دلالات توسيع قاعدة حميميم

حجم الخط

بقلم هاني عوكل

 

ثمة تقارير تشير إلى موافقة الحكومة السورية حديثاً على توسيع روسيا قاعدتها العسكرية الجوية في حميميم الواقعة جنوب شرق مدينة اللاذقية، وهي قاعدة ليست بعيدة كثيراً عن قاعدة طرطوس البحرية التي يتواجد فيها الأسطول البحري الروسي بشكل دائم.
الموافقة جاءت بطلب من موسكو التي أرادت منحها أراضيَ ومثلها مساحة أوسع في المياه الإقليمية السورية لتوسيع قاعدتها العسكرية هناك، غير أن هذا الطلب ينطوي على أهداف تتجاوز حدود الدور الروسي في سورية، علماً بأن القواعد العسكرية الروسية الخارجية قليلة جداً، وليس هناك من أي وجود روسي بحري في البحر المتوسط سوى قاعدة طرطوس.
بالتأكيد تمثل القاعدة الجوية في حميميم مصلحة للطرفين الروسي والسوري، كون الأول يحمي الثاني ويوفر له كل أنواع الحصانة والدعم العسكري واللوجستي، لكن مع إضافة أن موسكو تنظر للملف السوري على أنه عامل قوة لها في استعادة أمجاد الماضي وتبوّء مكانة مهمة في النظام الدولي.
لموسكو حرية التصرف في هاتين القاعدتين لمدة 49 عاماً، ويمكن لها تجديد إقامتها هناك إلى ربع قرن إضافي أيضاً، وهو ما يعني أن الوجود الروسي غير مرتبط تحديداً بالنزاع السوري، ومن الصعب تخيل رحيل القوات العسكرية الروسية تماماً عن الشام بعد أن تضع الحرب أوزارها.
من المرجح أن تخطط روسيا لتوسيع القاعدتين العسكريتين في الشمال السوري، حتى وإن انتهت الحرب وانتصر النظام السوري على المعارضة بكل أنواعها وتلاوينها، إذ أن من عناصر القوة بالنسبة للدول الكبرى هو أن يكون لها مواطئ قدم في الدول التي تتحالف معها.
على مستوى العالم هناك قواعد عسكرية روسية في الدول القريبة منها، مثل كازاخستان وبيلاروسيا وأرمينيا وأوسيتيا الجنوبية وبعض الدول الأخرى، وفي الفضاء الخارجي للدولة الروسية ليس هناك من وجود عسكري سوى في سورية، وتطمح القيادة الروسية لبناء قواعد عسكرية أخرى في كوبا وفيتنام وجمهورية إفريقيا الوسطى والصومال.
واضح أن روسيا تريد استعادة مكانة الاتحاد السوفيتي في سنوات مجده قبل تفككه أواخر عام 1991، وعدا عن أنها تسابق الزمن لتحديث ترسانتها العسكرية وإدخال قطع حربية جديدة ومتطورة، فقد اختبرت أسلحتها من سورية، ومكنت بعض حلفائها من امتلاك أسلحة متطورة نسبياً.
بشكل تدريجي تجهز روسيا قاعدة حميميم وتبني البنى التحتية التي تعزز من إمكانية استقدام مختلف أنواع الطائرات العسكرية الثقيلة والمتطورة، وكذلك تفعل في قاعدة طرطوس التي توفر لها وجودواً دائماً في شرق المتوسط، الأمر الذي أثار حفيظة الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي الذي يرى في الوجود الروسي مصدر تهديد له.
وكما ظلت تدعم الحكومة السورية، ستحافظ روسيا على وجودها في سورية لأنها تربط بين مسألة نجاحها في إدارة الملف السوري وبين صعودها إلى سلم النظام الدولي، ولذلك يمكن القول إن توسيع قاعدة حميميم هو اختبار حقيقي للقوة العالمية، ومهما تغير حجم الوجود العسكري الروسي هناك فإن الأخيرة لن تتخلى عن هاتين القاعدتين.
تدرك روسيا أن بناء القوة يتطلب توزيعاً لها في مناطق خارج حدودها، كما هو حاصل الآن مع الولايات المتحدة الأميركية التي تمتلك أكثر من 700 قاعدة حول العالم، وكما كان يحصل إبان سنوات الحربين العالمية الأولى والثانية، حيث شكلت القواعد العسكرية عامل قوة فيها.
صحيح أن لروسيا قوة عسكرية لا يستهان بها، لكن كل تلك القوة متكدسة في روسيا ومحيطها من الدول الحليفة لها، وما يعزز من قوتها الاستراتيجية أنها تمتلك أسلحة متطورة يمكنها الوصول إلى أي بقعة في العالم، إنما تشكل القواعد العسكرية رديفاً لنفوذ الدولة ومكانتها في العالم.
لذلك تسعى موسكو لإعادة صياغة حضورها على المستوى الدولي من سورية وغيرها، وها هي تحاول التدخل في الملف الليبي لإيجاد موطئ قدم هناك، وهذا هو حال الدول الكبرى التي تجتهد في رسم حدود لها لضمان تفوقها على غيرها من الدول الأخرى، أو على الأقل تعظيم قوتها على الساحة الدولية.
قاعدتا حميميم وطرطوس تشكلان قصة نجاح روسيا في سورية، ويبدو أن طريق الأولى يسير باتجاه البحث عن قواعد جديدة في مناطق أخرى حول العالم، ليس من باب فرملة نفوذ الدول الكبرى والطموحة فحسب، وإنما
أيضاً من باب «نحن هنا» وها هي روسيا عادت من جديد.