القـدس "خائـفـة" ومشحونــة بالغضـب!

20150610205803
حجم الخط

بقلم: كرميت سفير فايتس

القدس بعد عملية القتل في البلدة القديمة بساعات قليلة: هدوء مقدسي له عدة ألوان، يعرفها المقدسيون جيدا. هدوء نهاية الأسبوع الذي يأتي بعد دخول السبت بلحظات حيث يمتلئ الهواء برائحة الطعام، وهو يختلف عن الهدوء في صباح يوم عادي، قبل أن تصعد الشوارع ببطء. وهناك هدوء آخر هو هدوء ما بعد العملية.
سوق «محنيه يهودا» فارغ. وفي الايام العادية يكون مليئا بالناس، وفي الساعة الثامنة صباحا يكون من الصعب السير فيه، لكن الآن الساعة هي التاسعة والنصف والطريق خالٍ. «لم يسبق أن قمت بتغليف الكعك عشية العيد بهذه الراحة»، قال عيدان شرعابي، صاحب فرن. «انظري للبضاعة والكعك، الناس لم يأتوا والسياح هربوا. ومن يأتي هم المقدسيون فقط الذين اعتادوا ذلك».
تجار مركز القدس هم المؤشر إلى ما يحدث. فلديهم تجربة وهم يجدون لأنفسهم المبررات عند حدوث الركود. «يمكن أن يكون السبب هو الوقت المبكر أو الخوف، أو لأن هذا عشية العيد الثاني»، قال اسرائيل دانييل وهو صاحب مكتبة للكتب في الشارع الذي يتصل بطرف السوق. وهو موجود هناك منذ أربعة عقود. «كل من يتنفس هواء القدس يعرف ماذا تعني العمليات. لا يجب التذكير بالفترة التي انفجر فيها الناس كل دقيقتين. هذا لا يثيرنا، لكن الشعور هو أن الوضع خطير وقابل للاشتعال. المقدسيون يعيشون ويعرفون أن الامر يأتي على شكل موجات. لا توجد دولة اخرى في العالم تسمح بذلك، والمشكلة هي أننا غير موحدين ولا نؤمن بأنفسنا بما يكفي».
يتحدث دانييل بمصطلحات «قبل العملية» و»بعد العملية». «عندما بدأت الاعياد كانت المدينة مليئة، وفي أعقاب العمليات ساد الهدوء. عادة نعمل جيدا عشية العيد».

القلب مثقل في الشارع المبلط
من ينظر من الجانب يبدو له الشارع المبلط كالعادة. طاولات المقاهي نصف مليئة. فقط عندما ترفع الحقيقة رأسها. يخاف الجميع ويشعرون بالتوتر في الاجواء. «أخرج بقلب مثقل من البيت»، قالت ميلي لبيد وهي مقدسية منذ عدة اجيال. امنون ابن التسعين عاما يعتقد العكس، «لا يمكن تخويفنا أو كسرنا. أنت تعرفين الحروب التي مرت علينا. نعم إنها حرب وسنتجاوزها».
ع. وهو عامل قديم جدا في احدى الشبكات، يتجول وعينه منفوخة. «هل تعرفين ماذا حدث له؟»، سأل أحد اصدقائه. «اطلبي منه أن يقول لك». ع. لا يريد الحديث، فهو يخاف. عمره 60 سنة وهو عامل نظافة. بعد القتل ببضع ساعات هاجمته مجموعة من الشباب اليهود وضربته. «على من أغضب؟»، سأل بيأس. «لا أعرف ممن أخاف». ولا يضيف شيئا.
ع. ليس وحده. ففي القدس توجد شريحتان، تلك التي فوق الارض وتلك التي أسفلها. هاتان الشريحتان تحتاجان الى ضغط صغير كي تتحدا. وعندما تتحدان فلن تحدث أمور جيدة. بهدوء وفي الليل، كما قالت افرات كوهين، المسؤولة عن وردية في مرقص، عن الخوف الذي اصابها في المساء السابق. عند وصول النبأ خرجت المجموعات الى الشوارع وبحثت عمن تفرغ غضبها فيه. «وكأنهم كانوا ينتظرون حدوث شيء ليخرجوا من جميع الاماكن»، قالت كوهين.
ساعات الظهيرة، شارع «نحلات شفعة»، الحي الثالث الذي تأسس بعد الخروج من الاسوار، فارغ. تخترق الصمت اصوات مكبرات الصوت الرديئة لمؤيدي بريسلاف. هؤلاء ابطال. يستطيعون إحياء الحجارة. بكلمات «يا إلهنا اصرخ بأنه لا يوجد يأس في العالم».
في ضاحية «ماميلا» حيث الخط الذي يفصل بين القدس الغربية والشرقية، لا توجد اشارات على أنه كانت هنا أحداث قبل ساعات. قبل ليلة هاجمت مجموعة من الشباب عامل مطبخ عربيا وضربوه. الآن كل الطاولات في المقاهي والمطاعم مليئة، ومحلات الملابس مليئة. الشراء الذي يوحد اليهود والعرب. تعايش المستهلكين. وهذا لا يوجد في الخارج.
على مسافة قصيرة من هناك يرتفع برج قلعة داود، حيث الغيت 10 – 20 بالمئة من الحجوزات. الهاتف لا يتوقف عن الرنين حيث يتم قول كلمة واحدة «الوضع». هذه الكلمة تختصر واقعا كاملا.
«كانت اعداد الزوار كبيرة جدا في هذا العيد»، قالت ايلات ليبر، مديرة المتحف، «في القدس توجد زيادة ونقصان باستمرار ونحن نعرف ذلك، وللأسف الشديد فقد عشنا ذلك في الماضي، وفي الاونة الاخيرة اثناء الجرف الصامد. يبدو أن هذا روتين والناس يستسلمون للارهاب بشكل أقل. رأينا هذا في العيد حيث زار الكثيرون، وكان المعدل أعلى من السنوات السابقة. أمس، وبعد الأنباء الفظيعة تراجع عدد الناس الذين جاؤوا. فالناس يقابلون التلفاز لسماع الاخبار. التأثير الاكبر هو على السياح. هذه الاخبار تتسبب في الغاء المجيء الى القدس أو الى اسرائيل. وهذا الامر ينعكس على الاشهر القريبة حيث تقوم الوكالات بالالغاء أو التجميد. اعتقد أنه بعد العيد مباشرة سنشاهد ما سيحدث، وآمل أن يكون التأثير غير كبير. ضاحية ماميلا مليئة بالناس، بحوانيتها ومقاهيها والشعور هناك كالمعتاد. وايضا في شارع يافا، وهذا أمر مفرح».

البضاعة هي المعيار
في المتحف في حارة اليهود تراجع عدد الزوار في ايلول الى 50 بالمئة. 50 بالمئة قاموا بالالغاء بسبب التوتر. والانتعاش الذي حدث بعد «الجرف الصامد» توقف. المجموعات تلغي، ويصل المتدينون والحريديون مباشرة الى «حائط المبكى» دون التوقف في المتحف والاماكن السياحية الاخرى. وحسب المحلات في الحي اليهودي فان كمية البضاعة التي تباع هي المعيار، حيث تراجعت المبيعات بشكل كبير.
سكان الحي اليهودي حزينون لكنهم اقوياء بروحهم، ويعرف المحليون أن الحي هادئ ويبذل الجنود ورجال الشرطة جهدهم للحفاظ على الأمن. وموقفهم من الاحداث الصعبة الاخيرة يوجد في الكتابات المعلقة في أنحاء الحي تحت عنوان «شجرة الحياة هي للذين يتمسكون بها».
هداس تسفيفل، من سكان المدينة، ذهبت مع صديقتها في الصباح الباكر للصلاة في «حائط المبكى». «كان الكثير من الناس. الطريق الى هناك من السوق في البلدة القديمة كانت مغلقة. يبدو أن اغلبية الناس ذهبوا عن طريق الحي». وقالت إنه يجب الحفاظ على نوع من الهدوء في هذه الايام.

عصبية بجانب البار
مركز القدس، الساعة 10:30، هادئ جدا. يجب ألا نخطئ بين الهدوء المتحفظ وبين اللامبالاة. ومن يتظاهرون باللامبالاة يزيلون بسرعة القناع أمام السؤال الواضح. «هل تخاف؟»، «أنا لا أخاف»، يقول تيمور وهو من مواليد روسيا وطالب هندسة في الجامعة العبرية. يجلس في البار الفارغ مع اربعة آخرين بما في ذلك النادلة. «أنتم، الصحافيين، تبحثون عن المشاكل. الناس لا يخرجون لأنهم يهود والآن يوجد عيد. أنا لست يهوديا لهذا أخرج، لكنني أكثر حذرا».
أصوات مؤيدي بريسلاف غادرت «نحلات شفعة». وبدلا من سيارتهم جاءت سيارة للشرطة. «هل تشعرين بالامن عند وجود سيارة الشرطة»، سألت النادلة. «أقل»، قالت، «لأن هذا يُذكرني بأن شيئا ما سيحدث في أي لحظة».
يوجد لكل واحد في المدينة تحليل، وكل شيء سياسي. «الكثير من الغضب ينتقل من الواحد للآخر. لا يوجد تحمل للآخر ولا أحد يريد أن يسمع»، قالت ميخال فيسبلاي وهي أم لاثنين. «يبدو أن الجميع في حرب مع الجميع. وهذا يجعلني اتساءل كيف سنصنع السلام مع ابناء شعب آخر حيث توجد داخلنا حرب».

داخل سيارة محمد العمومية ليلاً 
الساعة الواحدة والنصف بعد منتصف الليل. أصعد الى السيارة. السائق محمد من جبل الزيتون. صامت. اسأله كيف العمل، تبدو متعبا. «حقا أنا متعب هذا المساء، وأمس، لم يكن عمل أبدا. خرجت من البيت وسمعت من الاصدقاء أنهم يلاحقون العرب ويضربونهم لأنهم قتلوا يهوداً، فرجعت الى البيت ودخلت الى السرير وقلت لنفسي: محمد، أنت لديك أولاد، ومحظور حدوث شيء لك».
سألته من هو المسؤول. «الساسة هم المسؤولون عن كل شيء، هم يخلطون بين الدين والسياسة، ويقولون اشياء غبية للشباب وينفخون رؤوسهم. الشباب لا يفحصون الحقائق ويثقون بهم. أنا مسلم واؤمن بـ 26 نبيا بمن فيهم المسيح وموسى. كما نستطيع أنا وأنت الجلوس هنا في السيارة والحديث، هكذا ايضا عاش والدي مع اليهود، البيت بجانب البيت».
سألته ماذا سيحدث؟.
«سأقول لك ماذا سيحدث. ستحدث الفوضى وبعدها الهدوء، ومن ثم فوضى وهدوء وهكذا». قلت له إنني فهمت.
في اليوم التالي، في قرية العيسوية، ليس هناك هدوء. يُسمع إطلاق نار من القرية، والسيارات العسكرية تأتي وتذهب. وفي الجانب الآخر في التلة الفرنسية، الناس يرقصون مع كتب التوراة والاناشيد. قد يعود الصمت بعد قليل. والسؤال هو أي لون سيكون له.

عن «معاريف»