هكذا يرسم نصر الله الترتيب الإقليمي الجديد

الجولان3
حجم الخط

رأى محلل الشؤون الفلسطينية في صحيفة هآرتس آفي يسسخروف، أن المعارك التي يديرها آلاف من رجال حزب الله في منطقة الجولان السورية، إلى جانب الجيش السوري ورجال حرس الثورة الإيراني، ضد ميليشيات المعارضة السورية لا تزال في بدايتها. ومع ذلك، إن الزخم، حتى الآن على الأقل، هو إلى جانب رجال "المحور الشيعي" الذين نجحوا في السيطرة على قرى وبلدات من أيدي "الجبهة الجنوبية" و"جبهة النصرة" هذا التنظيم المتشعب من "القاعدة" ويعتبر القوة العسكرية المسيطرة في منطقة درعا وجنوبها حتى بداية الأسبوع الماضي. والقتال هناك، لم يحسم، ومع مرور أيام ناجحة جاء هطول الثلج والمطر الذي أبطأ تقدم حزب الله. أيضاً حالياً، حيث الجو يتحسن، تبدو هذه المهمة ليست سهلة وبسيطة بالنسبة لمنظمة استنفذت كل قدراتها من ناحية عسكرية.

القطاع الجنوبي، أي المثلث بين القنيطرة ودرعا وضواحي دمشق الجنوبية، يعتبر ملاذاً لمعارضي بشار الأسد غير المحسوبين على رجال تنظيم الدولة الإسلامية . صحيح أن وسائطهم القتالية محدودة، ولكن يوجد لديهم الدافع، لأن هذه المنطقة هي تقريباً الملاذ الأخير للمعارضة غير المتطرفة في سورية. وبالإضافة إلى ذلك، حتى إذا نجح حزب الله في عملية السيطرة على منطقة الجولان السورية فإن هذا لا يعني أن المعركة حُسمت. ففي الماضي رأينا كيف نجحت المنظمة في هزيمة المعارضة في شريط جبال استراتيجي، سلسلة جبال القلمون، من أجل فرض الاستقرار على الحدود الشرقية للبنان، وبعد مرور أشهر فقط تجددت المعارك هناك.

أيضاً في منطقة الجولان السورية يبدو هذا سيناريو معقولاً. وكما في الماضي، من المعقول أن تقوم أوساط المعارضة بمحاولة العودة ومهاجمة هذه المنطقة التي تعتبر بالنسبة لهم منطقة حاسمة.

ودون أي علاقة لنتائج العملية التي بدأت، إن مجرد توجه حزب الله للمعركة على أرض سورية هو أمر استثنائي. فإرسال الآلاف من جنوده إلى معارك بجوار الحدود السورية – الإسرائيلية، وبحيث أن حزب الله لا يحاول حتى إخفاء مشاركته وإنما على العكس يتفاخر بأنه جزء مركزي، وعلى ما يبدو أيضاً مسيطر في المعارك، هي مسألة أكبر من العملية. إن هذه إستراتيجية جديدة.

على المستوى الجيوسياسي يحاول حزب الله تجسيد الرؤية التي عرضها مؤخراً زعيمه حسن نصر الله؛ منطقة الجولان السورية سوية مع جنوب لبنان، هما في حدود الجبهة الواحدة. وبكلمات أخرى إن التسوية القديمة والتوزع الجغرافي بين البلدين، سورية ولبنان، لم يعد مناسباً. لا يوجد فصل بين بشار الأسد في سورية وحسن نصر الله في لبنان. فهنا عبارة عن كيان واحد يسيطر على أجزاء من سورية وعلى معظم مساحة لبنان. في الماضي اعتاد زعماء سورية، وضمنهم والد بشار، حافظ الأسد، على النظر إلى لبنان كجزء من بلاد الشام، من سورية الكبرى. وحالياً تحول الشريط الصغير لسورية الذي يسيطر عليه بشار الأسد إلى جزء من لبنان الكبرى التي يسيطر عليها حزب الله، أو بدقة أكثر إيران.. الدول القديمة ماتت، وتعيش بلاد الشام الصغيرة تحت سيطرة إيرانية.

وبالإضافة إلى تغيير التقسيم السياسي- الجغرافي بين لبنان وسورية، يحاول حزب الله رسم الواقع الأمني مقابل "إسرائيل". ومثل أي هيئة أو كيان شرق أوسطي آخر، يميل حزب الله أيضاً إلى تطوير نظرية المؤامرة لتعزيز تكتيكاته العسكرية وفق ذلك. فمنذ أشهر يقولون في حزب الله إن إسرائيل هي التي تقف وراء "جبهة النصرة" وانتصاراتها في معارك هضبة الجولان السورية. وكدليل، ذكر رجال حزب الله نقل الجرحى من سورية إلى "إسرائيل". أي أن ما ينظر إليه في إسرائيل بكلفته الإنسانية، فُسر كمحاولة للتعاون بين منظمة تؤيد القاعدة وإسرائيل. وهكذا أيضاً تقارير جنود الأمم المتحدة الذين تحدثوا عن نقل صناديق بين الطرفين.

هذه العملية التي يقودها حزب الله تهدف إلى منع ما يبدو بنظره كاحتمال لمحاولة إسرائيلية للإغلاق عليه من جهة جبل الشيخ باتجاه الغرب، بواسطة رجال "جبهة النصرة" والمعارضة المعتدلة. وبعيونهم رأى رجال حزب الله إسرائيل تطبق على جنوب لبنان من جهة الشرق، وبذلك وضعت مصاعب أمام نشاطات حزب الله هناك.

وبالإضافة إلى ذلك، وربما حتى أكثر أهمية، يخشى حزب الله والأسد الابن من أن تكون "إسرائيل" تشق طريقاً إلى دمشق، من القنيطرة عبر درعا وشمالها، تمكنها من الوصول براحة إلى العاصمة السورية في حالة حدوث حرب شاملة. هذه العملية تهدف إلى نسف هذا الاحتمال. كيف سينتهي ذلك؟.. من الصعب أن نحدد، ولكن من الواضح أن الوضع على الحدود بين إسرائيل و"حزب الله قابل للانفجار أكثر مما كان عليه سابقاً.