دمار بيروت: تنفيذ "حزب الله" عملية ضد إسرائيل سيكون صعباً

حجم الخط

هآرتس – بقلم عاموس هرئيل

في الساعات الاولى بعد الانفجار الضخم في ميناء بيروت في يوم الثلاثاء عملوا في جهاز الامن في اسرائيل بشكل جدي من اجل تركيب صورة استخبارية أولية حول ما حدث هناك. الحدث الذي هز لبنان فاجأ ايضا الجارة في الجنوب بصورة مطلقة. رغم تغريدات انتصار غبية لسياسيين عديمي المسؤولية ومراسلين، يبدو أنه لم يكن للاستخبارات الاسرائيلية أي علاقة بالانفجار. ومن المعقول أن تداعياته، رغم ذلك، ستؤثر ليس فقط على علاقات القوى الداخلية في لبنان، بل ايضا على التوتر بين اسرائيل وحزب الله.

​التقارير الاولية من لبنان أفادت بأن الكارثة مصدرها خلل في مخزن للالعاب النارية. وبعد ذلك تم الحصول على رواية استكملت الصورة: الحديث يدور عن مخزن كبير لمادة نترات الامونيا، وهي المادة الخطيرة التي تستخدم للاغراض الصناعية وانتاج الاسمدة الزراعية، رغم أنه كانت في السابق حالات استخدمت فيها ايضا لانتاج العبوات الناسفة. وما زال من غير الواضح حتى الآن من الذي كانت بحوزته هذه المواد، ولصالح من، وهل تم ذلك بصورة قانونية وتحت أي اشراف.

​لبنان يعتبر منذ عشرات السنين دولة منحلة وفاسدة وتجد صعوبة في انفاذ القانون والنظام على المستوى الاساسي جدا. الآن سمعت ادعاءات عن تجاهل الدولة للاخطار الامنية في ميناء بيروت وطلبات لاستقالة الحكومة بسبب الكارثة. في الخلفية تم العثور على الفيل الذي يوجد في الغرفة، وهو حزب الله. السلطات في الدولة لا تتجرأ على مواجهة القوة المسلحة الاكبر في لبنان. هذا التوجه فقط ازداد شدة منذ تشكيل الحكومة الاخيرة التي يسيطر حزب الله عليها بدرجة كبيرة من وراء الكواليس.​

​هذه النقطة هامة ايضا بسبب موقع الحادث أمس – حزب الله نشيط دائما في نقاط الدخول الى لبنان – وايضا بسبب نوعية المواد التي أدت الى الانفجار، التي كما قلنا توجد لها ايضا اغراض عسكرية ثانوية. البنية العسكرية لحزب الله تنتشر في داخل التجمعات السكانية في ارجاء لبنان – بيروت والبقاع وقرب الحدود مع سوريا وفي جنوب الدولة.

​في السنوات الاخيرة شنت اسرائيل حملة دولية حول ذلك لتحقيق هدفين: اجبار حزب الله على اخلاء منشآت عسكرية، التي وجود المدنيين حولها يستخدمه كطبقة حماية بشرية، واعداد الرأي العام العالمي لاحتمالية أن يصاب الكثير من المواطنين اللبنانيين بصورة غير متعمدة في حالة اندلاع حرب لبنان الثالثة.

​قبل سنتين تقريبا، في خطابه السنوي في الجمعية العمومية في الامم المتحدة، عرض رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو خرائط وصور جوية لمواقع أخفى فيها حزب الله، حسب قوله، مخازن سلاح ومواقع لتحسين دقة ترسانة صواريخه. أحد هذه المواقع موجود تحت ملعب كرة القدم في بيروت. وبعد بضعة ايام استدعت حكومة لبنان دبلوماسيين اجانب الى جولة في هذه المواقع بهدف نفي ادعاء اسرائيل. ويبدو أنه بين الخطاب وبين الجولة تم بسرعة اخلاء الأدلة المجرمة من هناك. ومشاركون في هذه الجولة قالت للصحيفة بأنهم لاحظوا بسهولة علامات غير جافة للدهان.

​ما الذي سيفعله حزب الله الآن؟ السؤال الملح الذي يقلق اسرائيل يتعلق بالحساب المفتوح بين الطرفين. في 21 تموز قتل أحد نشطاء حزب الله، الذي تمت اعارته لحرس الثورة الايراني، في هجوم جوي نسب لاسرائيل في مطار دمشق. ومنذ ذلك الحين هددت جهات في التنظيم بعملية انتقام. في الاسبوع الماضي في 27 تموز تم احباط محاولة رد لحزب الله عندما قامت قوات للجيش الاسرائيلي بجعل خلية لحزب الله تهرب عن طريق اطلاق النار التحذيرية عليها بعد اجتيازها للحدود ودخولها الى المنطقة الاسرائيلية في مزارع شبعا. ايضا بعد الحادثة جاء في تقدير الاستخبارات بأن حزب الله سيبادر الى محاولة اخرى لأن الحساب لم يغلق.

​ولكن الرغبة في ذلك تلاقي توازن مختلف عندما يكون لبنان قد تكبد اكثر من 100 قتيل في انفجار بيروت، وربما ايضا عشرات أو مئات المفقودين الذين دفنوا تحت الانقاض. في هذه الظروف يصعب التصديق بأن حزب الله سيخاطر بعملية اخرى ضد اسرائيل. سكرتير عام التنظيم، حسن نصر الله، بالتأكيد يعرف أنه سيجد صعوبة في تقدير التدهور بسبب الانتقام لموت أحد النشطاء الذي تمت استعارته، في حين أن دولته تلعق جراح الحدث الاصعب الذي عرفته في العقدين الاخيرين، وفي الجيش الاسرائيلي يعرفون ذلك ايضا. واذا سمعنا في الايام القريبة عن تخفيف تدريجي في الاستعدادات على الحدود الشمالية سيكون هذا هو سبب ذلك.

​على المدى الابعد يبدو أن حزب الله يوجد في مشكلة آخذة في الشدة. كما أن لبنان غارق عميقا في مشكلات ازمة اقتصادية شديدة، التي ازدادت خطورة بسبب عقوبات اقتصادية دولية نابعة من مشاركة حزب الله في الحكم وعلاقته مع سوريا وايران. وقوة غضب الجمهور كان يمكن رؤيتها في بداية السنة الحالية، في مظاهرات كثيرة المشاركين بدأت بسبب الوضع الاقتصادي واستمرت حتى فترة الكورونا.

​معادلة القوة السابقة كانت مريحة جدا لحزب الله: التنظيم سيطر بشكل كبير على ما يجري، لكن معظم الشكاوى وجهت لحكومة لبنان، وفي السنوات الاخيرة لم يتم بذل أي محاولة حقيقية لاجباره على نزع سلاحه. وعلى المدى البعيد ربما أن اللبنانيين – في موجة المظاهرات السابقة شارك مواطنون من جميع الطوائف – سيجبرون حزب الله على الخروج من المكان المريح له.

​من ناحية اسرائيل اشعلت هنا ايضا اضواء تحذيرية محتملة. الحرب الاخيرة مع حزب الله اندلعت في 2006، في الفترة التي كان فيها نصر الله خاضع لضغوط داخلية ضخمة. واختطاف جنود الاحتياط على الحدود تم، ضمن امور اخرى، كمحاولة لابعاد النار عن حزب الله. هذه العملية تشوشت بصورة كبيرة وتسببت للبنان بحرب زائدة مع اسرائيل.

​من السابق لأوانه دفن لبنان

​في صيف 2010 جاء الى اسرائيل في زيارة عمل قصيرة اللورد مايكل وليامز، مبعوث الامم المتحدة في لبنان. وفي محادثة معه في القدس سمع الدبلوماسي البريطاني (الذي توفي قبل ثلاث سنوات) قلقا جدا. لبنان حسب وصفه، كان يقف في حينه على شفا حرب اهلية. الخلفية: الضغوط على حزب الله ازاء تشكيل المحكمة الدولية التي حققت في تورط التنظيم في قتل رئيس الحكومة رفيق الحريري، قبل خمس سنوات ونصف من ذلك (قرار الحكم كان يتوقع أن ينشر في هذا الاسبوع، لكن تم تأجيله الى وقت لاحق في هذا الشهر).

​التنبؤ المتشائم لوليامز، المراقب المجرب في شؤون الشرق الاوسط، لم يتحقق. عندما اندلعت بعد بضعة اشهر الهزة في العالم العربي فقد اضرت بشكل كبير بجارات لبنان، لكن تقريبا هي تجاوزته. سوريا تدمرت تقريبا تماما، لكن في لبنان، ربما ايضا بسبب صدمة الحرب الاهلية في السبعينيات، لم تمسك المعسكرات المتعادية السلاح. الدولة بقيت قائمة حتى عندما اضطرت الى استيعاب اكثر من مليون لاجيء سوري.

​أمس شهد لبنان كارثة فظيعة، نزلت عليه في فترة فيها نسبة البطالة مرتفعة جدا وملايين المواطنين فيه يعيشون تحت خط الفقر وشبكة الكهرباء تنجح فقط في تزويد الكهرباء للبيوت بضع ساعات في اليوم. مع ذلك، من السابق لأوانه دفن الدولة. فالامور في لبنان تجري على وتيرتهم، ويمكن التقدير بحذر بأنه في وقت ما سينهض اللبنانيون من بين الانقاض الضخمة التي خلفها الانفجار في الميناء.