"ما للعروبة تبدو مثل أرملة"؟!

حجم الخط

بقلم : حمدي فراج

 

لا يستطيع المرء تصديق ما تم تناوله مؤخرا في بعض وسائل الاعلام من ان منزل الشاعر السوري الكبير نزار قباني معروض للبيع. ولكن بمجرد ان تقرأ خبرا يحمل مثل هذا العنوان ، مصحوبا بصورة المنزل في " حي مئذنة الشحم وسط مدينة دمشق القديمة" ، ينتابك غضب مقارب للانفجار ، وحزن مقارب لدموع تهطل من القلب ، وقلق يتجاوز البيت الى الشاعر الى الشعر، فالماضي والحاضر والمستقبل ، فالفكر والفلسفة والتاريخ ، فالجمال والفن والابداع .

صحيح ان المنزل ملك للورثة ، ولكن على الدولة ان تقتنيه منهم ، وتعيده الى أصحابه الحقيقيين ؛ الشعب السوري والامة العربية كلها ، فهؤلاء هم ورثة نزار قباني الحقيقيين ، كأن تحوله الى متحف كما فعلت بريطانيا على سبيل المثال مع منزل الشاعر العظيم وليم شكسبير في مدينة "ستراتفورد أبون ايفون" ، ليتبين ان ورثته لا يقتصرون على الشعب البريطاني ، بل على شعوب الارض قاطبة ، تستطيع ان ترى في المنزل العديد من مقتنيات شكسبير بما في ذلك السرير الذي كان ينام عليه ، تعرض فيه اعماله مطبوعة وكاسيتات واسطوانات و شرائط ، وخلال التجوال في "المتحف" ترى وتسمع على مدار الساعة أشهر مسرحياته التي يعرض بعضها منذ عام 1934 ، رغم ان جميع المشاركين فيها قد رحلوا.

ولهذا يقال ان عدد زوار المتحف سنويا يتجاوز الخمسة ملايين سائح لمدينة لا يتجاوز عدد سكانها 30 ألفا ، وقد وصل الامر ببلدية المدينة انها حظرت البناء لأكثر من طابق واحد لكي يبقى منزل شكسبير مميزا وواضحا .

شكسبير ، رحل قبل حوالي400 سنة ، و نزار رحل قبل 22 سنة ، لكن النظام العربي رحّله عن كل الوطن العربي قبل ذلك بنحو خمسين سنة ، طارده و كفّره ومنع كتبه مرة بدعوى "فجورها" ومرة بدعوى إلحادها ، لكن المرة الاهم بدعوى انه يتدخل في السياسة .

قالت الروائية الجزائرية احلام مستغانمي ما معناه انها حين ذهبت الى بيروت ، قدرت ان الجماهير اللبنانية ستلتف حولها وتحتفي بها ، فهذه لبنان وليست الخليج ، وعندما عرفوا انها جزائرية ، سألوها عن المغني "الشاب خالد" ، في حين قال الراوي السوري الكبير حنا مينا ، انه ظل يكتب على مدار عمره الطويل "95 سنة" لم يتقاضى خلالها مما كتب ، كما تقاضى ابنه "سعد" عن عمل فني واحد من أعماله التمثيلية .

هذي دمشق وهذي الكأس والراح ... اني احب وبعض الحب ذباح / مآذن الشام تبكي اذ تعانقني ... وللمآذن كالاشجار ارواح / هنا جذوري ، هنا قلبي ، هنا لغتي ... فكيف اوضح ، هل في العشق ايضاح / خمسون عاما واجزائي مبعثرة ... فوق المحيط وما في الافق مصباح / تقاذفتني بحار لا ضفاف لها ... وطاردتني شياطين واشباح / ما للعروبة تبدو مثل أرملة ... أليس في كتب التاريخ أفراح / وكيف نكتب والاقفال في فمنا ... وكل ثانية يأتيك سفاح / حملت شعري على ظهري فأتعبني ... ماذا من الشعر يبقى حين يرتاح .