الانتفاضة الثانية: إسرائيل تستكمل «انتصارها» بعد 20 عاماً

حجم الخط

بقلم: عميرة هاس


نشبت الانتفاضة الثانية لأن إسرائيل استغلت المفاوضات مع الفلسطينيين من أجل الدفع قدماً بمشروع النهب الاستيطاني.
كان النفاق صارخاً: من جهة كلام عن السلام، ومن جهة ثانية مواصلة السيطرة على الحيّز الفلسطيني من أجل رفاهية اليهود وراحتهم. كان النفاق صارخاً، والإسرائيليون لم يسمعوه.
تراكم الغضب والاشمئزاز من الاحتيال الإسرائيلي على مر سنوات من خيبة الأمل والصحوة من اتفاق أوسلو، وانفجر في 29 أيلول 2000 (بعد مرور يوم على استفزاز أرئيل شارون [زيارته إلى الحرم القدسي] بموافقة رئيس الحكومة آنذاك، إيهود باراك).
لكن الانتفاضة الثانية لم تكن انتفاضة بالمعنى المعروف للكلمة: باستثناء الأيام الأولى لها لم تكن شعبية - مدنية، وأغلب الجمهور لم يشارك فيها، بخلاف الانتفاضة التي اندلعت في العام 1987.
الأساس الشعبي - الجماعي الذي حافظت عليه كان الصمود الذي أظهره الجمهور الفلسطيني في مواجهة خطوات القمع والإحباط والعقاب والاستنزاف الاقتصادي.
قمع الجيش الإسرائيلي وحرس الحدود والشرطة التظاهرات بوسائل فتاكة منذ يومها الأول، ونجحوا في ردع متظاهرين محتملين. تخوّف ياسر عرفات ورجاله من تصاعد الانتقادات ضد السلطة الفلسطينية وحركة "فتح"، فأعطوا الضوء الأخضر لعناصر "فتح" والأجهزة الأمنية لاستخدام السلاح في نقاط الاحتكاك بالجيش الإسرائيلي، وهكذا اعتمروا قبعة المقاومة وسيطروا على التظاهرات.
هم أيضاً افترضوا أن العسكرة ستقوي الموقف الفلسطيني في المفاوضات، وآمنوا بأن في استطاعتهم لجم الاستيطان الإسرائيلي في مناطق 1967.
الجهاز المزيّت جيداً من الناطقين بلسان الجيش والحكومة نجح في جبهة الدعاية، وبنى كذبه على أن معارك تدور في "المناطق" بين جيشين متعادلين، وأن الفلسطينيين هم الذين "بدؤوا" بالأعمال العدائية. في ذلك الوقت مثل اليوم لم تحصِ الأغلبية الإسرائيلية عدد القتلى الفلسطينيين، ولم ترَ في الاستيلاء على أراضيهم عدواناً مؤسساتياً.
في الموازاة عدد الفلسطينيين غير المسلحين الذين قتلتهم إسرائيل أخذ في الازدياد، ومع كل تشييع ازدادت المطالبة الفلسطينية بالانتقام. مع ضوء أخضر مدعوم، أو من دونه، أطلق مسلحون فلسطينيون النار على مدنيين إسرائيليين (مسلحون أيضاً مثل معظم المستوطنين) في الضفة الغربية وفي القطاع.
انضمت "حماس" في وقت متأخر إلى حد ما، وأظهرت أنه إذا كان النجاح يقاس بعدد جثث الإسرائيليين، فإنها فعالة أكثر من "فتح".
الأذرع المسلحة التابعة لـ"فتح" و"حماس" تبارت فيما بينها وخسرت في منافستها مع الجيش الإسرائيلي على عدد القتلى. الهجمات الانتحارية خلقت ميزان رعب مع الإسرائيليين، لكنها لم تصد جرافات الإدارة المدنية.
ما جرى هو أربعة إخفاقات. الانتفاضة الأولى، مع المطالبة المليئة بالأمل بدولة ضمن حدود 4 حزيران 1967، فشلت. محادثات مدريد وأوسلو التي بدأت في أعقابها لم توقف النهم الإسرائيلي للأرض الفلسطينية.
فشل تكتيك الدبلوماسية وقبول محمود عباس في الأمم المتحدة. وعلى الرغم من نجاحات صغيرة متفرقة، فشلت أيضاً النضالات الشعبية والقانونية ضد السيطرة على الأراضي.
استخدام السلاح الذي يُعتبر قمة النضال والمقاومة في نظر الكثير من الفلسطينيين، على الرغم من أن قلائل طالبوا به، لم يوقف هو أيضاً العملية. هو يعبّر عن نوستالجيا وغضب ورغبة في الانتقام. لكن ليس له قيمة إستراتيجية.
بعد مرور 20 عاماً، الانتصار الإسرائيلي يكاد يستكمل: النهب المسلح والمنظم لأراضي الفلسطينيين يجري يومياً من دون إزعاج؛ النموذج الذي أوجدته إسرائيل في غزة يجري نقله إلى الضفة (بما فيها القدس الشرقية) وما لم تظهر فيها مؤشرات غضب وتمرد، فهي لا تهم اليهود في إسرائيل ولا حاكمها الأعلى.

عن "هآرتس"