إعادة هندسة النظام السياسي الفلسطيني

هاني حبيب.jpg
حجم الخط

بقلم: هاني حبيب

فور عودته من نيويورك إثر كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، العام الماضي، دعا الرئيس محمود عباس إلى إجراء انتخابات عامة في الضفة الغربية بما فيها القدس المحتلة، وقطاع غزة، وسارعت حركة حماس إلى الترحيب بهذه الدعوة، إلا أنّ هذه الانتخابات لم تعقد. ومن خلال كلمة الرئيس في الجمعية العامة، عبر الفيديو كونفرنس، هذا العام، تتكرّر الدعوة من جديد لإجراء انتخابات عامة. خلال الفارق الزمني بين الكلمتين والدعوتين حدثت مستجدات بالغة الخطورة على الوضع الفلسطيني، إن لجهة بدء تنفيذ «صفقة القرن» بما فيها خطة الضم، الأمر الذي أدى إلى إعلان القيادة الفلسطينية عن التحلل من اتفاقيات أوسلو، أم لجهة موجة التطبيع بين بعض الأنظمة العربية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، الأمر الذي مهّد الطريق وفرض على القيادات الفلسطينية اتخاذ خطوات أكثر جدية، وتوفير إرادة حقيقية تتجاوز كل العقبات السابقة من أجل إنهاء الانقسام الداخلي، وهذا ما عبّر عنه مؤتمر الأمناء العامين الذي عقد بين بيروت ورام الله قبل حوالى شهر، الأمر الذي يُمكّن من اتخاذ خطوات جدية لإعادة هندسة النظام السياسي الفلسطيني المؤهّل لمواجهة كافة المخاطر والتداعيات والتحديات التي تفرضها عملية مقاومة «صفقة القرن»، بالتوازي مع مؤامرة الاحتواء التي عبرت عنها عملية التطبيع العربي مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.
من المفترض أن يصبح المشهد الفلسطيني أكثر وضوحاً خلال الأسبوع القادم، وذلك انتظاراً لما ستتمخض عنه اجتماعات حركة حماس القيادية بشأن التفاهمات مع حركة فتح، حسب ما أعلن عنها رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية، وكذلك بانتظار ما يمكن أن تتمخض عنها اجتماعات الأمناء العامين للفصائل والمقررة في الثالث من الشهر القادم، واحتمالات كبيرة بتحديد موعد دقيق لإجراء الانتخابات التشريعية خلال ستة أشهر، وربما مواعيد لاحقة لانتخابات رئاسية وانتخابات مجلس وطني فلسطيني. خلال هذه الفترة يمكن التوصل إلى توافقات قد لا تخلو من مشكلات، خاصة أنها تتوازى مع الانتخابات الرئاسية الأميركية، وتأثيرات نتائجها المباشرة على العديد من الملفات الفلسطينية على ضوء «صفقة القرن» وخطة الضم، مع التأكيد على أن الانتخابات التشريعية استحقاق وطني ديمقراطي فلسطيني لا يجب أن يخضع لأي عناصر خارجية، وبالتالي ينبغي عدم ربطها بالانتخابات الأميركية.
ولعل أحد أهم مخرجات مؤتمر الأمناء العامين السابق ما صدر عنه من بيان ختامي تضمن توافقاً سياسياً غير مسبوق بين حركتي فتح وحماس، ما يمهّد الطريق عملياً لصياغة موقف سياسي موحّد من شأنه أن يزيل إحدى أهم العقبات التي وقفت في طريق توصلهما إلى مصالحة حقيقية فيما بينهما، ومع أنّ البيان الختامي المذكور قد واجه بعض التحفظات هنا وهناك باعتباره تعبيراً عن حالة استقطاب ثنائية بين الفصيلين الكبيرين، وهي حالة مرفوضة من الكل الوطني الفلسطيني؛ لتعارضها مع مبدأ الشراكة في اتخاذ القرارات المصيرية المتصلة بالقضية الفلسطينية. ونرجّح، في هذا السياق، أن تبقى هذه الثنائية ترسم الخطوط العريضة لتطورات الوضع الفلسطيني، متخذةً من اجتماع الأمناء العامين تغطية شكلية لهذه الثنائية القطبية، مع احتمالات أن تترجم هذه الثنائية نفسها من خلال تشكيل قائمة موحّدة بين الحركتين لخوض الانتخابات التشريعية القادمة، بتوافق سياسي مع مخرجات مؤتمر الأمناء العامين السابق، وإعادة صياغته بما يكفل موقفاً متقارباً من الناحية السياسية، يترجم من خلال هذه القائمة التي تجمع بين الفصيلين، ويبقى هذا الاحتمال وارداً على ضوء أحاديث وتصريحات سابقة من قبل متحدثين من قيادات الطرفين.
بعد ثلاثة عشر عاماً من الانقسام، هل بتنا أمام وضع حد نهائي له في ظل التوافقات الجديدة والأكثر جدية، أم أنّ احتمالات الغرق في التفاصيل من شأنه أن يعرقل بعض الخطوات بهذا الاتجاه؛ حيث يبقى هذا السؤال مشروعاً في ظل التجارب السابقة، مع أنّ هناك العديد من المؤشرات التي تشير إلى الاستفادة من التجربة السابقة، حيث يمكن تخطي العقبات التي انتصبت أمام المصالحة، والتي كان من شأنها إعاقة التوصل إلى نهاية للانقسام.