ماذا تنتظرون؟

هاني عوكل
حجم الخط

-خبر-كتب: هاني عوكل

09 تشرين الأول 2015


تشعر إسرائيل بورطة كبيرة من تفجر الأوضاع في الضفة الغربية واحتمال تطورها في إطار رد الفعل الفلسطيني على السياسات الإسرائيلية التي تستهدف تفكيك الضفة وتحويلها إلى مجموعة من الجزر الفلسطينية المتباعدة التي تلغي فكرة ولادة دولة صاحبة قوة وسيادة.
إسرائيل حاولت استثمار الانصراف الدولي والعربي عن القضية الفلسطينية لتكريس وقائع تغيير القدس المحتلة وتقسيمها في أبسط الحالات، وكان ملاحظاً ما يجري في باحات المسجد الأقصى من تدنيس للمقدسات الإسلامية وتعميم الاقتحامات الإسرائيلية إلى هذه المنطقة الفلسطينية المقدسة.
يبدو أن هناك موقفا اتخذ في دوائر صناعة القرار الإسرائيلي مفاده أن الفرصة الحالية تسمح بتغيير جغرافية القدس الشرقية باستزراع وجودي إسرائيلي فيها تمهيداً لتقسيمها، وهذا الموقف يأتي انطلاقاً من عاملين رئيسيين أولهما غياب التسوية السياسية وفي القلب منها توقف المفاوضات بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، وثانياً يتصل الأمر بالانقسام الفلسطيني الذي يستهلك من الرصيد الوطني الداخلي على حساب القضايا الوطنية الملحة.
الجماهير الفلسطينية وقفت بالمرصاد للمحاولات الإسرائيلية التي مست كل الثوابت الفلسطينية، وليس غريباً على الشعب الفلسطيني أن ينتفض ويشكل حائط صد ضد كل الاعتداءات الإسرائيلية، انطلاقاً من إدراكه أن الساكت عن الحق شيطان أخرس وأنه سيكون عاجلاً أم آجلاً ضحية المطامع الإسرائيلية.
إسرائيل ترغب في وجود سلطة فلسطينية تمتلك صلاحيات ضبط الجماهير، ومعنية بالتنسيق الأمني مع الاحتلال، وفي ذات الوقت سلطة خاضعة لمنطق التابع الذي يدير الضفة الغربية ولا يحكم أو يأمر فيها، وأخيراً سلطة غير قابلة للتطور والتحول إلى دولة مستقلة.
وتريد إسرائيل أيضاً أن لا تقف هذه السلطة الفلسطينية أمام الطموحات الإسرائيلية في قضم الضفة الغربية وتحويلها إلى منطقة استيطانية بالدرجة الأولى، وكأن الأمر يتعلق بفكرة تعويض المستوطنين عن خروجهم من قطاع غزة إلى الاستيطان في الضفة. كل ما كان يجري منذ سنوات طويلة، يثبت أن إسرائيل تتطلع قدماً إلى إقامة منطقة استيطانية متواصلة جغرافياً وممتدة إلى دولة إسرائيل، حتى تكون الحائط الحديدي في منع أو مواجهة قيام الدولة الفلسطينية المستقلة.
اليوم تتفاجأ إسرائيل من رد الفعل الجماهيري الفلسطيني على مخططاتها، وتبحث عن طرق ممكنة لتجنب التصعيد وتحول هذه التحركات الفلسطينية إلى انتفاضة شعبية من شأنها أن تمنع تثبيت المخططات الإسرائيلية.
وفي المقابل، يأتي التحرك الفلسطيني إيماناً من الناس أن إسرائيل لديها خطة مبيتة للضفة الغربية والقدس المحتلة، وأن السكوت على مثل هذه التحركات المشبوهة قد يعني مواصلة الاحتلال في تكريس وقائع الاستيطان نحو التهويد.
على أن الملاحظ مما يجري في الأراضي الفلسطينية المحتلة، أن أغلب العمليات التي يقوم بها الفلسطينيون إنما هي فردية ومدفوعة انطلاقاً من وطنيتهم وحرصهم على سلامة قضيتهم وعدالتها، ولم تحركهم الخطابات الفصائلية بقدر ما حركتهم بشاعة الفعل الإسرائيلي.
ربما كان الرئيس محمود عباس يدرك أن الفلسطينيين سينتفضون في يوم من الأيام، وما حصل يثبت ذلك، خصوصاً وأن خطابه في الأمم المتحدة يعكس التشاؤم الفلسطيني من إمعان إسرائيل في مخططاتها التصفوية للقضية الفلسطينية بعيداً عن أي تحرك دولي حقيقي يمنع ذلك.
ليس أروع وأجمل من هذا التحرك الفلسطيني الفردي للدفاع عن القضية الفلسطينية، لكن العتب مقصور على فصائل العمل الوطني التي كان عليها منذ لحظات تدنيس المسجد الأقصى والاستطالة فيه، أن تنتفض وتترجم الشعارات إلى فعل مقاوم مدروس ومحسوب ضد إسرائيل.
إنها الفرصة المناسبة لاستثمار الأجواء الحالية والتفكير في القيام بعمل بطولي يحتشد خلفه كافة الفلسطينيين، بعيداً عن المناكفات السياسية التي لا طائل من ورائها سوى المصائب والهم والغم، ولذلك فإن على بوصلة الفصائل أن تتوجه نحو إسرائيل لا نحو نفسها.
الآن الآن وليس غداً نحتاج من فصائل العمل الوطني إلى سرعة التحرك سواء لوحدها أو عبر جبهة موحدة عريضة، لوقف المخططات الإسرائيلية في الضفة الغربية، وليكن هذا التوقيت هدفاً لاختبار مدى مصداقية هذه الفصائل حول البرامج التي تطرحها وتقدمها.
كلنا يعرف أن الفصائل قامت على هدف واحد، وهو محاربة إسرائيل وممارسة العمل الوطني نحو استعادة الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني وتحرير فلسطين من الاحتلال الغاصب، والساعة الآن تدق على توقيت العمل ضد الاحتلال.
ولا أحد يقول إننا ننتظر أن تتحرر فلسطين من الاحتلال، لأن هذه المسألة تحتاج إلى مقومات غير متوفرة حالياً، لكن دعونا نقول إن ضرورات اللحظة تحتاج إلى فعل فصائلي يواجه إسرائيل. 
مصداقية الفصائل الآن على المحك، لأن الضفة تعيش حالة غليان تستدعي إعطاء دفعة قوية للفعل المقاومي، وليكن رد فعل قائما على التصعيد الإسرائيلي ضد الضفة والقدس، وكل الفصائل لها وجود في الضفة الغربية دون أن يلغي ذلك أي أحد كان.
نحتاج إلى تضافر كافة الجهود وفي كل الجغرافيا الفلسطينية من الضفة إلى القطاع، من أجل منع انفراط عقد الدولة الفلسطينية المستقلة، وضمان بقاء القدس على حالها بعيداً عن تدخل الأصابع الإسرائيلية.
هذا هو الميدان مشتعل ومفتوح لكل من يريد أن يقاوم وينتصر للقضية الفلسطينية، ويكفينا الحديث عن لغة التخوين والتقصير والتشكيك في وطنية هذا الفصيل وذاك واستدعاء مبررات الانقسام التي تخدم المخططات الإسرائيلية.
يداً بيد حتى وقف الاعتداءات الإسرائيلية على الضفة الغربية والقدس، يداً بيد حتى وقف الاستيطان الزاحف الذي يهدد القضية الفلسطينية، يداً بيد حتى تحصيل حقوقنا الوطنية المشروعة، هذه التي لن تأتي إلا بسواعد فلسطينية وليس بوساطة الرباعية أو الوساطة الأميركية أو غيرها!!