لبنان حفر لنفسه هاوية وتلقى ضربة قاضية ، لكن من مثله يعرف كيفية الخروج من ذلك .

حجم الخط

هآرتس – بقلم تسفي برئيل

“تشرنوبل لبنان”، “حرب نووية”، “بيروت انتهت”، هذه الاوصاف التي تحتل عناوين التقارير عن الانفجار الفظيع في يوم الثلاثاء في ميناء بيروت، لا تنجح في نقل كامل حجم الدمار والذعر والغضب واليأس.

​مواطنون يبحثون عن اقاربهم بين انقاض الاسمنت وقضبان الحديد، مصابون ينتظرون لوقت طويل سيارة الاسعاف، مستشفيات فارغة من الادوية والأسرة، اطباء يركضون بين المصابين وبين مصابي الكورونا، قصص انسانية تفطر القلب عن اولاد وشيوخ اصيبوا، وعن مصالح تجارية دمرت وعن حكومة عاجزة، كل ذلك يخلق قصة الضربة القاضية التي اصابت الدولة التي يعتمد وجودها نفسه على ضبط النفس.

​المعطيات الرسمية وغير النهائية تتحدث عن 135 قتيل واكثر من خمسة آلاف مصاب. وغير معروف عدد المفقودين الدقيق، وربما أن عدد القتلى سيزداد كلما واصل عمال الانقاذ العمل. دول عربية سارعت الى ارسال مساعدات طبية. قطر والكويت ارسلت مستشفيات ميدانية الى بيروت. والاردن سيقيم مستشفى عسكري. والعراق ارسل طواقم طبية. والرئيس الفرنسي سيصل اليوم الى لبنان من اجل الوقوف عن كثب على حجم الاضرار ولتجنيد دول اخرى لمساعدة لبنان.

​بوابة الدخول الى الدولة معطلة

​محافظ لواء بيروت، مروان عبود، قدر الاضرار بمبلغ 3 – 5 مليار دولار. ولكن يبدو أن هذا تقدير ناقص يتناول فقط حجم الدمار الفوري، ولا يتناول الاضرار الاقتصادية الكبيرة التي سيضطر لبنان الى مواجهتها في المدى الآني والقريب.

​ميناء بيروت، بوابة الدخول الرئيسية للدولة والذي تصل اليه نحو 3 آلاف سفينة كل سنة وعن طريقه يدخل نحو 70 في المئة من مداخيل الدولة، معطل وستكون حاجة الى ايجاد بديل له. الميناء الثاني في طرابلس لا يمكنه استيعاب حجم الحركة البحرية. صوامع الحبوب الضخمة التي تخزن في الاوقات العادية نحو 85 في المئة من الحبوب المستوردة للدولة اصيبت في الانفجار. وايضا مخازن الجمارك ومخازن المستوردين وتسهيلات نقل وروافع ومكاتب الادارة. اضرار كهذه يمكن أن تضع لبنان امام خطر نقص المواد الاساسية، الذي سيضاف الى الازمة الاقتصادية الشديدة في الدولة.

​رئيس بلدية بيروت، جمال عيتاني، قدر أن 300 ألف شخص فقدوا بشكل كامل أو جزئي مكان سكنهم، وستكون هناك حاجة الى ايجاد مسكن بديل لهم مؤقت، في بيروت أو خارجها. وقد وعد عيتاني بأن يضع تحت تصرف المتضررين مبلغ 30 مليار ليرة لبنانية. ولكن عدد الاصفار الذي يشمله هذا الرقم يدل على القيمة الحقيقية. حسب السعر الرسمي، 1507 ليرة للدولار، فان قيمة المساعدة تبلغ نحو 20 مليون دولار. ولكن عندما يكون السعر الحقيقي في السوق السوداء هو 7900 ليرة للدولار فان قيمة هذا المبلغ تهبط الى 3.8 مليون دولار، وهو مبلغ بائس لا يمكنه توفير تكلفة نقل مئات آلاف المتضررين الى اماكن النوم الجديدة عندما سيتم ايجاد هذه الاماكن.

​صندوق فارغ

​الصندوق الفارغ لحكومة لبنان، الذي يبلغ العجز “العادي” في ميزانيته 11 في المئة والآن يتوقع أن يقفز الى ارتفاعات جديدة، يواجه بدون نجاح، حتى قبل الانفجار، مطالب تمويل متزايدة. الحكومة قررت في شهر آذار أن تؤجل للمرة الاولى تسديد دفعات الديون لمؤسسات التمويل بمبلغ 1.2 مليار دولار، ودفعات كان يجب عليها تسديدها في نيسان وحزيران بمبلغ مشابه. بدون هذا التأجيل كانت ستصل الى الافلاس.

​هذا الشهر يجب على الحكومة في بيروت دفع 100 مليون دولار لشركة “كارا دنيس” التركية التي تشغل سفن الكهرباء التي توفر نحو 400 ميغاواط لبيروت وجبل لبنان. وحتى نهاية السنة القادمة سيكون عليها دفع حوالي 800 مليون دولار اخرى فقط مقابل الكهرباء، اضافة الى دفعات استيراد الوقود الذي يشغل آلاف المولدات التي تستخدم كبديل لشركة الكهرباء المحلية التي لا تستطيع مواجهة حجم الاستهلاك، والتي هي نفسها غارقة في عجز كبير منذ سنوات كثيرة. هذا اضافة الى ديون بالمليارات الدولة مدينة بها للمستشفيات الخاصة التي توقف عدد منها عن استقبال المرضى أو المصابين، وايضا اضافة الى فشل معالجة مكبات القمامة، وهو الامر الذي أدى الى ازمة ثقة شديدة والى مظاهرات ضخمة قبل نحو خمس سنوات، ويهدد بالانداع من جديد.

​مصادر تمويل الحكومة اللبنانية التي تقدر ديونها باكثر من 90 مليار دولار، حوالي 160 في المئة من الناتج الاجمالي الخام، نفدت. الدول المانحة التي تعهدت قبل سنتين بضخ 11 مليار دولار انتظرت حتى الآن تشكيل حكومة مستقرة تستطيع التوقيع على اتفاقيات التمويل.

​ولكن حتى عندما تم تشكيل حكومة حسان ذياب لم تسارع الدول المانحة الى مساعدة الدولة التي فيها حزب الله يشكل جزء لا ينفصل من الحكم، والفساد فيها عميق والشفافية فيها تعتبر شتيمة والقدرة على الرقابة وانفاذ القانون هي مفاهيم نظرية. لبنان لا يستطيع توقع، حتى بعد الكارثة، بمساعدات مالية تنقذه من الهاوية التي حفرها لنفسه خلال عشرات السنين، كجزء من اسلوب الحكم الذي وزع موارد الدولة حسب النظام الطائفي، وبالاساس حسب القرب من رؤساء الحركات السياسية.

​مساعدة الطواريء التي سيحصل عليها لبنان من دول عربية ودول غربية هي حيوية لحل الضائقة الصعبة والفورية التي وجدت. ولكن حجم هذه المساعدة الذي لا يزال غير معروف، لن يكفي لاعادة بناء الاقتصاد من الجذور. النتيجة ستكون أن لبنان سيدار من يوم الى آخر دون قدرة على بناء برنامج اصلاحات اقتصادية بعيد المدى، حيث القيود السياسية المربوطة بقدميه ستواصل تثبيته في مكانه.

​في اعقاب الاعلان الرئاسي عن حالة طواريء في الاسابيع القريبة سيكون الجيش هو الذي يدير الشؤون العامة اللبنانية. الجنود سيفرضون حظر التجول وسيقيمون الحواجز وسيحافظون على منطقة الميناء المنكوبة وسيعتقلون من يخرق حظر التجول، وبالاساس سيمنعون المظاهرات التي يتوقع اندلاعها وسيلقون الى الشوارع كل عبء الاحباط والغضب التي تراكمت خلال سنين ووصلت الى الذروة عند الانفجار.

​مقالات وتحليلات في وسائل الاعلام اللبنانية تلقي بكامل التهمة على الحكومة اللبنانية الحالية وعلى الحكومات السابقة. بسخرية وغضب كتب عن جلسة مجلس الدفاع القومي التي عقدت أمس كجلسة طواريء، والتي تضم الوزراء المعنيين ورئيس الحكومة ورئيس الدولة ورؤساء الاجهزة الامنية. وكل ما قررته هو تشكيل غرفة عمليات لمعالجة الازمة. “كيف يمكن أن يحدث أن مدير الجمارك، الشخص المسؤول مباشرة عن المخازن التي انفجرت، يظهر في الجلسة وهو لا يخضع للتحقيق؟”، تم التساؤل في أحد المقالات. “الآن بالتأكيد سيعلنون عن لجنة تحقيق رسمية لا يمكن لأحد أن يصدق نتائجها”، كتب في المقال.

​ولكن لبنان الحزين والغارق في حزن وطني، سبق له ومر بكوارث وحروب تقريبا كادت تؤدي  الى موته. حرب اهلية فظيعة استمرت 15 سنة، احتلال اسرائيلي استمر 18 سنة، حرب لبنان الثانية التي دمرت البنى التحتية للاقتصاد والحرب في سوريا التي استمرت تسع سنوات واضرت بصورة كبيرة باقتصاد لبنان. من كل هذا خرج لبنان ونجح في اغلب الاحيان في اعادة اعمار نفسه والوقوف على قدميه، حتى لو كانت هذه الارجل تظهر مثل ارجل دجاجة. يجب علينا الأمل ويمكن التوقع بأن هذه الروح اللبنانية ونفس بيروتها التي خصصت لها المطربة فيروز احدى اغنياتها المؤثرة، ستنهض من تحت الانقاض في هذه المرة.