التظاهرات لإسقاط نتنياهو: أين الحضور الفلسطيني؟!

أشرف العجرمي.jpg
حجم الخط

بقلم: أشرف العجرمي

يوماً بعد يوم يتفاقم مأزق رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وتشهد إسرائيل تظاهرات تتسارع وتيرتها وتتعاظم قوتها وعدد المشاركين فيها وتصميمهم على إسقاط نتنياهو الذي يتهم بأنه السبب في تدهور الوضع في إسرائيل، سواء فيما يتعلق بإدارة ملف «الكورونا» بصورة فاشلة أم في الأزمة الاقتصادية، مع تضرر قطاعات اقتصادية مهمة وازدياد حدة البطالة ووصول عدد العاطلين عن العمل إلى ما يقارب المليون شخص، وكذلك بسبب فساده ومحاولاته المحمومة لتدمير النظام السياسي ليصبح مطواعاً لمصالحه الشخصية وبعيداً عن الفصل بين السلطات وهجومه المدمر على قطاع القضاء، واهتمامه الفائق بالنجاة في معركة البقاء أكثر من أي شيء آخر.
وهناك مشكلات تبدو أكثر بروزاً في هذا السياق خصوصاً قصور الجهاز الصحي عن معالجة انتشار عدوى «الكورونا» والذي قد يصبح في حالة انهيار مع قدوم فصل الشتاء وازدياد عدد المصابين، بحيث لا تستطيع المستشفيات الإسرائيلية الصمود أمام الأعداد الكبيرة المتوقعة. وفوق كل هذا هناك المشاكل الأمنية التي لا حل لها وخاصة التهديد من الجبهتين الشمالية والجنوبية. وحسب تقرير مراقب الدولة فإن إسرائيل ليست جاهزة لحرب قد تمتد لأيام عديدة، وفي هذه الحالة سيصبح 2,6 مليون مواطن بدون حماية بسبب عدم توفر الملاجئ الصالحة والقريبة من منازلهم عند التعرض لقصف صاروخي.
وحتى تبدو صورة الوضع الذي تعيشه إسرائيل أكثر وضوحاً يكفي الاطلاع على تقرير الجبهة الداخلية في الجيش الإسرائيلي الذي يقول إن نسبة ثقة الجمهور في مؤسسات الدولة انخفضت بصورة كبيرة إلى 20% في شهر تموز، بينما كانت في شهر أيار الماضي 50%. وهذا يعني أن الحكومة وصلت إلى مستوى متدن من الشعبية، ربما يكون قياسياً بالمقارنة مع حكومات أخرى بل ومع فترات سابقة لها نفسها، وهو ما ينعكس على مستوى الثقة برئيس الحكومة وبوزرائها.
التظاهرات التي تعم إسرائيل وتتركز بشكل خاص مقابل ديوان رئيس الحكومة في القدس الغربية ومقابل بيتي نتنياهو في القدس وقيساريا لم تعد تقتصر على المعارضين من اليسار الذين لم تعد أحزابهم باستثناء حركة «ميرتس» قادرة على تمثيلهم أو تحظى بوزن كبير، بل تشارك فيها قطاعات كبيرة من الوسط واليمين وخاصة المتضررين من الوضع الاقتصادي المتدهور. والظاهرة اللافتة أكثر من غيرها وجود مصوتين تقليديين لحزب «الليكود» يتظاهرون ضد نتنياهو ويريدون سقوطه ويتوعدون بعدم التصويت أكثر لهذا الحزب، ما قد يقود إلى انزياح في الخارطة السياسية في الانتخابات القادمة كما حصل في الثورة الاجتماعية التي لم تستثمر جيداً في السنوات الماضية.
ومع اتساع حجم المشاركين في التظاهرات بدأ اليمين المتطرف وجماعات الضغط « الليكودية» بممارسة الهجوم على المتظاهرين ونعتهم بأقذع الأوصاف حتى بالخيانة وبأنهم ليسوا من البشر، وأخيراً بدأت بعض العصابات مثل «لا فميليا» التي هي جماعة مؤيدة لنادي «بيتار القدس» العنصري المحسوب على «الليكود» بالاعتداء الجسدي على المتظاهرين لدرجة أن وزير الأمن الداخلي أمير أوحانا يحذر من أن الكراهية والتحريض المنتشرين أسوأ من الفترة التي سبقت اغتيال اسحق رابين، ما قد تنتهي بإراقة دماء.
ويلاحظ عدم وجود حضور لفلسطينيي الداخل في التظاهرات، وأن تمثيلهم فيها رمزي. وحسب التقديرات يشارك فقط حوالي مئة متظاهر منهم وعلى رأسهم رئيس القائمة العربية المشتركة أيمن عودة بشكل منتظم تقريباً. وهذا الغياب للمواطنين الفلسطينيين في إسرائيل مرده لخلافات حول المشاركة، فبعض القوى ترى أنها لا تستطيع المشاركة لأن الجمهور المشارك في التظاهرات لا يرفع شعارات تخص الفلسطينيين مثل المساواة وإلغاء الضم وقضايا سياسية تهمهم. ولكن هناك قوى ترى أن الأولوية هي لإسقاط نتنياهو وحكم اليمين لأن هذا مدخل مهم للتغيير، وحتى لو لم يكن بالمستوى المطلوب فعلى الأقل هذه ستكون ضربة مهمة لليمين الاستيطاني العنصري. ولن ينتهي نضال الجماهير الفلسطينية بكل تأكيد بسقوط نتنياهو.
في الحقيقة تحتل مشاركة المواطنين الفلسطينيين بكثافة في التظاهرات ضد نتنياهو أهمية خاصة حتى لو تركزت في شعار واحد هو «اسقاط نتنياهو» فقط. ولا داعيَ للتخوف من أن يستغل نتنياهو المشاركة العربية في التظاهرات ضده لكي يحرض ضد المتظاهرين، فهو يفعل ذلك بشكل منهجي، وقد نجح في خلق شرخ بين اليهود والفلسطينيين في إسرائيل، وكان جل ما يصبو إليه هو عزل الفلسطينيين في غيتوات بعيداً عن المشاركة السياسية الفاعلة. ولكنه برغم كل جهوده لم ينجح في إضعاف التمثيل الفلسطيني في البرلمان، بل على العكس ساهم في تعزيزه بشعاراته العنصرية المتطرفة ضد المشاركة الفلسطينية في التصويت.
والآن يبدو الحراك السياسي في الميدان على درجة كبيرة من الأهمية لخلق شراكة يهودية- عربية لإسقاط اليمين والتأسيس لتغيير سياسي ذي مغزى في الموقف الرسمي الإسرائيلي تجاه كل القضايا التي تهم الشعب الفلسطيني في الداخل وفي المناطق المحتلة. فالفلسطينيون في الداخل لا يمكنهم وحدهم تغيير الخارطة السياسية لصالحهم ولصالح القضية الوطنية الفلسطينية، وهم بحاجة إلى شركاء يهود أقوياء وبأعداد كبيرة ومؤثرة، وهذا طبعاً لا يغفل أهمية النضال الفلسطيني في كل الجبهات لإحداث تغيير في موازين القوى.