أميركا: عدوان غير مسبوق والأسوأ فوز ترامب

أشرف العجرمي.jpg
حجم الخط

بقلم: أشرف العجرمي

كانت العلاقة الأميركية - الفلسطينية متوترة في معظم مراحل النضال الفلسطيني، خاصة منذ انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة؛ وذلك بسبب الدعم اللامحدود الذي منحته الإدارات الأميركية المتعاقبة لإسرائيل، والتغطية الدائمة على عدوانها، ومنحها مظلة «الفيتو» في مجلس الأمن باستثناءات قليلة. وأيضاً بسبب تصنيف الولايات المتحدة لفصائل الثورة الفلسطينية باعتبارها منظمات إرهابية محظورة لا تؤمن بالسلام ولا تعترف بحق إسرائيل في الوجود، ولا تعترف بقرار مجلس الأمن 242.
التغيير الحقيقي في العلاقة بين منظمة التحرير الفلسطينية وبين أميركا حصل فعلياً بعد الانتفاضة الشعبية الكبرى التي انطلقت في العام 1987، وبعد فك الارتباط الأردني الفلسطيني في العام 1988، وتبني منظمة التحرير لبرنامج السلام الفلسطيني الذي يستند إلى القرارين 242 و338 وقرارات الشرعية الدولية، وهو عملياً برنامج حل الدولتين. وقد بدأ الحوار العلني بين عضو اللجنة التنفيذية ياسر عبد ربه والسفير الأميركي في تونس روبرت بيلليترو. وليس معنى هذا أنه لم تكن هناك حوارات سرية أو غير مباشرة قبل ذلك. ومنذ ذلك الوقت تطورت العلاقة بين الجانبين، وبلغت ذروتها بعد التوقيع على اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير وإسرائيل، عندما اعترفت الولايات المتحدة بمنظمة التحرير وفتحت لها مكتباً تمثيلياً في واشنطن في العام 1994. ومنذ ذلك الحين والعلاقة بين المنظمة وأميركا تشهد مداً وجزراً وشابها الكثير من التوتر بعد فشل قمة كامب ديفيد واندلاع الانتفاضة الثانية وبدء موجة العمليات الفلسطينية في إسرائيل. ومع ذلك بقيت واشنطن على علاقة بالسلطة الفلسطينية وقدمت لها الدعم، كما قدمت الدعم لوكالة الغوث الدولية «أونروا»، وبقي مكتب المنظمة قائماً في واشنطن حتى جاء الرئيس دونالد ترامب وبدأت حقبة جديدة من العلاقات الأميركية - الفلسطينية.
في كل المراحل السابقة كانت الولايات المتحدة تحاول التوسط بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وكانت تتبنى حل الدولتين على أساس حدود 1967، رغم أنها كانت على تحالف مع إسرائيل وأقرب إليها. ولكن في ولاية الرئيس ترامب حصل انقلاب جذري في الموقف الأميركي؛ فقد تنصلت إدارته من كل مواقف أميركا التقليدية والتي عملياً تشكل جزءاً من المرجعيات الدولية للعملية السياسية، مثل: «خارطة الطريق»، والقرار 1515 الذي يشمل المبادرة العربية للسلام، وقرارَي مجلس الأمن 242 و338. ودخلت في عداء واضح وسافر مع الشعب الفلسطيني وقيادته بالإعلان عن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إليها، ثم الإعلان عن خطة ترامب ووقف تمويل وكالة الغوث.
وأخطر ما في الخطة الأميركية ليس فقط أنها تتنكر لكل المرجعيات الدولية التي قامت عليها العملية السياسية والمفاوضات الخاصة بحل الصراع، بل أيضاً في تبنيها الكامل للرواية الصهيونية وانحيازها للمشروع اليميني الإسرائيلي القائم على هزيمة الرواية الفلسطينية وشطب الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني. وبعد رفض الفلسطينيين لهذه الخطة بدأ مسلسل العقوبات بوقف الدعم للسلطة وإغلاق مكتب المنظمة في واشنطن، والسعي للالتفاف على الطرف الفلسطيني بتنفيذ الشق العربي من خطة ترامب، وهو التطبيع مع العالم العربي دون التفات لأي مقابل أو ثمن يتوجب على إسرائيل دفعه، بما في ذلك التخلي الكامل عن المبادرة العربية للسلام.
لقد نجحت الإدارة الأميركية في محاصرة القيادة الفلسطينية وتضييق الخناق عليها بأيد عربية، حيث توقف الدعم العربي للسلطة بناءً على أوامر واشنطن، وصار الشرط لعودة الدعم والتمويل هو العودة للمفاوضات على أساس مشروع ترامب. ويعلن الرئيس الأميركي صراحة أن الحصار المالي سيجلب الفلسطينيين للطاولة. وإذا ما فاز ترامب بولاية جديدة في الانتخابات القادمة في شهر تشرين الثاني القادم، سيكون الفلسطينيون على أجندته، وستكون هذه الفترة أسوأ بما لا يقاس مع سابقتها التي على وشك الانتهاء. وقد يلجأ ليس فقط لتعزيز حصار وخنق السلطة، بل قد يحاول التخلص من الرئيس محمود عباس على أمل استبداله بقيادة جديدة تتماشى مع خطته.
هناك فرصة وحيدة في تغيير مخطط ترامب وهي سقوطه في الانتخابات ونجاح منافسه الديمقراطي جو بايدن. ففي هذه الحالة قد لا يحدث تغيير جدي في الواقع على الأرض بمعنى حدوث اختراق في التسوية السياسية، أو وقف المشروع الاستيطاني الإسرائيلي، فالشروط لذلك غير قائمة في ظل حكم اليمين الإسرائيلي بقيادة بنيامين نتنياهو، ولكن في الحد الأدنى ستزاح خطة ترامب عن الطاولة، بما في ذلك مشروع الضم الإسرائيلي أحادي الجانب، وسيعود الدعم الأميركي للسلطة الفلسطينية ولوكالة الغوث، وسيفتتح مكتب منظمة التحرير، وسيعود الاعتبار لحل الدولتين على حدود العام 1967. وهذا يكفي مبدئياً لوقف العدوان الأميركي غير المسبوق على الشعب الفلسطيني وقضيته. وفي حال حصول هذا التطور كذلك ستحرج الأنظمة العربية التي هرولت نحو التطبيع من دون ثمن حرصاً منها على تلبية رغبة ترامب في الوصول للفوز بولاية ثانية، على الرغم من أن تطبيع العلاقات مع إسرائيل سيبقى قائماً ويتوسع. فكيف هو الحال عندئذ لو نجحنا في تنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية، ووحدنا شقَّي الوطن ومؤسساتنا التشريعية والتنفيذية وقياداتنا المختلفة، وظهرنا موحدين في وجه المشروع الإسرائيلي؟