اتفاق التطبيع بين اتحاد الامارات واسرائيل ليس بدلا عن المفاوضات مع الفلسطينيين

حجم الخط

هآرتس – بقلم تسفي برئيل

 اتفاق التطبيع بين اتحاد الامارات واسرائيل ما زال ينتظر تقديم تفاصيل توضح نطاق العلاقات وجوهرها. هذه من شأنها أن توضح هل الامر يتعلق بعلاقات دبلوماسية كاملة مثلما هي الحال مع الاردن ومصر، أو بانشاء ممثلية بدرجة منخفضة مثل التي مثلت العلاقات بين اسرائيل والمغرب وتونس وقطر، وجعل العلاقات التجارية والتعاون المتشعب والقائم اصلا منذ فترة طويلة الى أمر رسمي. على أي حال، هذا اتفاق مهم جدا حتى لو كان اطاره محدود، بالاساس لأنه يصوغ معادلة جديدة للعلاقات مع الدول العربية – التي بحسبها اسرائيل ملزمة بوقف خطوة سياسية كانت مبدئية من ناحيتها مثل ضم المناطق أو أجزاء منها، وفي المقابل اقامة علاقات سلام.

​اسرائيل التي لم تتأثر من التهديد والتحذيرات الاردنية التي تقول إن الضم يمكنه أن يخرب اتفاق السلام معها، قررت التنازل بالتحديد الآن لاتحاد الامارات، التي حتى بدون اتفاق معها لا تشكل أي تهديد أمني لها. يبدو أن الانتخابات في اسرائيل التي تقف على الابواب، ورغم النفي الشديد لنتنياهو، ساهمت بشكل كبير في توقيت هذه العملية السحرية وتنازل رئيس الحكومة. ويبدو أن اتحاد الامارات تعرض على اسرائيل ثورة في ادارة المفاوضات التقليدية. لا تهديدات ولا مقاطعة أو عقوبات، بل علاقات رسمية مقابل تعهد سياسي.

​مع ذلك، هذه مصافحة ستحول اتحاد الامارات الى شريكة اخرى في العملية السياسية عندما سيتم استئنافها. وبهذه الصفة يمكنها أن تسجل لنفسها انجاز أول بأنها رفعت من جدول الاعمال ليس فقط مسألة الضم: فقد رجحت الكفة في الخلاف الذي حدث في البيت الابيض بين من يؤيدون الضم الفوري مثل السفير دافيد فريدمان وبين من يعارضون الضم الذين يمثلهم جارد كوشنر. يفضل التذكر بأن ضم اجزاء من الضفة هو جزء من خطة السلام للرئيس دونالد ترامب، لكن الشرط هو أن الضم يتم تطبيقه سوية مع كل الرزمة ولا يقف مثل مكون منفرد. هذا هو موقف ترامب وموقف وزير الخارجية مايك بومبيو، اللذان حذرا نتنياهو من ضم في الموعد الذي حدده. هذا التحذير كان ضروريا من اجل منع الضم أحادي الجانب وغير المنسق مع الولايات المتحدة، خلافا لتصريح نتنياهو الذي بحسبه دائما تعهد بتنفيذ الضم بتنسيق كامل مع الولايات المتحدة. اذا فاز ترامب في الانتخابات وقرر التمسك بخطته فسيكون مقيد بالاشتراط السياسي الذي يخلقه الاتفاق بين اسرائيل ودولة الامارات، وهكذا ايضا نتنياهو.

​رئيس الحكومة يمكنه في الحقيقة الادعاء وبحث بأن الاتفاق الجديد لا يلغي خطة الضم. ولكن اذا أراد احترام الاتفاق مع الامارات فلا يستطيع أن يطرح موضوع الضم بصورة منفصلة عن المفاوضات مع الفلسطينيين. هكذا أوجدت دولة الامارات العلاقة بين خطة ترامب وبين مفاوضات بين اسرائيل والفلسطينيين ومنع الضم أحادي الجانب. في حالة عدم وجود مفاوضات لا يوجد ضم. واذا كان هناك ضم فمن شأن الاتفاق مع دولة الامارات أن ينهار. ولكن في حين أن الاتفاق يوقف سعي اسرائيل الحثيث نحو الضم، فانه لا يجلب بشرى جديدة للفلسطينيين. شبكة العلاقات المضعضعة بين اسرائيل والفلسطينيين ستواصل الوجود حتى بعد الاتفاق، طالما أن نتنياهو استمر في كونه رئيسا للحكومة.

​محمود عباس الذي عقد جلسة طارئة خاصة ومن مكتبه اعتبروا الاتفاق “سكين في ظهر الفلسطينيين والاجماع العربي”، حصل أمس على اثبات آخر – لم يكن بحاجة اليه – على تفكك هذا الاجماع الذي اجزاءه موزعة في ارجاء الشرق الاوسط. نتنياهو يمكنه ربما أن يكون راض من التآكل  العميق في الحاحية “المسألة الفلسطينية” التي حلت مكانها نزاعات اكثر تهديدا وحروب شديدة، لكن الفلسطينيين لم يذهبوا الى أي مكان. المواجهات في قطاع غزة والازمة الاقتصادية في القطاع وفي الضفة لن تنتهي مع فتح ممثليات متبادلة في اسرائيل وأبو ظبي.

​السؤال التافه الذي تم طرحه أمس في الخطاب العام هو ما الذي ستكسبه اسرائيل من هذا الاتفاق، وما هي افضليته مقارنة مع شبكة العلاقات القائمة أصلا مع اسرائيل. الى جانب فتح دولة ممر من الدول الهامة في الشرق الاوسط امام البضائع الاسرائيلية، التي من خلالها بالامكان ايجاد مسارات نحو دول عربية واسلامية اخرى، فان اتحاد الامارات متورطة نسبيا في كل نزاع سياسي وعسكري يدور في المنطقة، بما في ذلك في ايران.

​هذه دولة فتحت في هذه السنة ممثلية دبلوماسية في سوريا، وهي متورطة عسكريا في الحرب في ليبيا، وكانت شريكة للسعودية في الحرب في اليمن وهي مؤيدة كبيرة للنظام في السودان، وهي دولة تقيم ايضا علاقات شبه طبيعية مع اسرائيل. ولكن بالاساس: في اتحاد الامارات تعمل اكثر من 3 آلاف شركة ايرانية، وبين الدولتين وقع اتفاق للتعاون العسكري من اجل حماية الملاحة في الخليج الفارسي. اسرائيل وأبو ظبي تريان بنفس المنظار وقف النفوذ الايراني في المنطقة، لكن في حين أن اتحاد الامارات تفضل خطوات دبلوماسية هادئة امام ايران، فان اسرائيل تعمل سياسيا وعسكريا ضدها. ايران عبرت عن غضبها من الاتفاق، لكنها نجحت في العيش بسلام مع دول كثيرة تقيم علاقات دبلوماسية مع اسرائيل ومعها في نفس الوقت دون أن تطلب منها قطع علاقاتها مع اسرائيل.

​الحاكم الفعلي لاتحاد الامارات، ولي العهد محمد بن زايد، نجح في الدفع قدما بدولته الى مكانة تعتم بدرجة كبيرة على جارته السعودية، التي حاكمها الفعلي، محمد بن سلمان، تحول الى شخصية غير مرغوب فيها في واشنطن – مؤخرا يثير مخاوفها بسبب توطيد علاقاته مع الصين وروسيا وتطلعه الى تطوير برنامج نووي. مكانة وتأثير اتحاد الامارات تمكنها من ادارة سياسة خارجية مستقلة، غير مرتبطة بموافقة اخواتها في منطقة الخليج، المرتبطة باتفاق تعاون، وفي نفس الوقت هي تمنحها شرعية للدفع قدما باتفاقات “خاصة” مع اسرائيل. مرشحة محتملة لذلك هي دولة البحرين وسلطنة عُمان وحتى قطر، التي سبق لها واستضافت في السابق ممثلية اسرائيلية رسمية وهي تتوسط بين اسرائيل وحماس، والآن من شأنها أن تكون احدى الدول التي سيأتي دورها. نتنياهو اشار الى ذلك في المؤتمر الصحفي، وعلينا أن نأمل في أن اتفاقات اخرى تطبخ الآن في القنوات السياسية.