بقلم: أحمد حمودة باحث في علوم الإعلام والاتّصال

المواطن والسياسي في فضاء فيسبوك: بين العزلة والانفتاح والدعاية

د أحمد حمودة
حجم الخط

وكالة خبر

تشير الكثير من الأدبيات النظرية بأن فيسبوك ليس وسيلة، بل وأصبحت هناك حياة افتراضية أكثرً واقعية من الأحداث الواقعة أصلًا، فعلى سبيل المثال: عند حدوث حالة وفاة، فإن أول ما يقوم به أقرباؤه بعد دقائق إعلام الأصدقاء عبر فيسبوك أن لديهم شخص متوفى في عائلتهم.

ولا ينفصل المشهد السياسي عن مشاغل الناس اليومية إذ أصبحت الأحزاب أكثر استخدامًا للفيسبوك معتبرةً إياه إحدى الحلول أمام ضعفها وكثرة مشاكلها وحاجتها للتعبئة السياسية الحقيقية وعلى مستوى التواصل مع المواطنين، ولهذا حوّل السياسيون منصة فيسبوك الى وسيلة إعلانية، وهناك اعتقاد لدى بعضهم أن هذا العجز قد يمكن تجاوزه من خلال الإعلان السياسي.

من هنا بتنا نرى في كثير من الأحيان قيام الكثير منهم بحملات إعلانية عبر فيسبوك للترويج الى صورتهم (هوس السياسيين بالصورة) بمعنى أنهم لا ينظرون إلى شرعيتهم من مصدر التمثيلية.

ولهذا تصبح مواقفهم ضعيفة أمام تيارات الرأي العام وبالتالي تنتبه إليها، وفي بعض المواقف أصبحنا نشاهد بعض القرارات السياسية تؤخذ بسبب ما يعتقد أنه تيارات الرأي العام في فيسبوك، وهذه مقاربة تقودنا إلى وصفها "ديمقراطية الرأي"، بمعنى أن السياسيون يديرون الشأن العام من منطلق الصورة ومن منطلق استطلاعات الرأي العام وليس من منطلق السياسة والبرامج التي وضعوها.

بكل بساطة أتاح سياق "الملل من السياسة" مكانة فيسبوك، إذ توّلد لدى المواطنين اليوم خيبة الأمل من الديمقراطية ومن الطبقة السياسية، وباتوا يعبّرون عن هذا الملل بأنواع مخصوصة جدا من الانخراط، وأضحى فيسبوك ذلك المجال الذي يعبرون به عن استهزائهم من النخب السياسية وعن تعليقاتهم المريرة من الحياة السياسية.

وفي السياق نفسه تهتم برامج وسائل الإعلام التقليدية بمشاركة النخبة السياسية، زد على ذلك اهتمامها في الحياة الحزبية وكأن الحياة الحزبية هي الحياة السياسية. والنتيجة،، تكريس مشهد سياسي تغلب عليه الفرجوية والصراعات الحزبية الضيقة، كما بتنا نرى مستوى أخلاقيات غير جيد، وهو ما دفع المواطنون للتوجه إلى فيسبوك للتعبير عن هذا الاستياء وعن هذا الملل من السياسية.

وفي النهاية، ساهم فيسبوك في انغلاق الفلسطينيين داخل فضاءات فئوية وبات الفلسطيني لا يريد الاستماع إلا إلى الآراء التي تتجاوب معه وتتماشى مع أفكاره، وذلك نتيجة ضعف الثقافة الديمقراطية من ناحية، ولعدم الانسجام السياسي بالآخرين من ناحية أخرى، فعندما يستمع المواطن رأي مختلف من أصدقاءه انتشرت ثقافة "بلوك".

والخلاصة، إذا ما أردنا أن نؤسس فعلًا إلى ميديا اجتماعية لا يكون لها تأثير سلبي على الحياة السياسية، وجب تعزيز العدالة الانتقالية؛ والانتقال الديمقراطي، والإيمان بالتفاعل الحقيقي مع المواطنين ودمجهم وإشراكهم في الحياة السياسية والشأن العام.