بقلم: ناحوم برنياع
«الارهاب» معدٍ: يعرف كل من كان في هذا الفيلم أن ما يحصل على طريق جانبي قرب نابلس أو في زقاق ضيق في البلدة القديمة في القدس لا يبقى بالضرورة هناك. فسرعان ما ينتقل «الارهاب» الى مراكز المدن، الى قلب الدولة. يحصل هذا عندما يكون «الارهاب» موجهاً من فوق، من الاذرع العسكرية للمنظمات، ويحصل عندما يندلع من الاسفل، بسكين، بمفك، بغضب الافراد.
في بداية الاسبوع، في اعقاب أعمال «الارهاب» التي وقعت في القدس وفي «السامرة» دعونا هذه الموجة بـ»الانتفاضة الثالثة». ومنذئذ والأحداث تتلاحق أحدها بعد الآخر. وهي تتناثر على أماكن مختلفة، أزمنة مختلفة، ظروف مختلفة. وتحمل طابع العدو، والوباء. فالاحساس هو ان كل البلاد جبهة، وكل الشعب مرشح للطعن. هذا مبالغ فيه، بالطبع، فلا يزال العيش هنا أفضل مما في معظم دول العالم، والعيش هنا أكثر أمانا مما في قسم كبير من الدول. ولكن للاحساس قوة خاصة به.
تل أبيب، التي اضيفت ظهر أول من امس، الى قائمة المدن التي تصلها الموجة الحالية ليست خاصة. فقد كانت هدفا في جولات «الارهاب» السابقة، ولا يوجد ما يدعو ألا تكون هدفا الآن. والسؤال ليس أين حصل هذا، بل كيف نقلص الضرر، كيف ندخل الندم الى قلوب «الارهابيين» المحتملين وكيف نقنعهم بان الحياة افضل من الموت. ينبغي اعطاؤهم سببا وجيها للحياة.
فشلت اسرائيل والسلطة الفلسطينية على حد سواء في هذا الموضوع. كلتاهما عرضت على جموع الشباب الذين ترعرعوا في «المناطق» خيارا واحدا فقط: اليأس. والى الذروة وصلت الامور في السنوات الاخيرة. لا جدوى، لا مستقبل، لا أمل. هذا المستنقع هو دفيئة مثالية لـ»جراثيم الارهاب».
حيال الموجة الحالية يطرح وزراء حكومة اسرائيل رؤيا واحدة: مزيدا من التشديد للعقاب الشخصي والجماعي، قمع السكان الفلسطينيين حتى التراب. وهم يؤمنون بان اليأس يمكن الانتصار عليه بمزيد من اليأس، وان التمرد يمكن كسره بعقوبات السجن، بجبايات الضريبة وبالغرامات التعسفية.
يخيل لي أن نتنياهو مجرب أكثر منهم – فهو يعرف بانه لن ينجح الامر هكذا. ولكن الناخبين يتوقعون منه الافعال، ولهذا فانه يصدر لهم كل يوم قرارات وهمية لن تغير في شيء الواقع على الارض، ولكنها ستفسد رائحة اسرائيل في الغرب. يمكن لنتنياهو أن يعول على عامل واحد: الزمن. فمثل جولات العنف هذه تميل لأن تستنفد نفسها. هو لا يعرف اذا كان هذا سيستغرق اسبوعا، شهرا، سنة او ثلاث سنوات. لا يعرف أي اثمان سيدفعها الاسرائيليون الى أن نصل الى حفل الختام وبعده. ولكنه يعرف أن لهذه الموجة ايضا نهاية.
اسرائيل محتل سيئ: دوما كانت. بدلا من أن تمنح الامل للسكان المحتلين، استوطنت أرضهم؛ بدلا من المساهمة في رفاه السكان، نجاحهم، أمنهم، تصرفت معهم بانعدام سخاء وانعدام احترام، رفضت بان تعيش معهم ورفضت أن تنفصل عنهم.
هذا لا يعني ان «الارهاب» مبرر من ناحية اخلاقية. «الارهاب» هو ثمرة فجة لليأس، الوحش الذي يولده اليأس. ولكنه لا ينبعث من العدم: له أب وأم، أجداد وجدات، اخوة واخوات.
قصة مختلفة
في الجيش الاسرائيلي جرت، هذا الاسبوع، مداولات حثيثة في محاولة لفهم الواقع الجديد. «واضح لنا أننا لسنا في الوضع الذي كنا فيه قبل اسبوع»، يقول مصدر عسكري. «كانت لدينا موجات عنف معينة في السنوات الاخيرة، جاءت وذهبت. يحتمل جدا ان تكون الموجة الحالية قصة مختلفة».
علل واشرح، طلبت منه.
فقال: «اولا الخلفية. دون الدخول الى الجذور العميقة للنزاع، خلقت اعياد هذه السنة وضعا خاصا. أضرب لك مثلا لم يتصدر العناوين: في الحرم الابراهيمي في الخليل يوجد تقسيم دقيق لازمنة الصلوات، لليهود وللمسلمين، من الساعة العاشرة الى الساعة العاشرة. في عشية يوم الغفران طلبنا تقديم موعد الصلاة بسبب دخول الصوم. صادف عيد الاضحى هذه السنة في اليوم ذاته، وكان للمسلمين مطالبهم الخاصة. والتنسيق وحده بين الطرفين منع الازمة.
«اضف الى هذا الاحتكاك بين اليهود والعرب في الميدان. حقيقة أن العملية في دوما لم يحل لغزها بعد تشكل مشكلة كبيرة. وحل اللغز يهدئ الغضب ويلطفه. انتبه كيف هدأ الكشف السريع لعملية القتل قرب ايتمار الرأي العام في اسرائيل (وعمق الغضب والشكوك في الشارع الفلسطيني).
«اضف الى هذا رد فعل المستوطنين اليهود. عنف اليهود تجاه العرب هذه المرة يصل الى حجوم لا نتذكر مثلها. فقد اقتلع الاسرائيليون مئات اشجار الزيتون التابعة للعرب، هدموا منازل، حطموا سيارات. والعنف يشجع العنف المضاد. هناك محافل تريد ان نفتح النار على كل فتى فلسطيني يرشق الحجارة. ونحن سنطبق بالطبع هذا الامر ايضا على الاسرائيليين الذين يرشقون الحجارة. فعندنا الجميع متساوون امام القانون. وحسب كمية رشق الحجارة من اليهود على العرب، هذا الاسبوع، كان ينبغي على الجيش الاسرائيلي أن يقتل 200 يهودي».
وكان يسخر بالطبع. فالجيش الاسرائيلي لا يقتل اليهود.
«اضف الى هذا سلوك «فتح». في الفترة العادية تجري في «المناطق» مظاهرتان – ثلاث مظاهرات في مراكز الاحتكاك. وفي معظمها يشارك عشرون شخصا. في الموجة الحالية تجري في مراكز الاحتكاك نحو اربعين مظاهرة في كل يوم، تتدحرج في قسمها الاكبر الى أعمال اخلال بالنظام. يشارك فيها 200 حتى 400 شخص. منظمة «فتح» تقف خلف هذه المظاهرات.
«نحن نتابع بانتباه التغييرات داخل «فتح». في هذه الاثناء باستثناء بعض الاحداث التي كان فيها اطلاق للنار، فإن الاحداث عالجتها اجهزة السلطة، وامتنعت «فتح» عن الانتقال الى الاعمال العسكرية. والمتظاهرون مطالبون بان يأتوا بلا سلاح.
«اضف الى هذه الهزات الداخلية في السلطة الفلسطينية. فالحماسة التي اثارها خطاب أبو مازن في الجمعية العمومية للامم المتحدة انطفأت على الفور، واضافت احباطا الى اليأس. وعندما يسأل ابو مازن - يسأل فقط – هل أخطأتُ في خطي الاستراتيجي، يقول رجال «فتح»، ربما اخطأ حقا، فربما يساهم العنف بالفعل في دفع القضية الفلسطينية الى الامام.
«التنسيق الأمني مع السلطة يقع في مركز التحدي ويعاد صياغته من جديد. لا يزال لا يوجد انفجار، ولكن توجد صدوع. هذا الاسبوع، عندما جرت مظاهرة جماهيرية في مفترق «أيوش»، بين رام الله و»بيت ايل»، طلبنا من أجهزتهم وقف أعمال الاخلال بالنظام، فلم يستجيبوا. لا يمكننا أن نفرق مظاهرة ضد عنف المستوطنين، قالوا. انتظروا 14 ساعة. اضطررنا لعالج المظاهرة بقوة المستعربين.
«في العام 2000 وجه افراد الشرطة الفلسطينيون بنادقهم ضد جنود الجيش الاسرائيلي. نحن لسنا في 2000. حقا لا. ولكننا لسنا حيثما كنا قبل اسبوع، ولكننا لا يمكننا أن نعود الى حيث كنا قبل اسبوع. شيء ما اساسي تغير».
دعا البعض هذا انتفاضة ثالثة، قلت. فالمؤشرات تذكر ببداية الانتفاضة الاولى، في العام 1987.
«نحن لا نسارع الى اعطاء الاسماء. فالاسماء تخلق الوعي.
«معظم العمليات في هذه اللحظة هي عمليات إلهام. فتاة تنهض في الصباح وتقرر أن تكون شهيدة؛ ماكث غير قانوني، حتى هذا الاسبوع عمل كالمعتاد، فجأة يقرر الاعتداء على جنود. نحن نتردد في هذا الشيء: الخوف هو أنه بدلا من التهدئة، سنخلق أثرا معاكسا.
«ميلنا في هذه اللحظة هو أن نحاول الحفاظ على سياسة التهدئة: الامتناع قدر الامكان عن العقاب الجماعي، حفظ الفرق بين «المخربين» والخارقين للنظام وبين الجمهور الغفير. قطع التواصل – منح كل منطقة، كل بلدة، سياسة تتناسب والوضع القائم في المكان. نحن لا نريد أن يصبح المئات الذين يخرجون للتظاهر آلافا، عشرات الآلاف. هذا صحيح ايضا بالنسبة لجهود احباط احداث «الارهاب» من جانب اليهود. الميل هو للحفاظ على الفرق بين المشاركين في الارهاب وبين الجمهور.
«نحن نعمل كي نمنع الاسرائيليين من أن يأخذوا القانون بايديهم. اعتقلنا 17 اسرائيليا يشتبه بانهم مشاركون في اعمال الارهاب. بعضهم لا يزال معتقلا، ولدينا اسماء اخرى. وقد أجرت المخابرات احاديث تحذير مع عشرات النشطاء. نحن نعانق الاستيطان، ولكن نحاول أن نضع له في نفس الوقت خطوطا حمراً.
«أعمال الثأر لن تهدئ الجمهور الاسرائيلي، بل الانخفاض في كمية الاحداث. احساس الخوف موجود في الطرفين. وشعلته تزداد من خلال الشبكات الاجتماعية. في الانتفاضة الاولى من رشقوا سيارته بحجر كان يسير الى الامام، أما اليوم فهو يبلغ ما حدث في الشبكات الاجتماعية ويشرك في تجربته المئات والآلاف. حتى عندما لا توجد حرب فان الاجواء هي أجواء حرب.
«رغم الاحداث فإننا نبذل جهودا كبيرة لتعزيز البنية التحتية المدنية في الجانب الفلسطيني. يتهموننا باننا نعطيهم تسهيلات: هذه ليست تسهيلات – هذه حرب ضد الارهاب. فالامتناع عن العقاب الجماعي يساهم في التهدئة. اما اليد القاسية تجاه السكان فتزيد الارهاب.
«المخرب في (كريات جات) كان ماكثا غير قانوني، هناك 40 الف ماكث غير قانوني داخل اسرائيل. الآن سيضغطون علينا لنفرض اغلاقا على المدن الفلسطينية كي نمنع خروج الماكثين غير القانونيين. هذا سيكون خطأ.
«عندما تكون حاجة لممارسة الضغط فاننا نمارس الضغط. لم تكن لنا مشكلة في الدخول بقوة الى مستشفى في نابلس واعتقال عضو خلية القتلة من (حماس)؛ عندما أردنا القبض على خلية في شرق بنيامين اغلقنا كل الطرق في المنطقة – هذا لم يكن عقابا، بل عملية احباط للارهاب.
«نحن نبذل جهدا للامتناع عن الاخطاء. مخيم عايدة للاجئين في بيت لحم ملاصق لقبر راحيل. لاحظنا هناك محرضا رئيسا يعمل على القاء العبوات ورشق الحجارة. اطلقنا النار عليه فأخطأنا. انطلقت الرصاصة 40 مترا آخر فقتلت طفلا ابن 13. ارتكبنا خطأ في طولكرم: استخدام النار الحية لم يكن مناسبا. كل حالة كهذه تجر مزيدا من العنف».
ويقول المصدر العسكري: «يحتمل أنه لا يزال ممكنا اطفاء النار. ليس كل شيء ضائعا. ولكن يجب أن نتذكر بانه حتى لو هدأت الامور، ففي موعد ما في سياق الطريق ستعود لتبرز مسألة الجدوى. احد قادة أجهزتهم سينهض ليسأل، «وبعدين؟» ماذا سيحصل بعد ذلك؟ ليس لنا جواب على هذا.
عن «يديعوت»