الحسم في محاكمة اغتيال الحريري اعطى ، حزب الله تبرئة أمل بها على مدى السنين

حجم الخط

هآرتس – بقلم تسفي برئيل

المحكمة الدولية الخاصة في قضية اغتيال رفيق الحريري اصدرت أمس “شهادة البراءة” التي أمل بها حزب الله وسوريا. حقيقة أن سليم عياش، أحد المتهمين الاربعة الذين تم تقديمهم للمحاكمة الغيابية، هو عضو المنظمة الذي تمت ادانته، لا تدل، حسب رأي المحكمة، بأن سوريا أو حزب الله قد عرفا وخططا أو نفذا عملية الاغتيال التي هزت لبنان في 2005. المحاكمة استمرت ست سنوات، واستثمر فيها عشرات ملايين الدولارات (جزء منها دفعته حكومة لبنان من خزينتها الفارغة). مئات الشهود تم الاستماع اليهم، آلاف الوثائق والصور عرضت على القضاة، وفي النهاية يبدو أن كل الاطراف تنفسوا الصعداء.

​اغتيال الحريري في الانفجار الذي ارعب بيروت وأدى الى موت 21 شخص واصابة المئات، اثار وأحدث الانقسام السياسي الاعمق منذ الحرب الاهلية التي انتهت قبل ذلك بست سنوات. لبنان انقسم في حينه الى كتلتين رئيسيتين، كتلة 14 آذار (على اسم موعد المظاهرة الضخمة التي جرت في بيروت ضد سوريا وحزب الله)، التي شاركت فيها الاحزاب والحركات المناهضة لسوريا برئاسة سعد الحريري. وكتلة 8 آذار (الذي يشير لموعد المظاهرة الضخمة المؤيدة لسوريا والتي نظمها حزب الله ومؤيديه)، التي شملت حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر لميشيل عون.

​هاتان الكتلتان تمثلان حتى الآن طرفي المتراس السياسي الذي يشكل السياسة في لبنان. الانجاز الكبير لكتلة 14 آذار هو نجاحها في جعل سوريا تنسحب من لبنان، وأن تطبق بعد ست سنوات اتفاق الطائف الذي أنهى حرب لبنان. ولكن هذا الانقسام العميق لم يمنع نجل رفيق الحريري، سعد الحريري، من تنسيق المواقف مع حزب الله عندما كان رئيسا للحكومة. أمس قال الحريري بأنه يوافق على قرار المحكمة التي يثق بها كثيرا. ولكن رغم تبرئة حزب الله، طلب الحريري أن تسلم المنظمة عياش، وأنه لا ينوي “الصمت والراحة الى أن يمثل امام المحكمة ويقضي عقوبته”. الحريري أكد في اقواله بأن “مهمة المحكمة لم تكن توجيه اصبع اتهام سياسي”. وبهذا اوضح لمؤيديه وخصومه بأنه لا ينوي استغلال قرار الحكم من اجل بدء نضال سياسي أو شعبي ضد حزب الله.

​بيان الحريري لا ينبع من طوفان التسامح الذي لا يميزه بشكل عام. هو موجود الآن في داخل جدل سياسي في فترة تجري فيها حملة محمومة لتشكيل حكومة انتقالية جديدة بعد استقالة رئيس الوزراء حسان ذياب بعد الانفجار في ميناء بيروت. اسم الحريري يظهر مرة تلو الاخرى كأحد المرشحين المحتملين لتولي منصب رئيس الحكومة من جديد، بالاساس بسبب علاقته الوثيقة مع فرنسا والسعودية. هو مدعوم في هذه الاثناء من قبل الرئيس ميشيل عون الذي اوضح بأنه بالنسبة له لا يوجد مرشح آخر عدا عن سعد الحريري وأن على من لديه مرشح افضل أن يطرحه.

​الحريري مدعوم بصورة مفارقة ايضا من قبل الحركات الشيعية أمل وحزب الله، التي نجحت حتى الآن في التوصل معه الى تفاهمات مكنت من قيام الحكومة بمهماتها قبل استقالته. الحريري طرح عدة شروط اساسية لموافقته على تولي رئاسة الحكومة، منها صلاحيات خاصة لتعيين وزراء الحكومة وتنفيذ برنامج اصلاحات اقتصادية وعدم تضمين جبران باسيل، خصمه، في تشكيلة الحكومة رغم أنه صهر الرئيس، وموافقة السعودية على تشكيل الحكومة. ولكن التجربة تدل على أن الحريري يعرف ايضا كيف يقلص طلباته عند الحاجة أو اذا كان هذا يخدم مصالحه.

​ستكون هذه حكومة مؤقتة تعد للانتخابات وتطرح برنامج واقعي لاصلاحات اقتصادية تتفق مع طلبات صندوق النقد الدولي. ولكن هذه ايضا يمكن أن تكون حكومة مؤقتة بصورة دائمة، طالما أنه لا توجد موافقة على جوهر قانون الانتخابات الذي بحسبه ستجري الانتخابات القادمة. القيادة السياسية ستبذل كل ما في استطاعتها للحفاظ على مراكز القوة التي تملكها الآن والتي توزع مواقع النفوذ، وبالطبع الشرائح الثابتة في الميزانية، ولكن في نفس الوقت مطلوب منها اقناع المجتمع الدولي، لا سيما الدول المانحة، بأن لبنان ينوي حقا اتخاذ خطوات مهمة لحل الازمة السياسية.

​بالقدرة على هذا الرقص المتعرج تعتمد قدرة الحكومة على الحصول على 11 مليار دولار التي وعدت بها من قبل الدول المانحة في العام 2018 وعلى القرض بمبلغ 10 مليار دولار الذي طلبته من صندوق النقد الدولي. الامساك بالحبل من الطرفين، أي الحفاظ على ما هو قائم والحصول على المساعدات الدولية بعيدة المدى، لا يرتبط فقط بالقيادة السياسية. حركات الاحتجاج التي اظهرت قوتها بطرد رئيسين للحكومة ستضطر الى فحص تشكيلة الحكومة وسياستها واتخاذ قرار هل هي مستعدة لاعطاء فرصة اخرى لسعد الحريري الذي في السابق وضع على لوحة اهدافهم كمن ساهم بجزء كبير في الازمة الاقتصادية والسياسية.

​ولكن حركات الاحتجاج لا توجد لها قيادة محددة يمكنها اقتراح رئيس حكومة بديل. قوتها تكمن في الاساس في القدرة على وضع فيتو استعراضي على أي حكومة يتم تعيينها أو ضد السياسة التي تتبعها. من هنا اذا اثبتت الحكومة الجديدة المعينة بأنها قادرة على الحصول للبنان على مساعدات مهمة والحصول على دعم المجتمع الدولي، يمكن التخمين بأن هذه الحركات ستوافق على اعطائها فترة زمنية من الهدوء، بالاساس بسبب أنه ليس لديها بديل. المعنى هو أن أي حكومة لبنانية جديدة، بما في ذلك حكومة يقف على رأسها الحريري، ستكون بحاجة الى دعم حزب الله من اجل أن تستطيع اتخاذ القرارات المطلوبة في المجال الاقتصادي.

​إن الاتهامات وكأن حزب الله ملزم بتحمل على الاقل جزء من المسؤولية عن الانفجار في بيروت، والطلبات التي تسمع لنزع سلاحه، لا تترك أي أثر في حزب الله الذي يدرك جيدا قوته السياسية وقدرته على املاء شروط أداء الحكومة. حزب الله الذي انتظر على أهبة الاستعداد وهو خائف من قرار المحكمة الخاصة يمكنه الآن أن يستخدم التبرئة التي حصل عليها من المحكمة الدولية من أجل أن يشق طريقه داخل الخضم السياسي من موقف قوة بعد أن ازيلت الغيمة الثقيلة التي رافقت نشاطه السياسي منذ قتل رئيس الحكومة الحريري قبل 15 سنة تقريبا.