السلام الفلسطيني العادل في مواجهة سلام ناتانياهو

حجم الخط

بقلم محمد إبراهيم الدويري

 

 عبر رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين ناتانياهو عن حقيقة الرؤية الإسرائيلية للسلام خلال خطابه الذي ألقاه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 سبتمبر الماضي، حيث أكدت هذه الرؤية على النقاط الست التالية: 

النقطة الأولى، أن دائرة السلام آخذه في الاتساع، ولا تمس بفرص تحقيق السلام بين إسرائيل والفلسطينيين فقط بل على العكس فهى تعزز من تلك الفرص. 

النقطة الثانية، أن إسرائيل ستكون على استعداد للتفاوض على أساس خطة ترامب للسلام من أجل وضع حد للصراع الدائم بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

النقطة الثالثة، أن الخطة الأمريكية للسلام اتخذت طريقاً آخر نحو تحقيق السلام على أرض الواقع، حيث اعترف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، واعترف بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان. كما قدم خطة سلام عملية تلبى كافة احتياجات إسرائيل الأمنية.

النقطة الرابعة، أن الخطوات التى اتخذها الرئيس ترامب دفعت السلام للأمام، حيث قررت دولتان عربيتان إقامة السلام مع إسرائيل، وسوف تتبعهما دول أخرى في الفترة القادمة. 

النقطة الخامسة، أن الفلسطينيين سوف يعترفون بأنهم لم يعودوا يمتلكون حق الفيتو على السلام والتقدم في المنطقة، وسيقررون في نهاية المطاف صنع السلام مع الدولة اليهودية. 

النقطة السادسة، أنه تم التصدى للمطالب الفلسطينية غير الواقعية مثل المطالبة بإنسحاب إسرائيل إلى خطوط 1967 أو عودة اللاجئين، ولن تستطيع أية حكومة إسرائيلية قبول هذه المطالب. 

ولا شك أن هذه الرؤية التي أعلنها ناتانياهو أمام المجتمع الدولي تعكس بوضوح المفهوم الإسرائيلى للسلام الذي من المؤكد أنه يبتعد تماماً عن المفهوم العربي والفلسطيني للسلام، خاصة فيما يتعلق بقضايا القدس والإنسحاب وحق العودة، وبما يعنى أن الفجوة أصبحت أكثر اتساعاً بين الجانبين الإسرائيلى الفلسطيني، وأن السلام لم يعد قريباً بل أصبح يبتعد أكثر وأكثر. وأصبحت عملية التقريب بين هذه المواقف شديدة التباعد أمراً شبه مستحيل في ظل ثبات المواقف والسياسات الحالية على المستويات العربية والإسرائيلية والأمريكية. 

من الواضح أن الفترة الأخيرة رتبت مزيداً من المكاسب لصالح إسرائيل من أهمها المكسبين الرئيسيين التاليين: 

المكسب الأول، طرح الرئيس الأمريكى خطة سلام تلبى بشكل كامل المطالب الإسرائيلية وتتنقص من أهم المطالب والحقوق الفلسطينية، فهى تتحدث عن إقامة شبه دولة فلسطينية منقوصة السيادة ومؤجلة ومشروطة، بينما تسمح لإسرائيل بضم أكثر من ثلث أراضى الضفة الغربية. 

المكسب الثاني، توقيع كل من الإمارات والبحرين إتفاق سلام مع إسرائيل دون أن تقدم الأخيرة أية تنازلات لصالح القضية الفلسطينية أو أن تغير من رؤيتها المتشددة والمرفوضة لتحقيق السلام. بل سارع المسئولون الإسرائيليون -ومعهم السفير الأمريكي في إسرائيل- إلى التأكيد على أن ضم منطقة غور الأردن قد تأجل فقط ولن يتم إلغاؤه مهما كان المقابل. وفى رأيى أن أى إنجاز حقيقى يتعلق بوقف الضم الإسرائيلى لجزء كبير من الضفة الغربية يجب أن يبدأ أولاً من إسقاط هذا المبدأ من الخطة الأمريكية للسلام.

وإذا كانت مبادرة السلام المطروحة في قمة بيروت 2002 لازالت تمثل الرؤية العربية للسلام الشامل مع إسرائيل، فمن المؤكد أن الجانب العربى لم يستطع أن يخرج عن الدائرة المغلقة التى تؤكد على استمرار تبني المبادرة ذات العقدين من الزمان دون أن ينجح في تحويلها إلى آلية قابلة للتنفيذ حتى أصبحت المبادرة في النهاية مجرد أحد المرجعيات المتعددة شأنها شأن أية مرجعية سابقة دخلت في سجل التاريخ الطويل للقضية. ولم يعد العرب يمتلكون عناصر القوة اللازمة لفرضها أو حتى تسويقها، وستظل بمثابة مبادرة شرفية مجمدة لحين إشعار آخر غير منظور. 

وفى الجانب المقابل نجد أن إسرائيل استطاعت أن تفرغ مبادرة السلام العربية من مضمونها، حيث تحقق لها ذلك ليس فقط من خلال رفض المبادرة أو دفع الولايات المتحدة لرفضها أيضاً، ولكن من خلال النجاح في قلب مفهوم المبادرة رأساً على عقب وإعادة ترتيب أولوياتها طبقاً لرؤيتها، حيث تم البدء فعلياً في تنفيذ مرحلة التطبيع الإسرائيلى قبل مرحلة إقرار السلام، وهو ما يتعارض تماماً مع جوهر المبادرة التى تحدثت بواقعية عن سلام وانسحاب شامل مقابل تطبيع شامل، وهو ما لم يحدث. وللأسف أرى أنه لن يحدث في ظل الوضع الراهن. 

ومع أهمية تأكيدنا على الأمل في أن يؤدى التطبيع الإسرائيلى الأخير مع بعض الدول العربية إلى إقرار السلام الشامل والاستقرار في المنطقة، إلا أن الواقع يشير إلى أن هذه التطورات الأخيرة لن تساهم في تحقيق السلام المنشود، خاصة في ظل تصاعد قوة اليمين الإسرائيلى المتطرف صاحب إنجازات التطبيع، وعدم وجود أية دلائل على إمكانية أن تتجه الحكومة الإسرائيلية الحالية ولو قليلاً إلى طريق السلام العادل.

وبالتالي، من الضروري أن نقرأ الموقف الراهن بواقعية تامة ودون مبالغات أو عواطف حتى نحدد خطواتنا القادمة على أسس واضحة. وسوف تتحرك إسرائيل بقوة خلال المرحلة القادمة من أجل أن تتسع دائرة السلام الإسرائيلى العربى والإسلامى دون أن تقدم أية تنازلات لصالح القضية الفلسطينية. بل على العكس سوف يتواصل التشدد الإسرائيلى مادام التطبيع أصبح أمراً سهلاً بالنسبة لها ولا يرتب عليها أية التزامات. 

ومع قناعتي الكاملة بحق كل دولة عربية في أن تحقق مصالحها طبقاً لحساباتها الخاصة مع أهمية أن يتوقف انتقاد سياسات الدول التى تطبع علاقاتها مع إسرائيل، والتى سيزداد عددها تباعاً لاسيما في ظل موقف عربي يتعرض كل يوم إلى مزيد من الضعف والانقسام، فلا شك أن المسئولية المصرية في المقام الأول، ثم المسئولية العربية عن القضية الفلسطينية، لابد أن تظل حاضرة بقدر المستطاع. ولا يجب أن تنتهي هذه المسئولية مهما كانت طبيعة الوضع العربي، فليس من الإنصاف أن تجنى إسرائيل ثمار تشددها في الوقت الذي يعاني فيه الفلسطينيون بسبب عدالة قضيتهم. 

وإذا كنت اعتبر نفسي من أشد المطالبين بضرورة استئناف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية في أقرب فرصة طبقاً لمرجعيات متفق عليها، إلا أن الواقع يشير إلى أن هذا الأمر أصبح بعيداً عن إمكانية التحقيق في ظل التعقيدات الحالية ووجود صعوبات حتى أمام مجرد عقد اجتماع عربى للتوافق على موقف موحد. ومن ثم، فإن هناك تحركات عاجلة تقع مسئوليتها بالأساس على الجانب الفلسطيني الذي يجب عليه أن يتحرك في المدى القصير لإنجاز نتائج مؤكد أنه قادر على تحقيقها في الإطار الفلسطيني/ الفلسطيني وذلك كما يلي: 

– تفعيل التحركات الأخيرة لإنهاء الانقسامات التي شهدتها اجتماعات الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية، وكذا اللقاءات الثنائية والتفاهمات التى تمت بين حركتى فتح وحماس وضرورة تحويلها إلى مصالحة حقيقية تنهى الإنقسام ويجنى المواطن الفلسطينى نتائجها الإيجابية على الأرض. ومن المؤكد أن القيادات الفلسطينية المسئولة تعلم أن الفرصة المتاحة حالياً لإنجاز المصالحة لن تتكرر مرة أخرى.

– التوافق على رؤية سياسية موحدة تتبناها كل من الرئاسة الفلسطينية وكافة الفصائل، ويتم تسويقها فلسطينياً على المستويين الإقليمى والدولى قدر المستطاع، تركز على حل الدولتين بالمفهوم الذي توافق عليه المجتمع الدولى وهو إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على حدود 1967 عاصمتها القدس الشرقية تعيش جنباً إلى جنب في أمن وسلام واستقرار بجانب دولة إسرائيل. 

– إبداء استعداد الفلسطينيين الكامل للانخراط فوراً في مفاوضات سلام تستند على هذه الرؤية السابقة، أما دون ذلك فلن تكون هناك أية فرصة لقبول أية تسوية أو خطة أو صفقة مطروحة من أى طرف تتعارض مبادئها وبنودها مع هذه الرؤية.

– التأكيد على الموقف الفلسطينى الرافض للعنف والمعارض للإرهاب بكل أشكاله حتى يظل المجتمع الدولي -رغم محدودية تأثيره- متعاطفاً مع القضية الفلسطينية، مع مراعاة أن تظل المقاومة الشعبية السلمية هى العنوان الرئيسى الذي يعكس ويؤكد سلامة وقوة الموقف الفلسطيني.

وفى النهاية فإن طبيعة الموقف الحالى بصفة عامة تقترب من القضاء التام على مبدأ حل الدولتين طبقاً للمفهوم العربى والفلسطينى والدولي وليس طبقاً للمفهوم الإسرائيلي والأمريكي، مع تأكيدي على أهمية تجنب الحديث عن الفكرة المشوهة والخبيثة والمرفوضة الخاصة بالدولة الواحدة والتى أرى أنها تعنى بإختصار إنهاء أو شطب كلمة الدولة الفلسطينية المستقلة من القاموس السياسى للأبد. 

وبالتالي، فإن قراءة الواقع تفرض على السلطة الفلسطينية أن تمتلك زمام المبادرة التى بدأتها بشأن إعادة ترتيب البيت الفلسطيني بالشكل الذي يرتضيه ويتقبله الجميع، بحيث يكون هذا هو التحرك الذي يجب أن يحظى بالأولوية والذي نتوقع أن نرى نتائجه قريباً. أما دون ذلك فلا نملك إلا الترقب لأية تطورات قد تحدث وتغير من المشهد الحالي. وفى رأيى يجب ألا نراهن كثيراً على خيار التغيير، بل نركز على كيفية تحصين مواقفنا في مواجهة مزيد من التطورات والتحديات القادمة.