بيروت .. "كان جمالك يؤذينا" ، وما يزال

حجم الخط

بقلم : حمدي فراج

 

لم يبالغ من قال ان الانفجار الذي وقع في بيروت ، كأنه وقع في فلسطين ، واذا اصاب في بيروت مرفأها ، فإنه اصاب في فلسطين قلوب الناس بغض النظر عن انتماءاتهم ومعتقداتهم .

لكن بالغ كثيرا من قال ان اسرائيل مستعدة لتقديم يد العون والمساعدة الانسانية ، وقبل ان يسمع اي جواب لبناني ، أجاب نفسه : "ولكن لبنان لا يقبل " ، وبهذا يكون ضرب العصفورين بالحجر الواحد ؛ ابدى الاستعداد اللفظي بالمساعدة من دولة انسانية متحضرة ، و محملا مسؤولية رفضها لدولة منغلقة متعطشة لمواصلة العداوة والبغضاء .

زعيم حزب "هوية"موشيه فيغلين، شغل نائب رئيس الكنيست عن الليكود أبدى فرحه واسدى شكرا لربه بمأساة بيروت : "كل هذا الجحيم كان سيسقط علينا . اليوم هو يوم شكر حقيقي لله" وهو تعبير مكثف عن دقة مشاعرهم ازاء كل ما يصيبنا في بيروت وبغداد ودمشق وصنعاء و الخرطوم والقاهرة ، حتى لو كان حادثا عرضيا ، حتى لو كان خروج قطار عن السكة ، حتى لو كان انهيار مبنى ، اول ما يسألون عنه : كم عدد القتلى . وبعدها يشكرون ربهم على ما "تفضل" به ، وحين لا "يتفضل" ، يعتمدون على انفسهم ، فيدمرون بيروت بآخر ما جادت به مصانع القتل من قنابل ذكية وعنقودية و نابالمية وفسفورية وفراغية ، واذا كانت عمليات القصف والسفك تستغرق بضعة ايام او أشهر ، فإنها اليوم تستغرق سنوات طويلة ، كما مع ليبيا وسوريا واليمن . أما بيروت ، فيتم العودة اليها بين الحين والآخر ، للاطمئنان انها ما زالت على خرابها وعجزها واشتعال طوائفها ؛ قبل احتلالها عام 1982 وارتكاب مجازرها في صبرا وشاتيلا ، تم اجتياح جنوبها في عملية الليطاني ، وتم انشاء جيش خاص يتبع للجيش الذي لا يقهر ، وبعد ذلك تم ارتكاب مجزرة قانا عام 1996 ، ثم تدمير الجنوب بحثا عن حسن نصر الله عام 2006، آملين هذه المرة ان يجدوه او بعض من أثره في المرفأ . هذا ما بدأت تلمح له بعض وسائل الاعلام العبرية والعربية الرديفة تلميحا ، وسرعان ما طغى على المشهد التدميري الهائل ، ليصبح هو المبنى والمعنى وسدرة المنتهى .

لا يحتاج المرء الى كثير من الذكاء ليعرف لماذا تستهدف اسرائيل لبنان ، ولماذا تم تقسيمها من بين كل الدول كل هذا التقسيم الطائفي ، ولماذا تغرق في ازمة اقتصادية مستعصية ، ولماذا يتم تسليط دول شقيقة عليها لمعاقبتها بما في ذلك احتجاز رئيس وزرائها السابق في الرياض لولا تدخل ماكرون المباشر للافراج عنه .

كتب لها نزار قباني "ست الدنيا" : نعترف أمام الله الواحد.. أنّا كنّا منكِ نغار.. وكان جمالكِ يؤذينا.. نعترف الآن.. بأنّا لم ننصفكِ.. ولم نعذركِ.. ولم نفهمكِ.. وأهديناكِ مكان الوردةِ سكّينا... وحمّلناكِ معاصينا.. يا سِتَّ الدنيا، إنّ الدنيا بعدكِ ليست تكفينا.. الآن عرفنا.. أنّ جذوركِ ضاربة ٌ فينا.. الآن عرفنا.. ماذا اقترفت أيدينا.. قومي من أجل الخبز، ومن أجل الفقراء .. الحب يريدكِ.. يا بيروت .. والربُّ يريدك.. ها أنتِ دفعتِ ضريبة حسنكِ مثل جميع الحسناوات .. نعترف الآن.. بأنّا كنّا أميين.. وكنّا نجهل ما نفعل.. نعترف الآن، بأنّا كنّا من بين القتله.. نعترف الآن.. بأنّا كنّا - ساعة نُفِّذ فيكِ الحكم - شهود الزور.. .. قومي من تحت الردم ، كزهرة لوز في نيسان .. قومي من حزنك .. إن الثورة تولد من رحم الأحزان .