عن «بيروتشيما» والتغيير الكبير

عبير بشير.jpg
حجم الخط

بقلم: عبير بشير

على بعد ثلاثة أيام، من صدور الحكم النهائي في قضية اغتيال رفيق الحريري- والذي جرى تأجيل النطق به لاحقا -، وعلى وقع انفجارات طهران الغامضة، والحرب الخفية في المنطقة، وفي ظل ارتفاع منسوب التوتر في الجنوب اللبناني على خلفية مقتل أحد عناصر حزب الله في غارة إسرائيلية على سورية، وتعهد حزب الله بالرد، وتوعد تل أبيب بتحويل لبنان إلى العصر الحجري، وتدمير منشآته الحيوية، إذا قام الحزب بتنفيذ تهديداته، والحديث المتواتر عن خطة لتركيع الدولة اللبنانية عبر الضغط الاقتصادي والسياسي. بهذه الخلفية المعقدة وقعت «بيروتشيما»، كما أن قنبلة نووية تكتيكية ألقيت على قلب لبنان حيث انفجر2700 طن من نترات الأمونيوم التي تدخل في صناعة المتفجرات، مصادرة ومخزنة منذ ست سنوات في العنبر رقم 12 في مرفأ بيروت.
وبدا المشهد في لبنان مهولاً، أمام هول الإعصار الذي ضرب لبنان من بوابته الى الشرق والغرب، وأحدث دماراً هائلاً في الواجهة البحرية لبيروت، وفي قطر عشرين كيلومترا من العاصمة، وفداحة الخسائر البشرية للأرواح البريئة، والكلام عن حجم الخسائر الاقتصادية والمالية، في بلد يمعن في الانزلاق نحو قعرٍ من الفقر والجوع والمرض، حيث يرخي فيروس كورونا والانهيار الاقتصادي بكامل ثقلهما على لبنان. والأهم أن الحكومة اللبنانية، لا بل السلطة بكاملها أضحت بعد الانفجار وقبل استقالة الوزير ناصيف حتّي من الخارجية، في أدنى درجات الضعف بما يهدد بتحلل الدولة اللبنانية وتفتتها.
والخسارة الأكبر هي أن يُدمر مرفأ بيروت، وهو رئة بيروت الاقتصادية، ويشكل أكبر نقطة شحن وتخليص بحرية في لبنان التي تستقبل الجزء الأكبر من الغذاء الذي يدخل البلاد.
إضافة إلى أن إهراءات قمح تستوعب 120 ألف طن، ومستودعات الأغذية والدواء، قد احترقت، في بلد يواجه بالفعل «أزمة غذاء كبيرة»، ويوضع أمنه الغذائي على المحك. ولا يقل عن ذلك، التدمير الكلي لمرفأ، يرتبط ارتباطاً مباشراً بنحو 56 مرفأ في العالم ويتعامل مع نحو 300 مرفأ، وأحد أهم المرافئ البحرية على طول الشاطئ الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، ويؤمن مستلزمات الأسواق العربية، وهو ما كان يزعج إسرائيل الساعية الى منح ميناء حيفا هذه الميزات.
وسيؤدي توقف المرفأ عن العمل إلى شل حركة الاستيراد والتصدير وحركة رسو السفن والترانزيت، فضلاً عن توقّف الإيرادات من الرسوم الجمركية للخزينة.
الوضع الكارثي الذي لم تشهده بيروت في تاريخها، ولا في عز أزماتها، على الأرجح، ليس سوى حلقة إضافية من اهتراء السلطة في لبنان، ومن تضافر حكم اللصوص وتحالف الفساد والطوائف الذي دمر قسماً كبيراً من المدينة ومعه مصائر سكانها بعدما اجتث حياة مئات القتلى وآلاف الجرحى.
ورغم كل ذلك، يؤكد خبراء المتفجرات، أن العناية الإلهية تدخلت في انفجار بيروت وحالت دون تحويله إلى مجزرة حقيقية قد تفوق أضرارها سواء الجسدية او المادية ما نشهده اليوم، حيث إن انفجار شحنة يزيد وزنها على 2700 طن من مواد نترات الاسيد ونترات الامونيا، يمكن في حال حدوثه في منطقة مغلقة ان يكون ضمن نطاق قطر يتعدى الـ 80 كلم وربما أكثر! وما حال دون حدوث ذلك، قرب نقطة الانفجار من البحر، الذي يعتبر نقطة مفتوحة مكنت من تصريف عصف الانفجار والضغط الناتج عنه باتجاه منطقة فارغة، وهو ما يفسر شعور سكان الساحل القبرصي بترددات الانفجار.
صحيح أن الرواية الحقيقية بسبب التفجير المهول ما زالت «تحت الأنقاض» تتوسطها البعثرة الجارية في المسرح السياسي.
لكن الصحيح أيضا، أن الاحتمالات لا بدّ أن تكون مفتوحة، تبدأ بعامل الإهمال ولا تنتهي بالتلاعب الأمني في إقليمٍ متوتر بظروفٍ مهيأة.
ورغم أن الرواية الرسمية، كانت تتحدث عن إهمال بشري، وليس عن عمل أمني إرهابي، أدى إلى حريق تسبب في انفجار بالات نترات الأمونيوم المخزنة في المرفأ بطريقة بدائية، إلا أنه في الساعات الأخيرة برزت فرضية أمنية لا تستبعد تفجير العنبر رقم 12بحادث مفتعل قامت به جهات معادية.
حيث يؤكد الخبراء، أن ثمة أسئلة عديدة وكبيرة لا بد من الإجابة عنها. فنترات الامونيوم هو ملح أبيض لا رائحة له، يجري استخدامه كقاعدة لكثير من الاسمدة النيتروجينية في شكل حبيبات. هو منتج غير قابل للاحتراق، لكنه مؤكسد وقابل للانفجار بنحو مرعب، في حال تعرّضه لمصدر شديد الحرارة. وبالتالي، فالسؤال الاول والبديهي هو: ما هو الصاعق الذي قام بتفجير نيترات الصوديم، المخزنة في بالات وغير معدة للتفجير أصلا، إلا بوجود قنبلة شديدة الطاقة أدخلت على العنبر رقم 12.
الرئيس ميشيل عون أكد أن «التحقيق الآن يرتكز على 3 مستويات: أولاً على كيفية دخول هذه المواد المتفجرة وتخزينها في العنبر رقم 12؛ والثاني ما اذا كان الانفجار نتج بسبب الإهمال أو حادث قضاء وقدر؛ والثالث هو احتمال أن يكون هناك تدخل خارجي، أو عمل تخريبي أدى إلى وقوع هذا، لذلك طلب من الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، صورًا جوية أثناء الانفجار للوقوف على أسباب الهجوم.
ورغم كل ذلك، فإنه من رحم الدمار الذي أسقط ما تبقى من مداميك صمود لدى لبنان، شعباً ودولة، تلوح فُرصة إنقاذ أخيرة قبل زوال البلد الذي يعرفه أهله والعالم. هَول الانفجار الذي حطّم بيروت
جعل العالم كلّه يتأهّب لنجدة لبنان ومساعدته. وسريعاً بدأت المساعدات تصل عبر مطار بيروت، طائرات تحمل محبة ودعماً. 
وشكل قدوم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون شخصياً وسريعاً الى لبنان لمعاينة الأضرار في لبنان، زيارة أكثر من تاريخية، ومفصلية، وتحمل «كلمة السر» وهو ميثاق لبناني جديد.
وزيارة ماكرون ليست بعيدة، عما يراه المراقبون، بأن مفاعيل الانفجار السياسية والاقتصادية، أكان مفتعلاً أم لا، ستكون أكبر بكثير من حجمه، وبأن هذا الحدث الكبير قد يؤدي إلى تغيير قواعد اللعبة في لبنان، من حيث أن السلطة والعهد المعزول دولياً، ستوظف هذا الحدث للدفع نحو فك العزلة عن الحكومة عبر استخدام ملف المساعدات الإنسانية والطبية للتطبيع والحصول على مساعدات اقتصادية. لكن الدول الغربية ستحاول توظيف هذا الحدث لتعزيز الضغط على حزب الله والمطالبة بتحقيقات دولية مستقلة وطرح ضرورة معالجة الفساد واستعجال الإصلاحات العميقة.
وهذا ما لمح به ميشيل عون على هامش زيارة ماكرون، بأن الحادث الأليم فك الحصار عن لبنان، وأن لبنان أمام تغيرات كبيرة، قد تصل إلى تغيير ميثاقه، ونظامه السياسي!