رحيل حامل أسرار ميتران وعرفات وصاحب أطول حوار مع ابو اياد

ابو عمار - ايريك رولو
حجم الخط

رحل "المصري حتى النخاع" وكاتم اسرار الروساء ومنهم اللزعيم ياسر عرفات الصحافي والدبلوماسي الفرنسي، والمصري الأصل، والشيوعي الفكر "إيريك رولو" أحد كبار المتخصصين بقضايا الشرق الأوسط.

ولد رولو في القاهرة عام 1926 ثم اضطر للانتقال قسرياً إلى منفاه الفرنسي في عام 1951 بعد أن تم تجريده من جنسيته المصرية.

 عمل في وكالة الصحافة الفرنسية وصحيفة "لوموند"، كما تعاون طويلاً مع صحيفة "لوموند ديبلوماتيك" قبل أن يعيّن سفيراً في تونس من 1985 إلى 1986 ثم في تركيا بين 1988 و1991 وذلك في عهد الرئيس الأسبق فرانسوا ميتران.

بدأ إيريك رولو مسيرته الصحافية في "الجريدة المصرية" عام 1943 أجرى فيها على الخصوص حواراً مع مؤسس جماعة الإخوان المسليمين حسن البنا. غير أن أفكاره الشيوعية تسببت له في مشاكل مع الشرطة المصرية في عهد الملك فاروق اضطرته إلى مغادرة مصر نهائياً إلى فرنسا. وبرغم أن منفاه استمر طوال عقود فإنه كان يردد على الدوام أنه "مصري حتى النخاع".

 

في عام 1963، أجرى رولو مقابلة تاريخية مع الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر أعلن فيها هذا الأخير عن بدء السلطات المصرية الإفراج التدريجي عن السجناء السياسيين من الشيوعيين. أعطت هذه المقابلة رولو مكانة كبيرة بين قادة المنطقة العربية سهلته له فيما بعد لقاء كبار الشخصيات السياسية فيها كما ساعدته على التنقل بحرية وتغطية الثورة الإيرانية عام 1979.

غطى رولو حربي عام 1967 و1973 بين العرب وإسرائيل، كما أجرى مقابلات مع أنور السادات والملك حسين وياسر عرفات ودافيد بن غوريون وموشيه دايان واسحاق رابين وشيمون بيريز، وجميع القادة الذين كان لهم تأثير كبير في تاريخ المنطقة.

من أهم كتب إيريك رولو كتاب عنوانه «في كواليس الشرق الأوسط: 1952-2012» ضمنه شهادة حيّة عن تاريخ المنطقة، وخصوصاً التحول الذي أحدثته حرب عام 1967 على مختلف الأصعدة في المنطقة العربية. كما نشر كتاباً آخر بعنوان "صلاح خلف أبو إياد: فلسطيني بلا هوية. حوارات مع إريك رولو" هو حوار مطول مع القيادي الفلسطيني صلاح خلف يختزل حقبة من الكفاح المرير في تاريخ الشعب الفلسطيني.

وكتب عنه الصحفي سمير عطالله في "الشرق الأوسط" مقاله تحت عنوان  "كاتم اسرار ميتران وعرفات" جاء فيها:

عندما عيّن الرئيس الفرنسي فرنسوا ميتران الصحافي إريك رولو سفيرًا لدى تونس، خطر لي، بصفتي مواطنًا من هذا الشرق، أن ميتران أراد أن يكرِّم أشهر مراسل فرنسي في الشرق الأوسط، بمنصب دبلوماسي بعد ذهابه إلى التقاعد.

أمضى رولو، المولود في القاهرة لعائلة يهودية باسم الياهو (إيلي) رفول، نحو ثلاثة عقود في «الموند». وعُرف بعلاقته الخاصة مع الرئيس عبد الناصر، والتقى معظم الرؤساء العرب، وأخيرًا ربطته صداقة قوية مع ياسر عرفات. أكثر من كان مطلعًا على أهمية هذه الصداقة بالنسبة إلى فرنسا، كان فرنسوا ميتران. وبعد انتقال القيادة الفلسطينية من بيروت إلى تونس، رأى أن في إمكانه الإفادة من صداقة رولو وعرفات لإقامة سياسة فرنسية جديدة حيال القضية الفلسطينية.

توفي رولو عن 88 عامًا في بلدة هادئة جنوب فرنسا بعدما غطى لـ«الموند» أهم أحداث الشرق الأوسط وحروبه. وكلما كتب رسالة تلقّى بريد «الموند» عشر رسائل انتقادية، ما لبث أن أدرك أن خلف أسمائها المستعارة السفارة الإسرائيلية في باريس. وكانت مقالاته تُترجم في المستعمرات على أنها نموذج لخيانة اليهودي الضال. في المقابل، كان الصحافي الراحل أحمد شومان يهاجمه باستمرار في «النهار» على أنه ليس سوى الياهو رفول.

ومن خلاله، كان يهدف إلى مهاجمة الناصرية. وكان رولو من أوائل الذين انسحبوا من الصحافة الورقية عندما أدرك أن التلفزيون (قبل الإنترنت) سوف يغير أذواق العالم. ومحل الصحافي الكبير والمؤرخ الذي كان يمضي الليل والنهار في البحث والمشاهدة والمقابلات، حل المراسل الشاب الذي يقدم، من مكان الحدث، ملخصًا عاجلاً، لأن الكاميرا لا تعطيه الوقت الكافي للغوص في الأعماق والأسباب.

لعبت لغة رولو العربية دورًا مهمًّا، وربما الدور الأول، في الوصول إلى الزعماء والمصادر الأخرى. لم يكن في حاجة إلى مترجم يقرأ له ماذا تقول الصحف، أو يتسبب في حَرَج بينه وبين الزعيم الذي يقابله. أقحم نفسه في صداقاتنا وفي خصوماتنا.