وكأن غزة بحاجة لمزيد من الأزمات لتأتى أزمة تفشى فيروس كورونا لتضرب غزة في وقت تعصف بها الأزمات من كل اتجاه، وبالرغم من أن تفشى الفايروس قد تأخر لشهور منذ أن بدأت الجائحة في التفشي عالميا إلا أن المفارقة بأن أحد أسباب تأخر تفشى الفيروس حالة الحصار المفروض على قطاع غزة منذ ثلاثة عشر عام، وهو نفسه الحصار المتسبب في حالة التصعيد العسكري المتكرر بين فصائل المقاومة بزعامة حركة حماس وإسرائيل على مدار ما يزيد على عقد ونصف من الزمن وصولا إلى حالة التصعيد الحالية التي بدأتها فصائل المقاومة منذ قرابة الثلاث أسابيع عبر استئناف إطلاقها للبالونات الحارقة والمفخخة تجاه المستوطنات المحاذية لقطاع غزة.
ويدرك الجميع أن غزة بعد انتشار الجائحة لن تكون كغزة قبل انتشارها؛ وذلك لأن غزة التي كانت إسرائيل بالكاد تُبقي أنفها فوق الماء لتتنفس ما يسمح لها من الهواء ضمن سياسة إسرائيلية مقننة لن تكون قادرة على الاستفادة من هذا الهواء المقنن بعد تفشى كورونا؛ ولأن فيروس كورونا سيتلف رئتيها التي طالما ابتزها هواء إسرائيل المقنن؛ وفى تلك اللحظة لن يعود لغزة شئ تخسره أو تبتز به، وستكون غزة عند نقطة انقلاب على المنحنى السياسي سيتغير فيها كثير من المعالم السياسية والاجتماعية السائدة منذ ما يزيد على عقد من الزمن؛ ولن يكون بوسع اقطاع غزة المحاصر الفقير الذي تصل فيه نسبة البطالة لما يزيد عن 60 بالمائة؛ والذي يقبع جل سكانه تحت خط الفقر، ولن يكون بوسع غزة وحكامها تَحَمُل تداعيات انتشار الوباء فى نسخته الغزية؛ والتي يقبع في مساحتها التي لا تتعدى 360 كم مربع ما يزيد عن اثنين مليون نسمة فى منطقة هي الأفقر والأكثر كثافة سكانية واكتظاظ على هذا الكوكب.
إن السيناريو الأسوء الذي حذرت منه منظمة الصحة العالمية فى حالة انتشار الجائحة فى غزة بات اليوم قاب قوسين أو أدنى، وفى هذا الاطار يمكننا تفسير ما قد يجرى من تصعيد لفصائل غزة في الأيام القادمة في حال فشل العمادى في الوساطة ما بينها وإسرائيل على اعتبار أنه أخر الطلقات التحذيرية قبل الانفجار، وقد ترى إسرائيل أنها أمام فرصة ذهبية لابتزاز حركة حماس التى تحكم القطاع للحصول منها على أكبر قدر ممكن من التنازلات خاصة فى صفقة تبادل لجنودها الأسرى فى غزة؛ وهى تراهن فى هذا الصدد على حرص حركة حماس على استئثارها بحكم القطاع؛ والرسالة التي تريد إسرائيل إيصالها لحركة حماس فى هذا الصدد هى أن بقاء حكم الحركة لغزة إنما يمر بشروط إسرائيل.
وعلى الرغم من أن كلاً من حركة حماس وإسرائيل لا تريدان الوصول إلى نقطة الانفجار إلا أن استمرار المشهد الحالي فى غزة وعلى حدودها مع تفشى جائحة كورونا فى غزة يوما تلو الآخر ومع إصرار كلا الطرفين على سياسة عض الأصابع والبقاء على حافة الهاوية يؤذن بأن الانفجار لن يكون إلا مسألة وقت؛ وإن حدث هذا الانفجار فلن يخرج منه أحدا رابحا وإسرائيل تدرك جيدا أنها إن ربحت من هذا الانفجار فستكون مستقبلا أكبر الخاسرين. وبذلك لن يكون أمام إسرائيل من خيار إلا الاستمرار فى سياسة إدارة صراعها مع غزة دون حسمه عسكريا عبر سياسة العصا والجزرة وصولا إلى انتزاع مزيد من التنازلات من حكام غزة، وعلى الطرف الآخر فإن على حركة حماس أن تبحث على طريق أخر ولو حتى بالتوازي مع التصعيد الميداني لرفع الحصار عن غزة عبر إيجاد حل للانقسام الفلسظينى يمر بإعادة ترتيب البيت السياسي الفلسظينى عبر الشراكة النضالية وإعادة صياغة نظام حكم ديمقراطي فلسطيني يقرب الشعب من يوم الحرية والاستقلال.
وحمى الله غزة وأهلها من جائحة كورونا وإسرائيل.