نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية تقريرا لمراسلها بيتر بيمونت، يقول فيه إن العنف الشديد، الذي شهدته الضفة الغربية والقدس الشرقية نهاية الأسبوع، ينذر بانطلاق انتفاضة ثالثة.
ويشير التقرير إلى أن آخر الضحايا كان صبيا في الثالثة عشر من عمره، قتل أثناء مواجهات مع قوات الاحتلال الإسرائيلية في مخيم بالقرب من بيت لحم. وأصيب عبدالرحمن شادي من مخيم عايدة في بيت لحم برصاصة في صدره، ومات بعد أن أجريت له عملية في مستشفى بيت جالا يوم الاثنين، وهو الشاب الثاني الذي قتل خلال 24 ساعة.
ويذكر الكاتب أن هناك قلقا بين الدبلوماسيين والمحللين في المنطقة من أن العنف المتصاعد قد يتحول إلى انتفاضة جديدة. مشيرا إلى مقتل أربعة إسرائيليين في هجمات قام بها فلسطينيون يومي الجمعة والسبت.
وتلفت الصحيفة إلى أن إحدى الصحف الإسرائيلية الرائجة حملت عنوان "الانتفاضة الثالثة" على صفحتها الأولى، أما الصحف الأخرى فكانت أكثر تحفظا، وبعضها تساءل إن كانت الأحداث تشبه تلك التي ظهرت في الانتفاضة الأولى والثانية، وإن لم تكن كذلك فكيف يمكن كبح التصعيد قبل أن يتحول إلى انتفاضة.
ويفيد التقرير بأن هذا السؤال لم يقتصر على الإعلام الإسرائيلي، حيث نشر مهند حلبي (19 عاما)، الذي قام بطعن إسرائيليين في المدينة القديمة يوم السبت، نصا على صفحته على "فيسبوك"، ربط فيه عمليته بما سماه "الانتفاضة الثالثة".
وينقل بيمونت عن صائب عريقات قوله صباح الأحد على الإذاعة الفلسطينية إن ما يحصل يذكره بالأيام الأولى للانتفاضة الثانية، وأضاف: "هذه الأحداث شبيهة بأحداث أيلول/ سبتمبر 2000، والتجربة علمتنا أن إسرائيل لا تستطيع منع الحرية الفلسطينية بالقوة".
وتبين الصحيفة أن هذا الموضوع يطرحه الدبلوماسيون، مثل وزارة الخارجية الألمانية قبل زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حيث قال المتحدث باسم الخارجية مارتن شافر: "يحتمل أن ما ينتظرنا هنا شبيه بانتفاضة جديدة لن تكون في صالح أحد.. وليست حدثا يريده أحد في إسرائيل، ولا يريده أي سياسي فلسطيني مسؤول".
ويرى الكاتب أن ما هو واضح هو أنه وقت خطير، فالبلدة القديمة، التي عادة تعج بالحياة، تم إغلاقها بشكل غير مسبوق ليومين أمام الفلسطينيين من غير سكانها، وعلى شوارع الضفة الغربية يقوم الفلسطينيون والمستوطنون بإلقاء الحجارة على السيارات، وكان هناك وجود عسكري كبير على حاجز على مدخل نابلس.
ويستدرك التقرير بأن لا شيء من هذا يقدم جوابا عن السؤال، عما إذا كانت انتفاضة بدأت حقيقة أو أنها ستبدأ ما لم تكن هناك تهدئة سريعة؟.
وتجد الصحيفة أن جزءا من المشكلة هو في التعريف، مشيرة إلى أن الانتفاضات السابقة، والثانية بالذات، شهدت انخراط قوات الأمن الفلسطينية في العنف، وكانت هناك موافقة بين الفصائل المختلفة جميعها، وهذا لم يحصل إلى الآن. ولكن وبالمنطق ذاته كان هناك اختلاف في الانتفاضة الثانية عن الأولى، ما يعني أن الانتفاضات السابقة ليست بالضرورة مؤشرات يعتمد عليها في توقع شكل الانتفاضات القادمة.
ويقول بيمونت إن "ما يمكن قوله هو أن هناك المستوى ذاته من الاستياء داخل المجمتع الفلسطيني، كما كان عند بدء الانتفاضة الثانية، مثل ما ذكر رئيس مركز استطلاع الرأي (المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية) خليل الشقاقي الشهر الماضي، لدى صدور نتائج أحدث استطلاع تقوم به مؤسسته الشهر الماضي".
ويلفت التقرير، إلى أن نتائج الاستطلاع أظهرت أن 42% من المستطلعة آراؤهم يعتقدون بأن الطريق الوحيد لإقامة الدولة الفلسطينية هو الكفاح المسلح، كما أظهر أن ثلثي المستطلعة آراؤهم يريدون من محمود عباس التنحي. وأشار إلى أن غالبية الفلسطينيين لا يعتقدون بأن حل الدولتين قابل للتطبيق، و57% منهم يؤيدون العودة إلى انتفاضة مسلحة في غياب المفاوضات السلمية، وهذه النسبة ارتفعت من 49% قبل ثلاثة أشهر.
وتنقل الصحيفة عن الشقاقي قوله: "إذا كانت هناك شرارة، فبالتأكيد أن الوضع الفلسطيني اليوم خصب جدا لثورة كبيرة". مستدركة بأنه ليس هناك وضوح في المجتمع الفلسطيني، الذي دفع ثمنا باهظا خلال الانتفاضة الثانية دون تحقيق مكاسب واضحة.
وينوه الكاتب إلى أنه على خلاف الانتفاضة السابقة، التي أشعلت فتيلها زيارة شارون إلى الحرم الشريف، أو ما يعرف عند اليهود بجبل الهيكل، فإن العنف في الفترة الأخيرة بقي محدودا بهجمات فردية، ولم تقع تفجيرات انتحارية.
ويورد التقرير أن العنف لم يصل بعد إلى مستوى تلك الانتفاضة، التي قتل فيها أكثر من 40 فلسطينيا وجرح حوالي ألفين في الأيام الأولى وحدها. مستدركا بأن الشكل الذي تتكرر فيه الأحداث، بحسب تسلسل أصبح معروفا من عنف قاتل إلى جنائز إلى اشتباكات إلى انتقام، يبدو أنه بدأ يتطور ليصبح دائرة مألوفة.
وتشير الصحيفة إلى أن أنشل بفيفر قال في صحيفة "هآرتس" إنه لا يخيفه وقوع العنف، ولكن الأمر المخيف هو تكراره، بحيث أصبح ثابتا، وهذا ما يقلق. ويضيف: "عندما تتسارع الأحداث العنيفة بحيث لا يمكن ملاحظة فترات الهدوء بينها، نقول ربما حان الوقت للاعتراف بأن التحول قد حصل، وأن الانتفاضة الثالثة ربما تكون قد بدأت منذ أكثر من عام".
ويجد بفيفر بأن هناك سببا آخر لأن تكون الانتفاضة الثالثة مختلفة عن سابقتيها، وهو الازدياد مؤخرا في التطرف اليهودي، الذي يغذي المواجهات، ويقول: "هناك سمة أخرى للانتفاضة القادمة (أو الحالية)، قد يكون هناك بالتأكيد المزيد من عمليات (تدفيع الثمن) اليهودية، مثل الهجمة على عائلة دوابشة في قرية دوما قبل حوالي شهرين"، بحسب الصحيفة.
ويجد بيمونت أن هناك اختلافا أساسيا آخر، هو أن هذه الموجة من الاضطرابات لم تحدد بالضفة الغربية، ولكنها كانت حاضرة بشكل كبير في القدس الشرقية المحتلة، وكانت تغلي تحت السطح منذ الصيف الماضي.
ويورد التقرير أنه في شمال الضفة الغربية في طولكرم، يدور في أذهان مشيعي جثمان حذيفة عثمان سليمان، الذي قتلته القوات الإسرائيلية في مواجهات يوم الأحد السؤال ذاته، وهو: هل هناك انتفاضة على الأبواب؟ وماذا قد يعني ذلك؟
وتذكر الصحيفة أن المشيعين أعربوا بعد دفن سليمان في قريته بلعا، عن مشاعر الغضب تجاه الأمن الفلسطيني، الذي منع الاحتجاجات، كما أشاروا إلى التوتر في الأقصى، الذي يشكل جزءا من الحرم القدسي الشريف.
ويفيد الكاتب بأن نائب رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني حسن خريشة كان من بين المشيعين، ويقول: "للآن لا أعتقد أنها انتفاضة، هي هبة غضب نعم. وما تفتقده هو القرار السياسي لدعمها وإعطائها غطاء سياسيا. وهذا ليس بأيدينا، بل هو بيد أبي مازن، وقد يتخذ القرار تحت الضغط". وأضاف خريشة أن هذا يتطلب من عباس إنهاء التنسيق الأمني مع إسرائيل، وحينها يمكن أن تنطلق انتفاضة حقيقية.
وبحسب الصحيفة، فقد أشار خريشة، مثل غيره، إلى فجوة الأجيال: فالشباب الذين نشأوا منذ اتفاقية أوسلو، والذين هم في أوائل العشرينيات من عمرهم، هم الأكثر احتمالا بأن يشعروا بأنهم لم يحققوا أي مكاسب من عملية السلام المحتضرة.
ويورد التقرير أن إبراهيم حمدان (50 عاما)، الذي يملك محل كهربائيات، يقول إنه خسر كثيرا خلال الانتفاضة الثانية، ولكنه مستعد لأن يدفع الثمن ثانية.
وتختم "الغارديان" تقريرها بالإشارة إلى قول حمدان: "لن يكون هناك تغيير، والأمور تسير إلى الأسوأ. وهناك مؤشرات على اندلاع انتفاضة ثالثة. ماذا تتوقع؟ لم يبق بأيدينا ما نخسره، وليس هذا تشاؤما، إنه الواقع. يجب أن يحصل شيء جديد".