المتظاهرون في بلفور يمحون الفلسطينيين

حجم الخط

هآرتس – بقلم يونتان بولك

في الاشهر الاخيرة ومثلما في الاحتجاج الاجتماعي في 2011، يجري نقاش اسرائيلي داخلي ينجح في الخروج الى الشوارع. ومثلما كانت الحال في حينه، فان اليسار الاسرائيلي مرة اخرى يهمل الفلسطينيين ويشارك في اخفائهم. الشعب مرة اخرى يطالب بعدالة من انواع مختلفة، وبقايا اليسار في اوساط الشعب، ابناء المجموعة المسيطرة على الواقع الكولونيالي – يتم اغراءهم باللجوء الى الحضن الدافيء للشعبوية اليسارية، متناسين أنه هنا ليس جنوب امريكا وحتى ليس الولايات المتحدة ما بعد قتل جورج فلويد. عندما يطالب الشعب في اسرائيل بأمور فان الشعب هو الشعب اليهودي. لا يوجد ولا يمكن أن يوجد في اسرائيل شعبوية يسارية هي في جوهرها مناوئة للكولونيالية.

​ومثلما كانت الحال في حينه، فانه قبل عقد، رجال اليسار اعترفوا بأن الرائحة الكريهة التي كانت تنتشر بين الاعلام القومية والتفوق اليهودي، التي كانت ترفع في المظاهرات، هي مقرفة. ولكن الكثيرين يقولون “سنتنفس لاحقا”. حتى في ذلك الوقت أعمت رؤى التغيير التكتوني وضعف الشرارة الخيالية للحظة ثورية لا ينبغي تفويتها، اجزاء من اليسار الاكثر راديكالية. وبنظرة الى الوراء، كانت حركة الاحتجاج في 2011 لحظة مهمة، وإن كانت واحدة من العديد، في المحو المستمر للفلسطينيين من الخطاب الاسرائيلي، بما في ذلك خطاب الاحتجاج الاسرائيلي، وايضا خطاب جزء من اليسار الراديكالي.

​من اجل توضيح مدى اختلاف المظاهرات الآن عن المظاهرة قبل عقد، فان نشطاء مخلصين (مخلصين حقا دون قطرة من السخرية) يشيرون الى الحضور المحترم لقتل اياد الحلاق في المظاهرات. ولكن بالتحديد هذه الواقعة هي مثال ممتاز على الاستقطاب الذي يحدث في المظاهرات، من الطرف الى المركز – وليس العكس.

​في سياق مظاهرات بلفور وبيئتها السياسية، فان التطرق المستمر لاغتيال الحلاق يتم وضعه في سياق جريمة قتل نفذها أحد ضباط الشرطة، لديه نزعة عنصرية. تقريبا لن يذكر في أي يوم اسمه قبل أو بعد اسم سولومون تاكا أو شيريل حبورا أو يهودا بيادكا. كل هذه هي حالات تبعث رائحة قوية من العنصرية. ولكن بنفس الدرجة، ربطهم في رزمة واحدة هو استيلاء على السياق الفلسطيني من قبل السياق الاسرائيلي. اضافة الى ذلك، التعامل مع رجال شرطة حرس الحدود كرجال شرطة وليس كجنود، يخفي ايضا السياق الذي اغتيل فيه الحلاق.

​إن تأطير موت الحلاق كحالة اخرى من عنف الشرطة واختيار تركيز الاحتجاج على قتله بالمطالبة من قسم التحقيقات مع الشرطة بتقديم من اطلقوا النار للمحاكمة، يسمح بوجود الوهم بأن اسرائيل هي مكان طبيعي مثل كل الاماكن. هنا، مثلما في امريكا وبريطانيا، ايضا لدينا يوجد غضب من عنف رجال الشرطة. رغم أنني لست مؤيدا كبيرا لدول من أي نوع، فان اسرائيل لم تعد دولة مثل جميع الدول الاخرى التي تعاني من مشكلة شرطة عنصرية وعنيفة.

​الحلاق، المتوحد والعاجز والذي تم اطلاق النار على ظهره، هو بالتأكيد الضحية الكاملة، حتى في اجزاء من اليمين المتطرف يعتبرون هذه الحادثة مأساة. ولكن ما هو المعنى الحقيقي لتأطير اغتياله كعنف شرطي؟ واذا لم يكن مصاب بالتوحد؟ هل تصرف رجال حرس الحدود حسب الاجراءات واللوائح والقوانين التي تنظم قتل الفلسطينيين على أيدي قوات الجيش؟ وحتى لو بالاضافة الى كل ذلك، حمل معه بالفعل سلاح في نضاله ضد النظام الكولونيالي الذي يفرضونه بقوة سلاحهم رجال حرس الحدود؟.

​اسرائيل ليست دولة عادية والنضال ضدها ليس نضال على حقوق المواطن. ببساطة، الحلاق لم يكن مواطن بل أحد الرعايا. في السياق الكولونيالي لا يوجد عمل شرطي افضل أو أقل سوء. النظام هو في جوهره سلطة اجنبية والعمل الشرطي هو بالضرورة فرض عنيف لهذه السلطة.

​في نفس الوقت الذي تتباكى فيه المظاهرات، جزئيا، على انتهاء المعركة من اجل الديمقراطية، لا يوجد حكم ديمقراطي على الاطلاق في دولة اسرائيل. اسلوب النظام هنا يتراوح بين الابرتهايد والديمقراطية العسكرية، وذلك يتعلق بلون بطاقة الهوية وبند القومية فيها. هذا الوضع ليس جديد. هكذا كانت اسرائيل في اساسها منذ اقامتها. وهكذا كانت طموحات الحركة الصهيونية حتى قبل ذلك. جذر القضية ليس 1961 والمستوطنات، بل منظمة هشومير ودافيد بن غوريون.

​ولكن قبل وقت قصير هدد الضم الرسمي لاجزاء في الضفة بأن يصبح نقطة تحول زائفة اخرى في قصة هذه الديمقراطية الوهمية. في عالم اليسار الصهيوني، دائما يكون هناك هدف متحرك – الذي دائما يكون امامنا – واذا تجاوزناه فعندها يكون علينا البدء في المقاومة. هذا في الحقيقة خط مزيف ويثير الاشمئزاز. ولكن للحظة واحدة، حيث كان الضم يقف على الاجندة، كان يبدو أن مجموعات اكبر وكأنها لم تكن تحلم بهذا الامر في السابق، بدأت في الاعتراف بأنه في اسرائيل يسود الآن نظام ابرتهايد، بدون “اذا” أو “ربما”.

​إن التفكير السحري بشأن تأثير بنيامين نتنياهو يسمح للاسرائيليين بالذهاب مع والشعور بدون – لمواصلة الانخراط في الشؤون الداخلية للمجتمع الاسرائيلي دون التخلي عن الروح الثورية الزائفة التي تبنوها. مع انتشار رؤية اسرائيل كدولة ابرتهايد في اوساط دوائر خافت من فعل ذلك في الماضي، تتسع ايضا المسؤولية للتصرف طبقا لذلك، وهذه المسؤولية تحمل في طياتها فعل. الادراك أنه في اسرائيل يعمل نظام ابرتهايد ممنوع أن يبقى نظريا فقط. وفي وضع كولونيالي، الجماعة التي تحارب من اجل حريتها هي تلك التي تشكل طبيعة النضال والحل. وظيفة اليهود ذوي المواطنة الاسرائيلية هي الانضمام للمقاومة الفلسطينية بقيادة الفلسطينيين والعمل ضد نظام الابرتهايد.