حاكم الامارات يعتقد انه ميكيافيلي ويعمل ، مثل موسوليني في الطريق لاعتراف دولي

حجم الخط

هآرتس – بقلم تسفي برئيل

يقولون عنه إنه لم يتأخر في أي مرة عن اللقاءات. وأنه الرجل الاغنى في العالم والذي يسيطر على خزينة تقدر بـ 1.3 تريليون دولار. هو يحافظ على لياقته ويجري محادثات ودية مع زعماء حول مزايا اجهزة لياقة بدنية جديدة. الضيوف الهامين يحصلون على طيران بمروحية في سماء الدولة، يقودها هو نفسه. في مقابلة مع “نيويورك تايمز” قبل سنة تقريبا، قال عنه روس ريدل، رجل الـ سي.آي.ايه السابق والآن هو باحث كبير في معهد بروكنغز، “هو يعتقد أنه ميكيافيلي ولكنه يعمل مثل موسوليني”.

​الامير محمد بن زايد آل نهيان، إبن الـ 58، هو الحاكم الفعلي لاتحاد الامارات. هو يحمل اللقب غير الرسمي “الرجل الاقوى في الشرق الاوسط” – اكثر من زعماء دول كبرى مثل مصر والسعودية. عندما يجري في اسرائيل نقاش له دلالات محيرة – هل الاتفاق مع بلاده هو “اتفاق سلام” أو فقط “اتفاق للدفع قدما بالتطبيع”، لا يوجد لابن زايد أي شك في أن هذا اتفاق سلام.

​ليس اتفاق يستهدف خدمة اسرائيل أو مساعدة الفلسطينيين، بل جزء من عملية استراتيجية على المدى المتوسط والمدى البعيد. اتفاق سيخدم بالاساس مصالح الامارات الصغيرة التي تيبلغ عدد سكانها 9 ملايين نسمة، من بينهم 8 ملايين هم عمال اجانب، وتسيطر على 6 في المئة من احتياطي النفط في العالم. المقابل الفوري ليس فقط رزمة الطيران التي تضم طائرات اف35 وانظمة سلاح متطورة، بل ترسيخ مكانة ابن زايد في الكونغرس الامريكي الذي كان ينوي فرض عقوبات على الامارات بسبب تدخلها في الحرب في اليمن، وقرر وقف صفقات السلاح مع السعودية، وهو قرار تم الالتفاف عليه من قبل الرئيس دونالد ترامب. السلام مع اسرائيل يمكن أن يزيل باقي المعارضات الامريكية لبيع السلاح، وهو يشكل بوليصة تأمين لابن زايد حتى في حالة أن ترامب خسر في الانتخابات في تشرين الثاني لخصمه جو بايدن.

​مقابل علاقته الوثيقة مع ترامب، يوجد لابن زايد تاريخ غير لطيف مع الرئيس الديمقراطي السابق براك اوباما، الذي عقد معه في البداية علاقات صداقة وثيقة، الى درجة أن اوباما اعتاد على الاتصال معه بين حين وآخر من اجل الحديث وسماع رأيه حول مواضيع لا تتعلق فقط بالشرق الاوسط. الصداقة انتهت عندما حدثت ثورة الربيع العربي وبدأ اوباما يتحدث عن شرق اوسط جديد، ديمقراطي وليبرالي، يتم فيه انتخاب الزعماء من قبل الشعب ويتم القاء المستبدين في سلة قمامة التاريخ. بالنسبة لابن زايد، اوباما دعا مبارك الى ترك الكرسي وأيد النظام الذي اقامه الاخوان المسلمون في مصر.

​ابن زايد رأى العاصفة التي حلت بالعالم العربي كتهديد لنظامه وللانظمة التقليدية وتجند لمساعدة عبد الفتاح السيسي الذي عزل محمد مرسي في حزيران 2013. ملايين الدولارات ضختها اتحاد الامارات لمصر من اجل زيادة احتياطها من العملة الصعبة، التي وصلت الى نسبة خطيرة. وقد شجع مستثمرين على تطوير البنى التحتية في مصر، وساهم في مشاريع في سيناء وحول القاهرة الى حليفة تعتمد اقتصاديا على الامارات.

​ابن زايد حاول في حينه اقناع الادارة الامريكية بأن دعم ثورة الربيع العربي سيخلق فوضى في الشرق الاوسط وسيضعضع سيطرة الولايات المتحدة في المنطقة. الزعيم الذي انشأ بعد ذلك في الامارات وزارة للتسامح ومتحف يشبه متحف اللوفر، وطور فرع لجامعة نيويورك في بلاده، أوضح حدود تسامحه بشأن خطوات ديمقراطية في الشرق الاوسط. هكذا، في حين أن واشنطن مترددة في تقديم الدعم للرئيس المصري الجديد، فان ابن زايد رسخ مكانته كمن انقذ مصر من ازمة خطيرة.

​ولكن الضربة الاشد التي تلقاها من اوباما كانت المفاوضات مع ايران، التي انتهت بالاتفاق النووي. ابن زايد هو شخص متدين، يصلي ويصوم شهر رمضان، لكنه يمقت الاخوان المسلمين. هذا رغم أنه كان محسوب عليهم عندما كان شاب، وكطفل تعلم على يد واعظ ديني من رجال الحركة. كراهيته للاخوان المسلمين تشبه فقط خوفه من ايران – التي يرى فيها تهديدا قريبا وفوريا على دول الخليج بشكل خاص وعلى الاسلام السني بشكل عام. وليس غريبا أنه حتى قبل أن ينتخب ترامب رئيسا، بدأ ابن زايد بعقد صلة مع صهره جارد كوشنر، بل والغى لقاء شخصي تم التخطيط له مع اوباما من اجل الالتقاء مع كوشنر في نيويورك.

​من الذي يمسك بالخيوط

​اسم ابن زايد ظهر ايضا في تحقيقات المحقق الخاص، روبرت مولر، الذي فحص تدخل روسيا في الانتخابات الرئاسية في 2016، كمسؤول عن العلاقة بين حافظ اسرار بوتين، رجل الاعمال كريل دمترييف، وبين مستشاري حملة ترامب، ومن بينهم ستيف بانون. خلال سنتين امتنع ابن زايد عن زيارة الولايات المتحدة خوفا من استدعائه للتحقيق. هو نفسه، وشقيقه وزير الخارجية عبد الله بن زايد، وسفيره في واشنطن يوسف العتيبة، لم يكتفوا بالدفع قدما بمصالح الامارات في اروقة القوة الامريكية، باستثمار عشرات ملايين الدولارات التي دفعت لشركات العلاقات العامة، واللوبيات والمحامين.

​هم من أوصوا كوشنر بتبني محمد بن سلمان، وحتى طلبوا منه فحص كيف تستطيع الولايات المتحدة المساعدة في تعيينه وليا للعهد بدلا من محمد بن نايف – الذي كان المخلص للادارة الامريكية في السعودية وبشكل خاص لـ سي.آي.ايه. ليس واضحا هل وكيف تدخلت الادارة الامريكية، لكن الحقيقة هي أن ابن سلمان حظي باللقب في 2017، وسوية مع ابن زايد، تحولا الى من يحدد السياسة الامريكية في الشرق الاوسط اكثر بكثير من كبار مستشاري ترامب. ولكن بعد سنة، في تشرين الاول 2018، قتل الصحافي السعودي جمال الخاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول. وخلال فترة قصيرة تم القاء تهمة المسؤولية عن القتل، التي لم يتم اثباتها حتى الآن، على ابن سلمان.

​ولي العهد السعودي ازيح من مكانته كالابن الغالي للولايات المتحدة وتحول الى شخصية غير مرغوب فيها في الكونغرس الامريكي. منذ ذلك الحين لم يقم بزيارة الولايات المتحدة، في حين أن ابن زايد تم تتويجه في العاصمة الامريكية كرجل الادارة في الشرق الاوسط. ولكن مكانته هذه بدأت تهتز بسبب صراعات القوى بين الكونغرس، بشكل خاص الاعضاء الديمقراطيين فيه، وبين ترامب بشأن السعي الى معاقبة ابن سلمان في قضية الخاشقجي والحرب المستمرة في اليمن.

​في هذه الحرب التقى ابن سلمان وابن زايد في شن هجوم طويل وحشي وفاشل على المتمردين الحوثيين كجزء مما اعتبروه كمعركة لوقف نفوذ ايران في المنطقة. ولكن بعد خمس سنوات قتل فيها في الحرب ومات من الجوع والمرض اكثر من 100 ألف شخص وبقي الملايين بدون مأوى، فهمت ايضا الولايات المتحدة بأنه رغم التكنولوجيا والسلاح المتطور الذي باعته للدولتين، إلا أن المعركة لم تنته، بل هي آخذة في توريطها. بين الزعيمين العربيين حدث خلاف استراتيجي، في حين أن السعودية سعت الى انشاء يمن موحد بعد طرد الحوثيين من مناطق سيطرتهم، فان اتحاد الامارات قلصت طموحاتها الى السيطرة على جنوب اليمن من اجل أن تضمن على الاقل أمن الملاحة في مضائق باب المندب.

​ابن زايد، بواسطة شركة فرعية لـ “بلاك ووتر”، شركة الحماية الامريكية سيئة الصيت بسبب سلوكها في العراق، انشأ مليشيات من المرتزقة من كولومبيا وجنوب افريقيا، الذين حاربوا في اليمن ودربوا القوات المؤيدة للامارات من اجل التوفير في حياة الجنود النظاميين. هذه الفجوة بين السياسة السعودية والسياسة الاماراتية جعلت أبو ظبي تبدأ بدعم جماعات انفصالية في جنوب اليمن ضد الحكومة المعترف بها في اليمن والمدعومة من قبل السعودية. وهناك الشكوك تقول إنها وفرت لهم سلاح امريكي.

​تحقيق اجراه الكونغرس الامريكي حول هذه التهمة برأت اتحاد الامارات من خرق قانون بيع السلاح الامريكي. ولكن ابن زايد فهم أن ربط اسمه مع ابن سلمان كمسؤول عن المأساة في اليمن، يمكن أن يمس بعلاقته مع واشنطن. في نفس الوقت وجد ابن زايد نفسه، الذي يتولى وظيفة رئيس بلاده، امام ضغوطات استخدمها عليه ستة حكام من حكام الامارات الذين يشكلون الدولة بسبب الحرب في اليمن. هؤلاء الامراء، وبشكل خاص حاكم امارة دبي، محمد بن راشد، ادعوا ضده بأنه يعرض الدولة للخطر ويحولها الى هدف لصواريخ ايران والحوثيين، ويعرض للخطر الملاحة في الخليج الفارسي، ويبدد اموال الدولة في حرب غير ضرورية ويضحي بحياة الجنود المقاتلين الذين يأتي معظمهم من الامارات الصغيرة الاكثر فقرا.

​سلام استراتيجي

​ابن زايد هو الحاكم الفعلي منذ العام 2004، ونجح طوال سنوات في منع استبداله كرئيس، وهي وظيفة حسب الدستور يجب أن تنتقل بتناوب بين الامراء السبعة كل خمس سنوات. لم يكن بوسعه تجاهل الضغط والتهديد الذي جاء من واشنطن. بقرار استراتيجي صعب امر جيشه بالانسحاب من اليمن ووقع على اتفاق تعاون مع ايران لحماية الملاحة في الخليج الفارسي وسمح لحاكم دبي بمنح تأشيرات دخول رجال اعمال ايرانيين بعد سنوات من التجميد. وحصل في المقابل على وقف اطلاق صواريخ الحوثيين على اهداف برية وبحرية لبلاده.

​ولكن مكان الساحة اليمنية احتلته مؤخرا الساحة الليبية التي فيها يؤيد ابن زايد الجنرال الانفصالي خليفة حتر في صراعه من اجل السيطرة على الحكم. ولي العهد وجد نفسه هنا في تحالف مع مصر التي لديها مصلحة مباشرة في ليبيا، والى جانب روسيا وفرنسا في دعم امريكي ضبابي. هذه حرب تجري بقوة ضد قوات تركية وتمويل قطري – الدولتان اللتان تؤيدان الاخوان المسلمين، والعدوتان اللدودتان للسعودية ومصر.

هذه ليست المرة الاولى التي تشارك فيها طائرات اماراتية في الحرب في ليبيا. في الجولة السابقة كانت هذه الحرب ضد داعش التي جرت في شرق ليبيا. ولكن الآن يدور الحديث عن حرب دولية فيها ابن زايد هو لاعب رئيسي.

​في داخل نسيج المصالح الدولية والعربية هذه لاتحاد الامارات يوجد للسلام مع اسرائيل دور استراتيجي. قرار التخلي عن الاجماع العربي حول المسألة الفلسطينية، والانفصال عن المبادرة العربية، السعودية في الاصل، التي تطالب اسرائيل بالانسحاب أولا من جميع المناطق من اجل أن تحظى بالتطبيع وبحزام أمان مع الدول العربية، والاعلان عن اتفاق سلام مع اسرائيل دون تحالف عربي داعم، يمكن أن تدل ليس فقط على جرأة سياسية، بل بالاساس على التطلع للسيطرة على عجلة القيادة في الشرق الاوسط.

​خلافا لمصر والاردن، ابن زايد ليس بحاجة الى الاموال الامريكية. فهو يستطيع شراء التكنولوجيا التي يريدها من أي مصدر، بما في ذلك من اسرائيل، حتى بدون اتفاق سلام. وهو لا يحتاج الى السلام من اجل الحصول على الاراضي أو من اجل الدفاع عن حدود بلاده، ولكن من اجل الحصول على اعتراف دولي واقليمي بزعامته، مطلوب منه القيام بخطوة اختراقية مستقلة.