمقراطية

حجم الخط

بقلم حافظ البرغوثي  

 

يقول مثل صيني «من ينتظر فارساً يخلط بين دقات قلبه ووقع حوافر الخيل». ويبدو أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يتوقع هزيمة نكراء في صناديق الاقتراع في الانتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، لذا بدأ يتحدث عن تزوير على نطاق واسع إذا جرى الاقتراع بواسطة البريد، ولمح إلى ضرورة تأجيل الانتخابات فألقى حجراً في المياه الراكدة، وكأنه يتوقع فشله أمام منافسه الديمقراطي جو بايدن.

ترامب أرسل قوات فيدرالية لقمع الاحتجاجات وأعمال العنف في بعض المدن الأمريكية التي يهيمن عليها الديمقراطيون، ووصفها منتقدوه بأنها ميليشيات، وكأنه يلوح بسيف انقلابي لإرهاب المدن التي شهدت احتجاجات ضد سياساته العنصرية التي ظهرت بعد مقتل الشاب من أصول إفريقية جورج فلويد على يد الشرطة في مدينة مينيابوليس.

وكان الرئيس ترامب يراهن على الانفتاح الإنتاجي والاقتصادي لكي يرفع من شعبيته لكن الموجة الجديدة من وباء كورونا دمرت آماله، حيث ارتفع عدد المصابين والوفيات، كما أن الركود الاقتصادي أصاب بشدة كل القطاعات الاقتصادية في الولايات المتحدة. فقد تراجعت الأسهم الأمريكية بعد الإعلان عن أكبر ركود اقتصادي أمريكي على الإطلاق، حيث انكمش الاقتصاد بنسبة الثلث مؤخراً وارتفعت مطالبات البطالة الأسبوعية بمقدار 1,4 مليون طلب، وفي هذه الأثناء اقترح الرئيس دونالد ترامب تأجيل الانتخابات في محاولة لصرف الأنظار عن الأزمة الاقتصادية وزيادة عدد العاطلين عن العمل.

وقد لمح ترامب خلال الفترة الأخيرة أكثر من سبعين مرة إلى تأجيل الانتخابات وكثفها مؤخراً بعد أن أظهرت استطلاعات الرأي تفوق بايدن عليه حالياً. وغرّد ترامب قائلاً إن «التصويت عبر البريد أثبت بالفعل أنه كارثي»، زاعماً أن الديمقراطيين أنفسهم يعرفون أن هذا التصويت هو طريقة سهلة لتدخل البلدان الأجنبية في السباق، وأكثر من ذلك أنه لا يوجد إحصاء دقيق.

وانضم كبار الجمهوريين إلى المعارضين لدعوة ترامب، إذ قال ميتش ماكونيل – زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ – إنه لم يحدث قط في تاريخ أمريكا، خلال الحروب والركود الاقتصادي وحتى الحرب الأهلية أن تأجلت الانتخابات الفيدرالية عن موعدها المقرر. وكان يشير إلى رفض الرئيسين ابراهام لينكولن وروزفلت تأجيل الانتخابات إبان الحرب الأهلية الأمريكية والحرب العالمية الثانية، كما أجريت انتخابات الكونجرس سنة 1918 أثناء جائحة الإنفلونزا الإسبانية التي قتلت قرابة خمسين مليون إنسان في العالم. ويذكر أن الرئيس لا يملك سلطة تأجيل الانتخابات، بل يتعين على الكونجرس الموافقة على أي تأجيل للانتخابات.

ولا توجد أدلة كافية تدعم مزاعم ترامب، لكنه طالما أبدى معارضته للتصويت عبر البريد قائلاً إنه سيكون عرضة للتزوير.

وترغب ولايات أمريكية في تسهيل عملية التصويت عبر البريد، وذلك وسط مخاوف على الصحة العامة بسبب فيروس كورونا. وتفيد وسائل إعلام أمريكية بأن هناك مخاوف من عدم فرز كثير من البطاقات، لأنها لم تستكمل بطريقة صحيحة، أو لأنها لا تحمل خاتم البريد الذي يثبت وصولها قبل انتهاء موعد التصويت رسمياً. وكانت ست ولايات أمريكية قد أبدت عزمها أوائل الشهر الماضي على إجراء انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني بواسطة الاقتراع بالبريد: وهي كاليفورنيا، ويوتا، وهاواي، وكولورادو، وأوريجون، وواشنطن.

وسترسل تلك الولايات بطاقات الاقتراع إلى جميع الناخبين المسجلين، على أن يعيدوها بالبريد، أو يبعثوا بها في يوم الانتخابات. وتسمح حوالي نصف الولايات الأمريكية لأي ناخب مسجل بالإدلاء بصوته بالبريد عند الطلب. وقد هبّ الديمقراطيون أيضاً لرفض مقترح ترامب، وقالت النائبة زوي لوفجرين إن الموعد لن يتغير كي يناسب ترامب.

وأضافت في بيان: «لن نفكر في عمل ذلك تحت أي ظرف من الظروف للتكيف مع رد فعل الرئيس غير المناسب والعشوائي على جائحة كورونا، أو إعطاء مصداقية للأكاذيب والمعلومات الخاطئة التي ينشرها عن الطريقة التي يمكن بها للأمريكيين الإدلاء بأصواتهم بأمان».

ويقول منتقدو التصويت بواسطة البريد إن الناخبين يستطيعون الإدلاء بأصواتهم أكثر من مرة، ثم الذهاب إلى مراكز الاقتراع. ولا يوجد دليل على حدوث تزوير واسع النطاق، بحسب دراسات متعددة أجريت خلال سنوات، على مستوى الولايات المتحدة ككل، وعلى مستوى الولايات.

فالخيارات امام الرئيس ترامب لضمان الفوز تبدو معقدة اجتماعيا وسياسيا ونفسيا واقتصاديا وصحيا، حتى ورقة الدعم من اللوبي اليهودي تبدو مستبعدة لأن الفجوة بين سياسة “إسرائيل” بقيادة نتنياهو حليف ترامب وبين يهود امريكا آخذة في التوسع، فما زال الحزب الديمقراطي هو البيت السياسي لليهود الأمريكيين، وهم في المجمل يعارضون سياسة نتنياهو وسياسة الضم ويؤكدون ان ضمان امن “إسرائيل” يكمن في الحفاظ على حل الدولتين وهو ما اعلنه بايدن وعبّر عنه اللوبي اليهودي “ايباك” في جلسة مغلقة لأعضاء في الكونغرس من الديمقراطيين.

يحاول ترامب بشتى السبل التهرب من الاستحقاق الانتخابي، مرة بحجة احتمال التزوير، ومرة بمحاولة اختراع أزمات مع الخارج، لأنه يرفض التخلي عن الرئاسة.