لهاث نتنياهو وراء “الفرج العربي”!

حجم الخط

بقلم انطوان شلحت

 

يمكن إطلاق توصيفات عديدة على اتفاق تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة، الذي أعلن البيت الأبيض عنه يوم 13 آب الحالي، غير أن التوصيف “الأبلغ” يبقى ذلك الذي أطلقه بوعز بيسموت، رئيس تحرير صحيفة “يسرائيل هيوم”، الناطقة بلسان رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، عندما قال إن الإمارات كانت على مدار أكثر من عقدين بمثابة العشيقة السريّة لإسرائيل وجاء الاتفاق ليغيّر مكانتها ويحوّلها إلى زوجة رسمية علناً.

وليس مبالغة رؤية أن أحد أهم أدوار الزوجة العلنية في هذه المرحلة هو توفير ما يسمى بـ”الفرج العربي” لنتنياهو في هذه الأيام تحديداً، التي يشتدّ فيها الخناق من حول رقبته تحت وطأة محاكمته بشبهات فساد من جهة، وأزمة اقتصادية غير مسبوقة من المتوقع أن تتفاقم أكثر فأكثر من جراء جائحة كورونا من جهة أخرى.

أما موضوع تأجيل مخطط ضم أراض من الضفة الغربية إلى إسرائيل وفقاً لخطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب المعروفة باسم “صفقة القرن”، والذي تذرعت به الإمارات لتسويغ الاتفاق، فكان سابقاً لهذا الاتفاق وليس محصلة له ولأسباب تعود إلى موقف الإدارة الأميركية، ناهيك عن أن هذا التأجيل لا يشكل خطراً على مسعى نتنياهو من أجل البقاء في رأس سدّة الحكم.

في واقع الأمر تكمن أهداف إسرائيلية عديدة وراء مثل هذا الاتفاق مع الإمارات واتفاقات أخرى شبيهة به قد تتم مع دول عربية أخرى في قادم الأيام، ويبقى في مقدمها السعي لتصفية القضية الفلسطينية، وفرض الاستسلام على الشعب الفلسطيني. وهو هدف يقف في صلب ما سبق أن أسميناه “عقيدة نتنياهو” التي جاهر بها منذ نحو ستة أعوام، وما زال يجاهر بها حتى الآن وفي إثر التوصل إلى الاتفاق، كما يُستدل على ذلك من تصريحاته التي أدلى بها خلال المقابلة التي أجرتها معه صحيفة “يسرائيل هيوم” ونشرت اليوم (الاثنين).

وفقط للتذكير نعيد نشر ما أكده نتنياهو في سياق الخطاب الذي ألقاه أمام الدورة السنوية للجمعية العامة في الأمم المتحدة في نيويورك يوم 29/9/2014، وقال فيه ما يلي: “بالرغم من التحديات الهائلة التي تواجه إسرائيل فإنني أعتقد بوجود فرصة تاريخية أمامنا، إذ أصبحت بعض الدول القيادية في العالم العربي تقرّ- بعد عقود من النظر إلى إسرائيل بصفة عدو- بحقيقة مواجهتنا المشتركة لنفس التهديدات المتمثلة تحديداً بحصول إيران على القدرات النووية وبالحركات الإسلامية المتشددة التي تضرب جذورها في العالم السنّي. إن التحدي الذي يواجهنا هو الاستفادة من هذه المصالح المشتركة لإقامة شراكة مثمرة لأجل بناء شرق أوسط أكثر استقراراً وأمناً وازدهاراً. سنستطيع معاً العمل على تعزيز الأمن الإقليمي ودفع المشاريع المشتركة في مجالات المياه والزراعة والمواصلات والصحة والطاقة وغيرها من المجالات الكثيرة. كما أنني أعتقد بأن الشراكة بيننا قد تساهم في دفع السلام بين إسرائيل والفلسطينيين. وكان الكثيرون يرون منذ فترة طويلة أن السلام الإسرائيلي- الفلسطيني قد يساهم في دفع المصالحة الأوسع نطاقاً بين إسرائيل والعالم العربي. غير أنني أعتقد حالياً بأن الأمر يسير في الاتجاه المعاكس: إذ إن المصالحة الأوسع نطاقاً بين إسرائيل والعالم العربي قد تساهم في دفع السلام الإسرائيلي- الفلسطيني. ويقتضي تحقيق هذا السلام التطلّع ليس إلى القدس ورام الله فحسب بل أيضاً إلى القاهرة وعمّان وأبو ظبي والرياض وعواصم أخرى. وأعتقد بأنه يمكن تحقيق السلام من خلال اضطلاع الدول العربية بدور فعال أو تلك منها المستعدة لتقديم المساهمات السياسية والمادية وغيرها من المساهمات الحيوية”.

في الوقت عينه ينبغي أن نضيف أن “عقيدة نتنياهو” هذه ليست من اختراعه ولا هي مسجلة على اسمه قطّ، إذ إنها تعيد إلى الأذهان “استراتيجيا دول الطوق الثاني” التي وضعها أول رئيس حكومة في إسرائيل دافيد بن غوريون في خمسينيات وستينيات القرن العشرين الفائت. وكانت فكرة بن غوريون آنذاك التحالف مع دول في الشرق الأوسط لها مصالح مشتركة مع “الدولة اليهودية” ولكن لا حدود مشتركة لها مع إسرائيل، وهذه المصالح هي التي سمحت لإسرائيل بالتعاون مع هذه الدول بهدف إضعاف أو كبح ما وُصف بأنه “النيات العدوانية” للدول المجاورة لها، على غرار التحالف مع شاه إيران، والتحالف مع تركيا، وتقديم المساعدة إلى الأكراد وغير ذلك.

كما أن فكرة التوصل إلى مصالحة مع الدول العربية قبل إيجاد حل للصراع مع الفلسطينيين ليست جديدة في التفكير السياسي الإسرائيلي. فمثلاً في لقاء عقدته تسيبي ليفني لدى إشغالها منصب وزيرة الخارجية الإسرائيلية في حكومة إيهود أولمرت العام 2007 مع المبعوث الصيني الخاص إلى الشرق الأوسط، اقترحت على الدول العربية ألا تنتظر إنهاء الصراع وأن تطرح على إسرائيل أفقاً سياسياً كما تطرح هذه الأخيرة أفقاً سياسياً على الفلسطينيين، بحسب ادعائها. ولكن أشارت تحليلات في حينه إلى أن ليفني سرعان ما فهمت أن هذه الفكرة غير قابلة للحياة.

بناء على آخر المستجدات، فالاستنتاج المطلوب هو أن الإمارات باتفاق التطبيع مع إسرائيل جعلت الفكرة قابلة للحياة. ولكن متى؟ في الوقت الذي تتولى فيه السلطة في إسرائيل حكومة تُعتبر الأكثر توحشاً في كل ما يتصل بالقضية الفلسطينية وحقوق الشعب العربي الفلسطيني.