بقلم: سميح خلف

إن لم نُحرر أرضنا لا أحد سيحررها لنا

سميح خلف
حجم الخط

غزة - وكالة خبر

من يعتقد ان الزمن يتجمد وتقف فيه عقارب الساعة لتنتظر من يستغل توقفها فهو واهم ، فحركة التاريخ تتغير وموازين القوى تتغير ومفاهيم الانظمة ونوعيتها وتوجهاتها ايضا تختلف من زمن الى اخر ، فقد تكون الثوابت هي لا ثوابت وقد تكون المواقف السابقة لا تكون مواقف مماثلة لها في زمن اخر والعاطفة والرجوع للخلف لدراسة الزمن وحركته والمتغيرات التي حدثت طوال فترة من الزمن او حقبة منه هو الدليل الواعي لكي نخرج عن الفشل او ان نخرج من معادلات كان بالامكان ان نكون احد الاطراف المهمة في صنعها في زمن سابق فلنتعلم ... والا الزمن يتسارع والاحداث والمتغيرات تاتي كالقدر الذي لا نحب ان ننتظره بالامه وبماسيه.

ولكي نكون صرحاء مع انفسنا ومع غيرنا لقد توقف  عقرب الساعة وتوقف الزمن لدى القيادة الفلسطينية على برنامج استمر عقود بنفس الابجديات السياسية وبنفس الاشخاص وكانهم قدر وكانهم اللات والعزة التي لا يغفر لمن اساء لها او اخطأ بحقها او قال اعطوني دليلا على صحة مواقفكم ، توقف الزمن على حل الدولتين وعلى بقايا من الوطن مع اعتراف رسمي وتاريخي باحقية اسرائيل في فلسطين التاريخية ، هكذا كانت اوسلو وكان الحل الانتقالي ايضا  الذي لا يبرأ هذا الاعتراف ولا يؤسس لدولة ذات سيادة .

اساءة  الفهم بين التلقي والارسال وكيف نكون متلقين وكيف نهمل ان نكون مرسلين تحت مبررات واعذار وغيره ، امتلكت منظمة التحرير مال لم يوظف بشكله الصحيح للبنية الاقتصادية للانسان الفلسطيني والمجتمع الفلسطيني ، بل ذهبت تلك الاموال بين هذا وذاك وبين الموالين وعدم الموالين وذهبت تلك الاموال خارج النفع بالسلاح واستخرامه في معركة تحرير مثلا ً بل استخدم كما قلت للحصول على اجماع الى اي قرار سياسي قد يفقدنا جزء من الوطن او احقية فيه تحت مبدأ ايضا ً حل الدولتين وقرار 242 ، فكيف يحترمنا من هم حولنا ! وان وافقونا على برنامجنا  الذي تخلى عن غالبية فلسطين وهم في قرارة نفسهم لا يشفقون علينا بل يتهكمون في مجالسهم الخاصة والبينية فيما بينهم .

العرب هم امتداد لنا والشعوب العربية نحن جزء من مساماتها مهما حاول البعض هنا او هناك فلسطينيا وعربيا من بعض النفوس الشاذة ان يفصل بين الخلايا والمسامات تحت مبدأ الخدمة التكتيكية والقضاء على الهدف الاستراتيجي لمعنى الامن القومي العربي ايضا لمبررات ضاغطة ومضغوطة .

في 2 ابريل عام 1948 كانت معركة القسطل بقيادة عبد القادر الحسيني فتواطؤ بعض الانظمة لن يثني هذا القائد من خوض المعركة والامل بالنصر حتى استشهد

في منتصف الخمسينات اسقط شعبنا الوطن البديل  والتوسع في قطاع غزة ورفض شعبنا هذا المنطق في التعامل مع قضيتنا المشروعة .

عام 1978 اسقط شعبنا روابط القرى ومن قبلها ايضا الوطن البديل في الاردن ورفض حل قضيتنا على حساب الامة العربية والحل الاقليمي .

في عام 1965 تفجرت حركة التحرر الوطني الفلسطينية لتحرير كامل التراب الوطني الفلسطيني بالكفاح المسلح رافضة منطق تحرير فلسطين بمواجهة عربية بجيش كلاسيكي وتبين صحة المنظور المقاوم بنكسة 1967 للجيوش العربية واحتلال ما تبقى من فلسطين حيث اصبحت بكامل اراضيها تحت الاحتلال ، استمرت الثورة الفلسطينية في نضالها المسلح حتى وصفت مجلة نيوروك تايمز الاحوال في قطاع غزة وفي مخيم جباليا والشاطئ بان الاسرائيليين يحكمون غزة نهارا ويحكمها الفدائيين ليلا ً ، وفي المنظور الاستراتيجي يعني ان مبدا المقاومة جاهز يؤتي ثماره في التحرير .

الغزو الاسرائيلي عام 1982 لجنوب لبنان والذي نتج عنه خروج قوات منظمة التحرير من لبنان بتوافق سياسي نحو حل سياسي على جزء من الارض الفلسطينية وتوزيع قوات منظمة التحرير في اكثر من اقليم عربي ، كانت تلك الفترة هي عملية ترويض للعقلية الفلسطينية للدخول في مشروع اعلن عنه في 88 تم تجاوز هذا المشروع باوسلو غزة اريحا وحل انتقالي لم تنفذه اسرائيل مع تبادلية اراضي في الضفة وغزة .

بعد واير رفر وعدم اقتناع الرئيس ابو عمار بما هو مطروح عليه بان يحكم فوق الارض وماهو تحت الارض تحت السيادة الاسرائيلية رفض ابو عمار واعلن الكفاح المسلح من جديد من خلال كتائب شهداء الاقصى ، لم يمكث كثيرا ابو عمار في حصاره حتى اتخذ قرارا دوليا بتصفية ابو عمار ووضع خليفة له يؤمن بالفرضيات الاسرائيلية للسلام وهي الضفة وغزة مع تبادلية ارض وبقاء بعض المستوطنات بنسبة 6 % .

مشروع محمود عباس هو مشروعه من 72 والذي يتحدث عن علاقات وتهيئة المجتمع الفلسطيني لقبول اسرائيل في المنطقة وهو لم يخفيه بل ابرزه في عدة خطابات ولقاءات صحفية تؤمن حدود اسرائيل على غالبية الارض الفلسطينية والعمل بخارطة الطريق والتنسيق الامني لاجهاظ الحركة الوطنية الفلسطينية المقاومة وملاحقتها تحت مبدأ حفظ الامن والقانون الاساسي للسلطة الذي يحفظ امن اسرائيل ، مع المطالبة النظرية بدولة فلسطينية على خطوط 1967 وعاصمتها القدس الشرقية .

حدثت عدة متغيرات بوصول الرئيس الامريكي ترامب لراس السلطة في امريكا الذي اعلن ان القدس عاصمىة ابدية لاسرائيل ونقل السفارة واتخذ خطوات فعلية لمحاصرة السلطة ماليا باستثناء الاجهزة الامنية المدربة امريكيا وغربيا بخطة ثابتة وضعها دايتون ،دليل على ان تلك الاجهزة ليست مرتبطة بالتاكيد بالقيادة السياسية التي يمكن ان يتم تغييرها في اي لحظة مع الحفاظ على دورها الوظيفي وفي الغالب تتلقى تعليماتها وتبادل المعلومات من المكتب الامريكي في القدس والشاباك واسي اي ايه .

القيادة السياسية لمنظمة التحرير وللسلطة لم تقوم بتنفيذ التزاماتها نحو قرارات المجلس المركزي بل استخدمت الموافقة على تلك القرارات فقط لاستيعاب واحتواء عاطفة الشعب الفلسطيني وكم من مرة صرح عباس بانه سيقطع اتصالاته وسحب الاعتراف باسرائيل اذا نفذت اسرائيل قرار الضم  اي في منظور البرنامج الفلسطيني انه يمكن التعايش مع الاحتلال والدخول في مفاوضات لا نهاية لها مادامت لم تصدر اسرائيل قرار الضم مع ان الضم واقع على الارض كقوة احتلال في كل مكان في الضفة الغربية .

بالتاكيد ان التطبيع العربي مع اسرائيل لم ياتي من فراغ بل كانت عوامله ومقدماته من التسعينات حين حصار العراق ثم اجتياحه مابعد ال2000 وتدمير الدولة العراقية حافظة الامن القومي العربي والبوابة الشرقية للامن القومي العربي ، دمر العراق من الولايات المتحدة الامريكية وبمشاركة 36 دولة منها دول عربية ، اليست تلك الدول العربية لم تكن تفهم ان تدمير العراق يخل بالامن القومي العربي امام القوة الجامحة لايران للانتشار في المنطقة ، موقف غريب وعجيب اتخذته تلك الانظمة من واقع الموالاة لامريكا وليس من واقع الموالاة لصالح الامة العربية وامنها القومي .

بالتاكيد ان بروز ايران ودخولها المنطقة واحتلالها للجزر الثلاث الاماراتية في حين ان الامة العربية غير قادرة على تحريرها بل لان الامريكان لم يوفو بوعودهم في هذا الصراع ، بل تمددت ايران في العراق وغير العراق ومازالت تتعامل امريكا مع ايران باعتبارها قوة اقليمية ، ترامب كان اكثر وضوحا من الرؤساء السابقين حين قال لكي نحميكم يجب ان تدفعوا ، وهذه المرة اشعل ترامب الحرب الاقليمية بدخول تركيا التي هي عضو وثاني قوة في الناتو المنطقة العربية ودخلت ايران وغزت العقلية من النظام الرسمي العربي بان ايران وتركيا تهدد الامن العربي القومي في غسل ادمغة لهذا النظام العربي بان اسرائيل لم تعد تهدد الامن القومي العربي وتبقى اسرائيل هي القوة الاقليمية الثالثة القادرة على حماية الخليج من الغزو الايراني وتجاوز قضية فلسطين على اعتبار انها قضية امنية اسرائيلية ...بالتاكيد العالم يتغير والمنطقة تتغير بسرعة لاحداث توازن بين المعادلات الثلاث والقوى الاقليمية الثلاث في غياب فضاء عربي يحمي الامن القومي العربي ، هكذا المعادلة تسير وهي الشرق الاوسط الجديد .

فلسطينيا لا فائدة من الاستنكار من تلك المتغيرات فالزمن لايعود للخلف ولا تتوقف عقارب الساعة ولكن الفلسطينيين ان تخلوا عن جمودهم على مؤشر الساعة منذ عقود وبدؤوا يبحثون عن حلول جذرية لتلك الازمة التي قد تعصف بكل الوجود الفلسطيني التاريخي على الارض ، هم يتسطيعون تغيير جميع المعادلات بالفعل على الارض وتغيير كل المعادلات ونقبل بمبدأ التضحية فلا شيء ياتينا على طبق من فضة ففي فشل حل الدولتين نهائيا الذي مازالت تتعلق فيه اللجنة المركزية لحركة فتح حتى يومنا هذا وهو موقف خائب ومخيب على الفلسطينيين ان يبحثوا عن حل اخر في اشتباك مباشر مع الاحتلال ، فعندما رفعنا الكفاح المسلح العرب اتوا الينا داعمين وحينما تخلينا ايضا اتوا داعمين ، فلنذهب بعصيان مدني وثورة شعبية على غرار جنوب افريقيا ودول اخرى نحو الدولة الواحدة ... والله المستعان.