الهروب الى أبو ظبي

حجم الخط

معاريف– بقلم ران أدليست

تأثرتم؟ جميل. الان نعود الى الواقع: حين تكون الحدود في الشمال وفي غزة تشتعل. حين يكون الكورونا يعربد والاصابة تقلق، حين يوزع مالنا جميعنا بانفلات عقال لرشوة قطاعات مقربة، حين تراكم المظاهرات الزخم، حين تكون محكمة الرشوة قريبة والسجن هو الخيار المعقول، حين يقترب عدد العاطلين عن العمل من المليون – فما العمل حينها؟ صحيح. نهرب.

​دولة الهروب هذا الاسبوع هي ابو ظبي. مع افول التقارير الانفعالية عن الحدث “التاريخي” يكون معنى لان نفهم بان هذه مناورة انتخابات لدونالد ترامب وبنيامين نتنياهو. وفد من الموظفين المكلفين من الاسرائيليين والامريكيين، وصحافيون أصماء عن سماع رفيف أجنحة التاريخ وعميان عن الواقع، جاءوا، رأوا و”انتصروا”. سبق رحلة الطيران اعلان “تاريخي” من جانب ابو ظبي عن الغاء المقاطعة على اسرائيل. مئات الاسرائيليين يديرون هناك علاقات تجارية على مدى بضع سنوات، والاعلان، مثل كل العرض، جاء لدعم الاحساس “التاريخي” لاغراض خداع الجمهور.

​وللتذكير: في حزيران قبل سنة  عقد في البحرين “مؤتمر سلام اقتصادي تاريخي”.  وكمن يعرف الشعب الاسرائيلي وتطلعه الى السلام  (طالما لا تكون له علاقة بالاحتلال في الضفة وبالاحتكاك الدامي في غزة وفي الشمال)، سار في حينه لشوط بعيد، نتنياهو، الموساد والسعوديون (البحرين هي جزيرة مجاورة للسعودية) لخداع الاعلام الاسرائيلي: نقلوا الصحافيين الى كنيس “تمثيلي” كي يعزفوا على المشاعر اليهودية الهابطة، جلبوا الى “ورشة السلام” مندوبة وزارة الخارجية البحرينية،  يهودية كانت تعمل كسفيرة في واشنطن، مستشار المملكة لشؤون اليهود الامريكيين مارك شناير، حاخام يدعى مارفين هاير – وعندها، كالارنب الذي يسحب من كم الساحر ظهر في المؤتمر في البحرين واحد يدعى ابراهام كوفر من مركز شمعون فيزنتال (بينغو! كارثة!).  بعد أن تبين بان حيلة “السلام” تدحرجت بمتعة في وسائل الاعلام وبين الجمهور، اجريت هذا الاسبوع جولة (احبولة) اخرى على اليهود.

​في المشاكل الحقيقية لاسرائيل، بالمناسبة، ساء الوضع، وهذا هو السبب الذي يجعلنا نكبر الرأس ونفهم الوضع على حاله: المضيف، ابن زايد، ليس سكر حلو ولا حبيب أمم العالم. فهو رجل اعمال صعب من الطراز الفرعوني. مقابل جولة علنية في المقهى في الحارة مع العشيقة، يطلب ابعاد الزوجة الثانية (ضم المستوطنات)، كما  يطالب موافقة اسرائيلية على شراء سلاح متطور وبرامج سايبر مغرضة، والاساس: الجيش الاسرائيلي من ناحيته يفترض أن يكون الرابعة سواء حيال ايران ام في الصراع بين السُنة والشيعة.

​في الصراع على الهيمنة في العالم الاسلامي فان اعداء ابن زايد هم الاخوان المسلمون وحماس، المتماثلة معهم. ما يدفع نتنياهو (ضمن امور اخرى) لان يرفض اتفاق التسوية الذي اخذه على عاتقه مع حماس بعد الجرف الصامد. واليوم، ظاهرا، حين يكون الجيش الاسرائيلي الى جانبه، يكون لابن زايد رافعة على الايرانيين. فعلى اي حال معظم جنود جيشه هم فيلق من المرتزقة ممن ليسوا مواطني الدولة، إذن اذهب واعرب، لعله يمول النشاط الحالي لجهاز امننا حيال ايران.

​دبي أم شعفاط

​لا أدعي التشخيص الصحيح لنسيج العلاقات بين ايران ودول الخليج، ولكن الحقائق تتحدث: بعد النار الايرانية على منشآت النفط السعودية وقع ابن زايد على اتفاق تعاون مع ايران في صالح أمن الملاحة في الخليج. الوضع بينهما هو خصومة ومخاوف متبادلة. الى جانب ذلك يتجول في ابو رجال اعمال ايرانيون اكثر بكثير من الاسرائيليين. هذا الاسبوع، بعد حادثة اطلقت فيها قواته النار على سفينة صد ايرانية فقتلت صيادين اثنين، اعتذرت حكومة ابن زايد واعلنت عن استعدادها لدفع التعويضات.

​على المستوى الشخصي يتجه ابن زايد الى الاعلى. وبصفته هذه فقد أعلن هذا الاسبوع (العربية) بانه “ملتزم باقامة دولة فلسطينية عاصمتها شرقي القدس” وانه قرر “ترتيب العلاقات مع اسرائيل من اجل السلام، ولكن لا يعني هذا تجاهل موضوع الدولة الفلسطينية”. آمل أن يسير خطوة واحدة الى الامام فيشرفنا لزيارة الى القدس. يا ليت. وستكون الذروة بالطبع زيارة الاقصى بوقفة صلاح الدين، بينما يضع في زاوية المنبوذين مسيحانيي الصهيونية الدينية، الذين ضربهم في جولة الضم الاخيرة. وعلى أمل أن يجلب في اعقابه قطارا جويا من الاصدقاء من الخليج. والان اذهب لتفهم ما يحصل في بوابات الحرم  لرجل حرس الحدود او لسموتريتش. فذان يفترض بهما ان يفصلا بين محمد من دبي الذي جاء في طائرة خاصة ومحمد من شعفاط الذي جاء على حمار.

​الفلسطينيون هم بالفعل هم العائلة المظلومة التي تخرب الحفلة التي تعقدها العشيرة الخليجية. غير أنه لا توجد دولة او عربي واحد في العالم يقبل سيطرة يهودية على عرب فلسطينيين. حتى لو كانوا يعصبنون له القفى. استراتيجية ابن زايد هي ان السلام الاقتصادي سيقتل الدافعية للقتال، سواء لدى الاسرائيليين على مصير المستوطنات ام لدى الفلسطينيين على كل ذرة حتى حدود 1967.

​ما هو واضح في هذه اللحظة هو شيء واحد فقط: ليس لهستيريا السلام الحالية باسلوب ابو ظبي أو ابو علي اي علاقة مع المشاكل الحقيقة التي يقف امامها مواطنو اسرائيل. ولا حتى رحلة ال عال “التاريخية” فوق السعودية.

​في هذه الاثناء، ولاجل تعزيز العرض الحالي، على طريقة المسوقين لبضاعة ليست لديهم، ينثر جارد كوشنير تلميحات عن ان السعوديين على الطريق. يكرر خبراء فيشرحون بان الرياض ممزقة في خلافات رأي قاسية حول التطبيع مع اسرائيل. الملك، والد ابن سلمان، الى جانب شيوخ الدين، يعارضون بشدة. هكذا؟ علم أن كوشنير قال لـ ابن سلمان “إما أن تأتي الى احتفال التوقيع في واشنطن مع رؤساء اتحاد الامارات والبحرين، وإما ستزداد فرص المرشح الديمقراطي جو بايدن للفوز في الانتخابات، وعندما ستبدأ مفاوضات امريكية مع ايران، خصم السعودية، ولن تكون للرياض مكانة مفضلة في البيت الابيض”. يدور الحديث عن فرخ تاجر عقارات نيويوركي وعن غباء تام في فهم الشرق الاوسط.

​على المستوى السياسي الحقيقي، عرض وزير الخارجية غابي اشكنازي هذا الاسبوع بديلا ومحورا كديا حيال العلاقة السيامية والمريضة بين نتنياهو وترامب: علاقة سليمة مع المانيا والاتحاد الاوروبي، هناك معظم الشركاء هم من متضرري نتنياهو وترامب. في رحلة خاطفة اولى الى اوروبا كوزير للخارجية، بحث غابي اشكنازي الاسبوع الماضي استئناف اللقاءات الدائمة بين اسرائيل والاتحاد.  والان، بعد نشاط بيني غانتس واشكنازي لاحباط الضم، تعتقد أوساط الاتحاد الاوروبي بانه يوجد مع من وعلى ماذا يمكن الحديث. مثل الغاء المرسوم في 1972 الذي يفرض عقوبات على اقامة علاقات اقتصادية مع اسرائيل.

​عندما سأل الصحافيون اشكنازي ما هو هدف زيارته، قال: “لتحسين العلاقات مع اوروبا”. صحيح أنه يبدو كدبلوماسي ولكن التداعي هو غولاني (من وحدة قوات غولاني): نتنياهو خرب العلاقات، انا هنا لبنائها. واذا ما انتخب بايدن، فسيكون غانتس واشكنازي ضيفي شرف في واشنطن، بينما نتنياهو واردان سيكونان فقط بندا اضطراريا في البروتوكول. واذا ما انتخب ترامب، فاننا سنخزن الامل ونعيد اليأس. واذا لم ينجح هذا ايضا، فدوما سيكون لنا التهكم و “قلنا لكم”.