رسالة الفلسطينيين إلى الإسرائيليين

Hamada-Farana
حجم الخط

08 تشرين الأول 2015


لا يملك رئيس الشعب الفلسطيني القوة المادية التي تُؤهله لدفع المشروع الاستعماري التوسعي نحو الاستجابة لحقوق الشعب الفلسطيني الثلاثة: حقه في المساواة في مناطق 48، وحقه في الاستقلال في مناطق 67، وحق اللاجئين في العودة واستعادة ممتلكاتهم، ولكنه يملك قوة الحق الفلسطيني المجسدة بقرارات الأمم المتحدة، قرار التقسيم 181 وقرار حق العودة 194، وقرار الانسحاب وعدم الضم 242، وغيرها العشرات من قرارات الشرعية الدولية، وقد عبر عن هذا الحق بقوة ووضوح وسلاسة، وبرسالة واضحة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 30 أيلول، وقدم مرافعة سياسية قانونية ذات مضمون إنساني أحرج أصدقاء إسرائيل، وأغضب قادة المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي أشد الغضب، بدءاً من نتنياهو لأنه عراه وأسرد وقائع الظلم التاريخي الذي ووقع على الشعب الفلسطيني ولا يزال، بالاتجاهين الأول نحو معاناته من قبل سياسات وإجراءات الاحتلال الواقع على أرض فلسطين، والثاني نحو تشرده خارج وطنه فلسطين. 
شدة الغضب لدى نتنياهو، ونفتالي بينيت، وليبرمان، وحتى رئيس المعسكر الصهيوني إسحق هرتسوغ، لأن رسالة الحق الذي نطق بها رئيس الشعب الفلسطيني كشفت حقيقة المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، وعرّت عنصريته وفاشيته ضد الفلسطينيين التواقين مثل كل شعوب الأرض للحرية والكرامة والسلام، وقد دفع الخطاب الفلسطيني قادة تل أبيب إلى التوحد، وعبروا عن غضبهم كما قال الصحافي الإسرائيلي في «يديعوت أحرونوت» ناحوم برنياع يوم 2/10/2015، إذ قال، «شخص واحد فقط تمكن من خلق توافق وطني في إسرائيل، وجبهة موحدة من الحائط إلى الحائط، فقط شخص واحد، ولمرة واحدة في السنة وحّد إسرائيل هو: أبو مازن في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة». 
الخطاب الفلسطيني أمام العالم تناول ثلاث حقائق سياسية هي: 
أولاً: ما دامت إسرائيل مصرة على عدم الالتزام بالاتفاقات الموقعة، وحولت السلطة الفلسطينية إلى سلطة شكلية، وترفض وقف الاستيطان والإفراج عن الأسرى، فهي لا تترك خياراً سوى التأكيد على أن الفلسطينيين لن يبقوا وحدهم ملتزمين في تنفيذ الاتفاقات، بينما تستمر إسرائيل في خرقها، ولذلك أعلن الرئيس الفلسطيني أنه لا يمكن الاستمرار في الالتزام بهذه الاتفاقات، وعلى سلطات الاحتلال أن تتحمل مسؤولياتها كافة كسلطة احتلال، لأن الوضع القائم لا يمكن استمراره. 
وهي رسالة غير مكتملة الأركان بدون أن تكون مترافقة مع إجراءات على الأرض، الأمر الذي يتطلب الانتظار لفهم مضمون هذا القرار وأشكال تطبيقاته الفعلية، فكما قال، «سوف نبدأ تنفيذ هذا الإعلان بالطرق والوسائل السلمية والمدنية». 
ثانياً: إن الفلسطينيين لن يردوا على الكراهية والوحشية الإسرائيلية الاحتلالية بمثلها، أي أن العنف والكفاح المسلح لن يكونا خياراً فلسطينياً، على الأقل في عهد أبو مازن إذا بقي رئيساً، فالعمل المسلح ليس ضمن خياراته السياسية الكفاحية المعلنة لهذا الوقت. 
ثالثاً: إعادة التأكيد على أن منظمة التحرير صاحبة القرار ومؤسساتها المجلس الوطني والمجلس المركزي ولجنتها التنفيذية هي بمثابة حكومة الشعب الفلسطيني، وأعاد نسبياً مكانة منظمة التحرير لدورها، ما يوحي كما يجب أن يكون أن السلطة الوطنية هي إحدى أدوات منظمة التحرير وليست بديلاً عنها أو حتى نداً لها، وهذا يفتح على خيار أن تبقى السلطة قائمة على أرض الوطن بينما مؤسسات منظمة التحرير يجب أن تقود النضال الفلسطيني من خارج الوطن كما هو المجلس الوطني ومجلس إدارة الصندوق القومي والدائرة السياسية، وحتى اجتماعات المجلس المركزي يجب أن تتم خارج فلسطين، وكذلك اجتماعات اللجنة التنفيذية ورئيسها، وهو خيار صائب يجعل أداء منظمة التحرير خارج تأثير سياسة الاحتلال وإجراءاته.
المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي متفوق، ولكن نقيضه المشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني ليس ضعيفاً إلى حد أنه بلا أثر، وبلا فعالية، وبلا قدرة على الفعل، هذا ليس صحيحاً، وهو بالعكس قدرة فاعلة مؤثرة لها حضورها على الأرض في وجه الاحتلال وجيشه وأجهزته ومستوطنيه، وهو بالعكس يملك قدرة فاعلة مؤثرة على المستوى الدولي إلى الحد أنه قادر واستطاع هزيمة التحالف الأميركي الإسرائيلي أكثر من مرة في المحافل والمؤسسات الدولية في الجمعية العامة لقبول فلسطين دولة مراقبا، ولدى «اليونسكو»، ولدى الاتحاد البرلماني الدولي كعضو عامل كامل العضوية، ولدى محكمة الجنايات الدولية، ورفع العلم الفلسطيني أمام مقرات الأمم المتحدة في نيويورك وجنيف، وممثل فلسطين يشغل أهم موقع نقابي في العالم لدى المهندسين، فالمهندس مروان عبد الحميد رئيس الفدرالية العالمية لنقابات المهندسين في العالم، ما يعكس قدرة الشعب الفلسطيني على النفاذ والوصول إلى مواقع متقدمة رغم الإعاقات الإسرائيلية والأميركية ونفوذ الطوائف اليهودية في العالم. 
وفي قلب مناطق 48 أبناء الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل المختلطة إنجازات ملموسة على الصعد المهنية والمالية والبرلمانية ويعترف شمعون بيريس رئيس إسرائيل السابق أن 33 بالمائة من أطباء «إسرائيل» هم من الفلسطينيين، ويوازيهم ويتقدم عليهم بالنسبة الصيادلة حيث يزيدون على ثلث الصيادلة الإسرائيليين، وهكذا نجد أن الحضور العربي الفلسطيني بائن، على المستويات المختلفة، ولكن مشكلة الضعف الفلسطيني تكمن في الانقسام والانشقاق وفي عدم القدرة على لملمة صفوف الفلسطينيين داخل المؤسسة التمثيلية الواحدة، وصياغة البرنامج السياسي المشترك، وفي حسن اختيار الأدوات الكفاحية المناسبة والمتفق عليها ضمن البرنامج السياسي المشترك والموحد.