إســـرائيــل أمــــام خـيـاريـــن: قـبـول الدولـــة الفلسطيـنـيـة .. أو الخــراب!

israeli_press
حجم الخط

بقلم: شلومو غازيت

في مقاله الأخير وضع البروفيسور شلومو افنيري مرآة امامنا، رغم انه وصل الى استنتاج متشائم: اسرائيل والحركة الصهيونية تبحثان عن «حل تاريخي» ومستعدتان للتعايش معه، اما الفلسطينيون فيرفضون أي حل وسط. يرفضون وجود كيان صهيوني اسرائيلي ويعتبرون الصهيونية حركة كولونيالية قد تقرر مصيرها، ولا يعترفون بالحق اليهودي الاسرائيلي في موطئ قدم سياسي في بلادهم، فلسطين من البحر حتى النهر.
الحركة الصهيونية، ومنذ العام 1948 دولة اسرائيل التي ينتمي اليها اغلبية اليهود الساحقة، مستعدة لتقسيم البلاد ووضع حدود كاملة معروفة ومتفق عليها بين دولتين قوميتين، كما نسمي ذلك دولتين لشعبين. فقد تنازل اليمين المتطرف منذ زمن عن هدف ضفتي النهر.
الادعاءات التي نطرحها لا تؤثر على الفلسطينيين: حياة الشخص العربي الفلسطيني في اسرائيل جيدة وآمنة اكثر من ذلك الذي يعيش في الاراضي العربية السيادية. هذا هو الفرق الكبير بين المصلحة الشخصية والمصلحة القومية.
يبدأ افنيري تحليله بطرح سؤال: اليوم وبعد عشرين سنة من التوقيع الاحتفالي على اتفاقات أوسلو، علينا أن نسأل لماذا لم يثمر ذلك عن حل وسط ومصالحة تاريخية، كما أمل المبادرون لهذه الاتفاقات (على الاقل في الطرف الاسرائيلي). وحسب جوابه القاطع فان سبب غياب النجاح لاتفاقات اوسلو هو «الاختلاف الاساسي بين المفاهيم التي ينظر كل طرف من خلالها الى الصراع».
علينا الاعتراف أن البروفيسور افنيري قد قدم الصورة المتشائمة وهذا أمر ضروري لمعرفة اختيار الطريق، وتبني استراتيجية قومية جديدة لوضع اهداف معقولة والعمل بشكل مصمم على تحقيقها.
لا نعرف اذا كانت اسرائيل تستطيع البقاء في الظروف القائمة في الشرق الاوسط وفي الواقع الاقليمي المتغير.
لست يهوديا مؤمنا ولا اعتبر من الذين يفسرون كل عمل وكل خطوة على أنها قدر الله ورغبته، ومن هنا إيمانهم المطلق بأنه ليس من المهم ما يعتقده ويفعله الفرد. كيهودي غير مؤمن اعتقد أن المسؤولية الكاملة ملقاة على كتفي، ومن هذا المنطلق مسؤوليتنا هي تحليل الواقع بشكل جريء ووضع اهداف قومية واستراتيجية. من واجبنا اختيار طريقة عمل وتحقيقها.
مفتاح حل الوضع الراهن هو وضع حل الوسط التاريخي كهدف قومي انطلاقا من الايمان بأننا إذا أبدينا الرغبة في التنازل والحل الوسط فان الطرف الثاني سيبدي رغبة مشابهة. في جوهر الحل الوسط التاريخي هناك قناعة أن الطرفين – اسرائيل والفلسطينيين – يريدان الهدف ذاته: «تقسيم ملائم بقدر الامكان للبلاد بين الطرفين». «دولتان للشعبين». هذا بالضبط الحل التاريخي الذي يرفضه الفلسطينيون جملة وتفصيلا.
كان لاسرائيل خلاف جغرافي مع مصر. هذا الخلاف تم حله بوساطة حل وسط تاريخي تم من خلال محادثات كامب ديفيد واتفاق السلام. انسحبت اسرائيل من كل سيناء ولا توجد مطالب اسرائيلية من الاراضي المصرية. حصل المصريون على ما طلبوه، ووافقوا على مطالب اسرائيل. من ناحيتهم حصل حل وسط تاريخي. وهناك قائمة طويلة من المشكلات غير المحلولة بين اسرائيل ومصر، لكن لا تدخل في إطار تعريف الحل التاريخي.
كانت لدينا مشكلة مشابهة مع الاردن، وهو الذي تنازل حيث سلم بوجود دولة اردنية في الضفة الشرقية فقط. وانفصل عن الضفة الغربية وعن مصير الشعب الفلسطيني. بنظرة تاريخية يمكن القول إن هذا كان خطأ استراتيجيا كبيرا لاسرائيل. فالمملكة الاردنية، التي تمتد على ضفتي النهر كما كان قبل حزيران 1967، كان يمكن التوصل معها الى حل سياسي حقيقي مثل «دولتان لشعبين»، لكن هذه الفرصة لم تعد موجودة، ويبدو أن علينا التوصل الى اتفاق مع الفلسطينيين.
مطلوب من القيادة الاسرائيلية الاختيار بين استراتيجيتين، الاولى هي استمرار سياسة الاستيطان والسيطرة على «ارض اسرائيل الكاملة» من البحر الى النهر، هذه هي الاستراتيجية التي تنفذها القيادة السياسية القائمة، بغض النظر عما تقوله اسرائيل للعالم، فان هذه الاستراتيجية تأخذ اسرائيل الى الضياع إلا اذا حدثت معجزة عن طريق تدخل إلهي مفاجئ يُمكننا من الاستمرار في هذه الطريق دون نشوء شرخ كامل بين اسرائيل والعالم.
الاستراتيجية الثانية هي العمل فورا بدون انتظار وبدون مرحلة أخرى من محاولات الحوار، من اجل انشاء وحدتين سياسيتين قوميتين – اسرائيلية وفلسطينية. نستطيع تطبيق ذلك بمبادرة اسرائيلية أحادية الجانب. علينا فعل ذلك من خلال الادراك الواضح أن هذه الخطوة ليست الحل الوسط التاريخي المقبول على الطرف الفلسطيني.
الهدف في هذه الحالة هو السعي الى اتفاق مرحلي طويل المدى حيث يكون واضحا للطرفين أنه ليس حلا دائما.
يجب السير فورا في هذه الطريق بدون مفاوضات وبدون اضاعة يوم واحد. الدرس الاهم – لا يجب خداع أنفسنا والعالم – بأنه لا توجد فرصة للتوصل الى اتفاق من خلال الحوار بين الطرفين.
يجب أن نفرض اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. علينا المبادرة الى اجراءات لا تبقي خيارا للطرف الفلسطيني. خطوة مشابهة قمنا بها في الانفصال عن غزة قبل عشر سنوات، لكن هذه المرة يجب الامتناع عن الاخطاء التي تمت هناك.
يجب وضع الخط الاخضر، خط وقف اطلاق النار، خط انطلاق للمفاوضات المستقبلية. حتى هذا الخط غير مقبول على الطرف الفلسطيني لأنه يعني التسليم بوجود كيان صهيوني سياسي على الارض الفلسطينية، لكن وضع هذا الخط كأساس للنقاش سيُمكن إسرائيل من العودة وأن تكون مقبولة على العالم. سيكون هذا نقيض الـ»بي.دي.اس».
بالتزامن، علينا العودة والتأكيد على رفضنا الكامل لعودة اللاجئين الفلسطينيين. وتصمم اسرائيل على استيعابهم في الدول المضيفة. واعطاء التعويضات المناسبة حيث تكون اسرائيل شريكة، وهي التي تقود التحالف الدولي الذي يتابع ذلك.
للأسف الشديد، لا أرى حكومة اسرائيل الحالية تتبنى هذه الطريق، لكن المسألة مسألة وقت – ونحن قريبون من النقطة التي سنقف فيها امام الحاجة الى الاختيار المؤلم بين خراب البيت الثالث وبين تبني السياسة الواقعية. هذه السياسة ايضا لن تكون الحل الوسط التاريخي ولكن قد تكون خطوة تؤدي اليه مع مرور السنين.
اذا فعلنا، واذا قامت دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة، ستتأسس أكثر فأكثر مع الوقت. ويمكن أن الرفض الفلسطيني المطلق للحل الوسط التاريخي سيتلاشى. هكذا يمكننا رؤية نهاية الصراع.

عن «هآرتس»