عن "التطبيع" و"التطبيع الانتقائي" وحصار إسرائيل!

حجم الخط

كتب حسن عصفور

 تحتل كلمة "التطبيع" مساحة واسعة في البحث العام، بعد أن أقدمت دولة الإمارات على تفاهم مع أمريكا وإسرائيل على فتح باب جديد في العلاقة مع تل أبيب، بدأت كأنها "مفاجئة سياسية"، رغم أنها لم تكن كذلك، حيث سبق الإعلان مجموعة مؤشرات تقود الى أن هناك جديد سيكون، كان له ان يحرك "البلادة الفلسطينية" قبل ان تصل الى ما وصلت اليه، تحرك مباشر مع حكومة الإمارات أو عبر الجامعة العربية، ولكن الرسمية الفلسطينية انتظرت الى بعد أن حدث الأمر.

والسؤال، هل كان بالإمكان أداء أفضل من "الرسمية الفلسطينية"، لو أنها أدركت مسؤوليتها مبكرا وفعلت ما يجب فعله، أم أنها تواطأت بالصمت الى حين حدوث الحدث ثم تتذكر أن الأمر خطير، وبعيدا عن تحميلها جانبا هاما من المسؤولية، فما سيكون مسؤولية أكبر، خاصة وأن هناك ما قد يكون "اختراقا جديدا" في التطبيع مع الكيان دون "ضوابط سياسية".

الى حين قيام "الرسمية الفلسطينية" وضع رؤياها الخاصة لمواجهة التطورات القادمة، وتحديد قواعد عمل وفق سياق سياسي عام، يجب صياغة أسس الموقف بعيدا عن اللغة الساذجة التي انتشرت في الإعلام الرسمي الفلسطيني، وكذا الحزبي، بأن الخطوة الإماراتية هي "اختراق" للموقف الرسمي العربي، بعدم "التطبيع" مع إسرائيل، دون أي تحديد لذلك الموقف، حيث مبادرة السلام العربية التي تم عرضها في سياق "رؤية أمريكية – رؤية بوش الإبن"، لم تجد لها أي صدى عملي، بل لم يتم القيام بأي جهد حقيقي لفرضها على طاولة المشهد العام.

ورغم تشكيل لجنة خاصة بها، لكنها لم تذهب بعيدا لاعتبارها "حقيقة سياسية" تمثل الإطار الفعلي لحل الصراع العربي – الإسرائيلي، خاصة بعد العدوانية ضد السلطة الفلسطينية واغتيال رئيسها المؤسس الشهيد ياسر عرفات، وبدأت بالتخلي الموضوعي عن تلك المبادرة، وفتحت الباب لمبادرات أمريكية غير عملية، انطلقت من مؤتمر أنابوليس نوفمبر 2007، رغم تأكيده على حل الدولتين والدعوة لتشكيل آلية ثلاثية مشتركة، لكن الأمر لم يذهب أبعد من ذلك بعد التخلص من يهودا أولمرت رئيس وزراء دولة الكيان.

مبادرة السلام العربية قدمت بابا واسعا لدولة الكيان، لو حقا تريد بناء "سلام عام" في المنطقة، وفق مبدأ دولة فلسطينية بجوار دولة إسرائيل، مع أسس حل لمختلف جوانب الصراع، لكن واقع الأمر، ومن سياق تطور الأحداث التفاوضية عربيا، فإسرائيل غير ناضجة أبدا لحل عام يؤدي الى صناعة سلام بعيدا عن الاحتلال ثقافة ووجودا، بل أن إسرائيل ذاتها رغم كل ضجيج الحديث عن التطبيع، فهي لا تستطيع أبدا أن تفتح الباب للتطبيع الشامل والعام في المنطقة العربية.

تلك ليس قراءة مسبقة، بل هي جزء من خلاصة قراءة سياسية لقدرة دولة الاحتلال، وممارستها العملية تجاه العرب الفلسطينيين داخلها وفي الأراضي المحتلة بعد 1967، فالعنصرية سمة رئيسية من سماتها نحو "العربي" بصفته وليس بهويته، وأن قدرتها على الانفتاح العام ليس سوى وهم، فهي لا يمكنها أبدا ان تستوعب حركة اندفاع عربية دون شروط أو قيود.

هل يعتقد بعض العرب أن إسرائيل يمكنها أن تفتح الباب لاستثمارات عربية في اقتصادها وفق للسوق الرأسمالي، وهل يمكن لها أن تستوعب اقامات دائمة للعمل، أي كان مظهره، من الدولة العربية، كما يجب أن يحدث في "علاقات تطبيعية حقيقة"، ام أنها تبحث عن "علاقات انتقائية" وفقا لمصلحتها السياسية – الاقتصادية والأمنية، ودون ذلك ليس سوى "دجل سياسي مركب".
من يرفض مبادرة السلام العربية لا يمكن أن يذهب الى علاقات تطبيعية عامة، وما يبحث عنه ليس سوى جوانب من علاقات وفق لما يحدده وليس أكثر...وتلك مسألة يمكن متابعتا وفقا للعلاقات مع مصر والأردن، وبالطبع مع منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، الى جانب علاقات مع دول عربية بشكل أو بآخر.

ما قبل اللقاء الرسمي العربي، أصبح من الضرورة أن تقوم "الرسمية الفلسطينية" ببلورة رؤية واضحة والبحث عن كيفية تفعيل مبادرة السلام العربية، ووضع العلاقات التطبيعية مع إسرائيل في سياقها، بعيدا عن "أكاذيب الرفض" الراهنة، عبر إعادة تحديد أسس صناعة السلام وآلياته الخاصة، لو يراد حقا خدمة فلسطين القضية والشعب، وليس أهدافا غيرها!

ملاحظة: عقد قمة "ثلاثية" بين مصر والأردن والعراق في عمان دون مشاركة فلسطين، يضعف كثيرا من الموقف الفلسطيني أي كان تبرير الغياب...هل من جهد لتدارك ما يجب تداركه!

تنويه خاص: مآسي الناس في قطاع غزة تتفاقم ليس فقط بسبب الحصار الظالم من قبل العدو أو من السلطة، لكنه أيضا بفعل حكومة الإكراه القائمة...فحماس تعتبر قطاع غزة "عزبة خاصة" لا أكثر!