لا أقول للأخ نبيل عمرو ما هكذا تورد الإبل بل أدعو الى حوار موضوعي حول الوضع المتردي

حجم الخط

بقلم:المحامي زياد أبو زياد

 

بداية أقول بأنه كان لي شرف الزمالة مع الأخ والصديق نبيل عمرو في المجلس التشريعي الأول وكذلك عندما كنا معا وزراء في إحدى حكومات الرئيس الراحل ياسر عرفات ولمدة أربع سنوات متتالية ، وأقول بأنني كنت دائما أحترم ما يصدر عنه من رأي أو رؤية وتحليل للواقع سواء اتفقت أو لم أتفق معه. وقد سرني كثيرا ً أن المقال الذي نشرته في جريدة القدس ( 8 / 8 / 2020 ) قد استفز الأخ أبو طارق وجعله يرد على مقالي في مقال كتبه في اليوم التالي (9 – 8 -2020 ) في صحيفة " الحدث " مع أنني كنت أتمنى لو أنه التزم بالأعراف الصحفية بأن رد علي في نفس المكان والصحيفة التي نشرت مقالي.

وعلى أية حال فإنني ولأهمية الموضوع الذي نناقشه وهو مستقبل السلطة والحكومة والشعب والقضية والطريقة التي تُدار بها أمورنا والمصير الذي آلت إليه والمستقبل المجهول الذي نسير نحوه ، فإنني أدعو كافة الأخوة الكتاب والمفكرين والمحللين السياسيين وكل من يهمه الشأن العام أن يشاركوا في النقاش حول هذا الموضوع ، وصحيفة " القدس " تفتح صدر صفحاتها لكل من يريد أن يدلي بدلوه في هذا النقاش متوخيا ً إثراءه وصولا ً لرؤية مشتركة حول كيفية الخروج من الوضع الذي نحن فيه.

يقول الأخ نبيل عمرو : " وآخر ما قرأت وآمل أن يكون محتواه مجال حوار مفتوح، مقالة للصديق المحامي زياد أبو زياد تحت عنوان "هل استنفدت حكومة الدكتور اشتية مبررات وجودها؟" ويستطرد قائلا ً :

" ومع تفهمي وموافقتي على التشخيص الذي تضمنته مقالة المحامي زياد أبو زياد، إلا أنني فوجئت بضعف المخرج الذي ساقه كوصفة لحل الأزمات التي تطال كل مرافق الوطن والمجتمع... "تغيير أشخاص وتعديل وزاري مع إشارة مواربة وضبابية ومختصرة وحتى خجولة نحو الحل الفعال الذي هو إعادة إنتاج المؤسسات الوطنية بصورة صحيحة وأولها المجلس التشريعي الذي أعاقته إسرائيل عمليا وألغته السلطة رسميا، كما لم تتم الإشارة للانتخابات العامة كما لو أنها رجس من عمل الشيطان فليجتنب، مع أن معظم الكيانات والمجتمعات لم تجد حتى الآن مخرجا من أزمات نظامها السياسي سوى الانتخابات، وإذا كنا في فلسطين تحت احتلال واحد وغاشم فإن الكيانات التي أجرت أو تعتزم إجراء انتخابات واقعة تحت أكثر من احتلال وتخوض شعوبها أكثر من حرب على أكثر من جبهة".

صحيح أنني ولمعرفتي بأن المشكلة ليست في الحكومة وإنما فيمن يرسم لها خطواتها وأقصد مؤسسة الرئاسة ، فقد اقترحت ، وبسبب تقدير واقعي للوضع الذي آل إليه الحال ، تعديلا ً وزاريا ً وترشيدا ً لأداء الحكومة إلى أن نخرج من مأزق الحكم الذي نحن فيه . ومع أنني لم أتطرق مباشرة لموضوع الانتخابات إلا أنني قلت في مقالي المذكور :

" ولا بد هنا من التأكيد بأن استمرار الوضع السياسي الداخلي الحالي بتغييب المجلس التشريعي والتدخل في عمل السلطة القضائية واستحواذ السلطة التنفيذية على صلاحيات السلطات الثلاث هو وصفة أكيدة ليس فقط لفشل الحكومة بل والسلطة بكل مقوماتها والبرنامج الوطني الذي قاتلنا وقاسينا وضحينا من أجله ، لأن تكريس مبدأ الديمقراطية والفصل بين السلطات والشفافية في الحكم والمراقبة والمساءلة البرلمانية هي أهم مقومات الحكم الرشيد وبدونها لن تقوم للحكم ، أي حكم ، قائمة."

فإذا كان تغييب المجلس التشريعي قد أدى الى استحواذ السلطة التنفيذية على صلاحيات السلطات الثلاث وإلغاء مبدأ الفصل بين السلطات وانعدام المراقبة والمساءلة البرلمانية والحكم الرشيد فإن هذا القول يدعو وبشكل صارخ الى إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية وإعادة الشرعية لكافة المؤسسات والأطر. وهذا ما دعوت إليه في العديد من المقالات التي نشرتها والمناسبات التي تحدثت فيها علما ً بأن لكل واحد منا اسلوبه في الكلام أو الكتابة.

نحن نعيش في وضع عجيب غريب قد يبدو الآن مقبولا ً للبعض ولكن مجرد التفكير في سيناريوهات المستقبل يضع أمام الأعين فيلما من الرعب ربما يفوق رعبا ً أي فيلم من إخراج ألفريد هيتشكوك.

وإذ أتمنى أن يشارك الكثيرون في هذا النقاش فإنني أقول وباختصار شديد أننا نعيش في ظل حكم فرد واحد هو أقرب للحكم المطلق. وهذا الفرد ينتمي لجيل لا يشك أحد في وطنيته وولائه لقضيته ولذا فإن الكثيرين لا يرون الخطر الكامن في حكم هذا الفرد بل ربما يرون في وجوده صمام أمان في هذا الوضع المتلاطم. فنحن لدينا حكومة وأجهزة أمنية تعمل في فراغ دستوري والحكومة لا تستطيع أن تأخذ زمام المبادرة إلا في إطار ما يقرره هذا الفرد، ولا نملك برلمانا يراقب ويسائل ، ولدينا جهاز قضائي ليس بأحسن حال من غيره من أجهزة الحكم المتداعية نتيجة انعدام الشفافية وغياب سيادة القانون والحياة البرلمانية.

وبالرغم من أن المفروض أن تكون السلطة الوطنية هي أحد أذرع منظمة التحرير الفلسطينية إلا أن التطورات التي حدثت منذ قيام السلطة والتداخل بين حركة فتح والمنظمة والسلطة نتيجة وجود المرحوم الشهيد ياسر عرفات على رأسها جميعا ً ، أدت الى اختزال المنظمة وتفريغها من محتواها والى هيمنة قيادة فتح على المنظمة والسلطة في آن واحد. ولا شك بأن الإنقسام والفصل الذي تمأسس وتعمق بين الضفة وقطاع غزة نتيجة الإنقسام بين فتح وحماس كان سببا ً رئيسيا ً في تعطيل الحياة الديمقراطية الفلسطينية مما أوصلنا الى الوضع الذي نحن فيه والذي أفقدنا احترام وتعاطف الصديق قبل العدو.

وإذا كان هذا الفرد الذي يتحكم في المنظمة والسلطة هو المشكلة وهو صمام الأمان في آن واحد فإن مجرد التفكير فيما يمكن أن يحدث لو ، لا سمح الله ، اختفى فجأة عن المسرح.

والسؤال المطروح للمناقشة هو : إلى أين نحن ذاهبون ؟ وهل إعادة الوحدة بين الضفة والقطاع ممكنة أم أنها أصبحت حقيقة واقعة ، وهل هناك حلول مبدعة لإمكانية إيجاد صيغة تعيد هذه الوحدة ولكن ليس بالشكل التقليدي الذي كانت عليه كالفيدرالية مثلا ً ؟ وهل الانتخابات التشريعية والرئاسية هي مدخل لتحقيق الوحدة أم وصفة لتكريس الإنقسام ؟ وهل الحديث عن الحل السياسي ما زال واردا ً أم أن علينا إعادة النظر في المنهج والأسلوب وإعادة توجيه البوصلة ؟ أسئلة كثيرة تدور في الرأس أدعو أصحاب الرأي والفكر للرد على بعض تساؤلاتي وطرح أسئلة لم أطرحها والإجابات التي يملكونها. فلنفتح قلوبنا وصدورنا ونتناقش ونتفاعل لأننا جميعا ً في نفس القارب سواء غرقنا أو نجونا. وما أحوجنا لمثل هذا الحوار والنقاش لا سيما وأن ليس لدينا اليوم مجلس تشريعي نتحاور من فوق منبره. الباب مفتوح للجميع ، فما المطلوب وما الممكن عمله وإلى أي نحن سائرون !