كوابيس الطعن تطارد الإسرائيليين حتى في نومهم!

20151210205236
حجم الخط


بقلم: جلعاد تسفيك ونوعم بركات

هذا هو مرض «الإرهاب» المزمن. تقارير أولية على الانترنت، نشرات إخبارية خاصة في التلفاز، تصريحات ومؤتمرات صحافية، وهكذا دواليك. بالنسبة لنا جميعا نحن مواطني اسرائيل، فان موجة «الارهاب» هذه مثل فيلم سيئ يحدث أمامنا بثلاثة أبعاد. نعرف الابطال بسهولة، القتلى، المصابين الذين اشتبكوا، والشرطة التي قتلت «المخرب». 
لكن توجد في هذا الفيلم شخصيات اخرى لها أدوار رئيسة وثانوية. بعضهم لا نريد سماعهم أو رؤيتهم، أما الآخرون فهم غير مهمين ببساطة. وقد التقينا مع بعضهم في نهاية الاسبوع العنيفة: الممرض الذي أصبح الامر بالنسبة له شيئا روتينيا، شاهد العيان الذي لا يقدر على النوم منذ ذلك الحين، «المخربان» اللذان يحاولان رواية قصة اخرى، الصديقان في سدوم اللذان أنقذا عربيين بريئين من القتل، والشخص الذي يسكن على الخط الاخضر ويعيش في حالة خوف يوميا.

الأول في كل حادث
يذهب إلى النوم وملابسه جاهزة بقرب السرير، لا يترك هاتفه للحظة، الدراجة جاهزة دائما مع أدوات الطوارئ. هذا الشخص هو اهارون أدلر، الممرض في «نجمة داود الحمراء». وهو يصل تقريبا الى كل حادثة طعن في القدس وينقذ المصابين. يبلغ أدلر من العمر 29 عاما، متطوع في «نجمة داود الحمراء» منذ سن الـ15 سنة. وقد كان قبل عام أول من وصل الى حادثة طعن يهودا غليك وأنقذ حياته. 
أول من أمس صباحا تم استدعاؤه الى حادثة طعن شابين عادا من «حائط المبكى». وبعد الظهر استدعي لمعالجة المصابين في باب العمود.
«قمت بتغيير حياتي منذ العملية التي قتلت فيها الطفلة «حايه مائير زيسو»، قال، وأضاف: «صحيح أن هناك استعدادية في نجمة داود، ولكن منذ تلك العملية أذهب الى النوم وبجانبي الملابس كي استطيع القيام والانطلاق بسرعة عند حدوث شيء. أعرف أين الهاتف وجهاز الميرس والبيبر، والادوات الطبية موجودة في الدراجة، وأقوم بفحصها بشكل دائم للتأكد من أن كل شيء في مكانه. أتجول دائما مع بطارية اضافية خوفا من الوصول الى مكان العملية دون قدرة على الاتصال».
حادثتان نقشتا في وعيه مؤخرا: ذلك الشاب الذي طعنه «مخرب»، الخميس الماضي، وأصيب اصابة بالغة وكانت حياته في خطر. «هذا من الاحداث التي استخدمتُ فيها جميع معارفي وخبرتي لاتخاذ القرارات في الوقت الحاسم، حيث إن كل قرار قد يكون مصيريا، الحياة أو الموت. كان الشاب في حالة صعبة جدا ومعقدة. وهذا شعور جيد بأنني استطعت انقاذ حياة شاب ساذج تجول في المكان».
وصل اهارون، أول من أمس، الى بيته بعد دوامه الليلي. وألقى التحية على زوجته وابنته التي تبلغ العامين. نام نصف ساعة. بعدها رن جهاز البيبر وانطلق الى ساحة العملية، كان في المكان مصابان باصابات طفيفة، وعندما أنهى علاجهما عاد الى البيت. «تناولت وجبة السبت وكنت متأكدا أن الوضع سيكون هادئا. لكن جاء النداء من جهاز الميرس فجأة، على بعد مئة متر من العملية الأولى. إلا أن المصابين في هذه المرة كانت إصاباتهم شديدة. المصاب الذي عالجته أصيب إصابة معقدة في الجزء العلوي من جسمه، وكان وضعه غير مستقر، ويتدهور بين لحظة وأخرى. ومثل عملية يوم الخميس – قرارات سريعة وانطلاق الى المستشفى.
احتفلت ابنته في هذه الايام بعيد ميلادها الثاني، «إنها تفهم ما يحدث، وتقول بابا ذهب الى سيارة الاسعاف. وعندما أعود الى البيت تركض باتجاهي بهستيريا. العائلة كلها اصبحت جزءاً من هذا. زوجتي مثل الأم والأب في البيت، وأنا أصل الى البيت، أختفي وأعود، لكن توجد هنا رسالة ويوجد هدف. هذا صعب من الناحية العاطفية، لا أخاف كثيرا على حياتي لكن التفكير بأنني سأترك ورائي عائلة موجود طول الوقت، وايضا المشاعر تجاه من أصيبوا تكون دائما هي المسيطرة وتستنزف النفس». 

علامات ستبقى في النفس
الياهو شاب مقدسي، كان في احدى العمليات، الاسبوع الماضي، لم تشمله احصائيات العمليات لأنه لم يصب جسديا، لكن العلامات بقيت في نفسه. وهو يقول إنه من الصعب أن يسامح. «قاموا بطعن شخص أمامي»، «كيف يمكن للإنسان أن ينام في الليل، حيث ترى السهولة التي قد تنتهي فيها الحياة، أرتجف من شدة الخوف، وعندما أخرج من البيت يبدأ نبضي في التسارع. في الليل أرى المخرب يركض وهو يحمل السكين، وعندها يصاب برصاصة ويسقط. هذا يشوه النفس، يجب ألا يعيش الناس هكذا».
هناك الكثيرون مثل الياهو، في الدائرة الثانية والثالثة للعمليات، مصابون باصابات «طفيفة» أو «متوسطة»، وسيحتاجون الى اشهر للتعافي، وستلاحقهم الكوابيس لسنوات. وهناك أبناء عائلاتهم الذين سيرافقونهم بقلق وخوف بشكل دائم، وهناك شهود العيان الذين يرون أن الحياة رخيصة. «هذا هو الواقع في دولتنا. وبالذات في مدينتنا»، قال الياهو. «ليس غريبا أن الإسرائيليين يفقدون اعصابهم، ومن لا يرى ذلك مباشرة يراه في الواتس أب أو التلفاز وفي الانترنت. نحن مطاردون الى الأبد، ويبدو أن هذا هو هدف الارهاب. أليس كذلك؟».

في رأس المخرب
«المخرب» طارق عبد الفتاح يحيى (20 سنة) من قرية عرقة بالقرب من جنين، طعن، الخميس الماضي، جنديا في شارع ارلوزوروف في العفولة. سيطر المارة عليه وساعدوا الجندي. وتم اعتقاله بتهمة محاولة قتل الجندي وحيازة سكين والمكوث غير القانوني في اسرائيل. في الفيلم الموثق عن الحادث يظهر اربعة اسرائيليين يمسكون به، في حين يحاول الباقون الاعتداء عليه. «أنا عامل بناء، وهذه هي المرة الاولى التي أدخل فيها اسرائيل»، قال لمحاميه من النيابة العامة. «بحثتُ عن عمل لخمسة ايام ولم أنجح. اشتريت سكينا من العفولة. لكني لا أستطيع تفسير سبب طعن الجندي. لم أرد قتله.
وعن الضرب الذي تعرض له قال: «من شدة الضرب كنت على يقين أنهم سيقتلونني في الشارع. رأيت الموت بعيوني. جسمي مليء باللكمات ولا سيما الوجه. اعتقد أن الامر استمر عشر دقائق، وقد كان هناك العشرات الذين قاموا بضربي. وحينما أحضرتني الشرطة الى مركزها شعرت بالحماية والأمان. تعاملت الشرطة معي بشكل جيد وأخذتني الى مستشفى العفولة».
الشيخ زيدان عابد، والد إسراء التي حاولت القيام بعملية طعن في المحطة المركزية في العفولة وأطلقت عليها النار، قال إن ابنته بريئة. وطلب، رغم تعرضها لاطلاق النار، ايصال رسالة مصالحة: نحن نصلي من اجل وقف سفك الدماء في البلاد، ونأمل أن تتعافى ابنتي وأن يكون ما حدث لها درسا للجميع. آمل أن يتحمل الناس بعضهم. فنحن لا نريد أن تشتعل البلاد».

الدفاع عن القيم
ميمون حيمي وأولاده خرجوا في مساء الخميس الى نتانيا، وفجأة شاهدوا ما اعتقدوا أنه «مخرب». بعد ذلك بلحظات فهموا أن الحديث يدور عن شاب عربي بريء هوجم من قبل مجموعة من الشباب اليهود، هو وشابان عربيان آخران. ميمون وابنه تعرضا للضرب اثناء انقاذه الشاب من الموت.
«عندما سمعت أنا وابني نداءات مخرب مخرب، قمنا لانقاذ اليهود»، قال ميمون. «تعلمت وأنا شاب الكراتيه 8 سنوات وما زلت أذكر كيف يمكن السيطرة على انسان. لم أخف. أحاطنا حوالى 30 شخصا وعرفتهم جميعهم تقريبا. رأيت هناك السكارى والمشردين الذين يبحثون عن سبب للتصرف مثل الحيوانات، واعتقدوا أنهم اذا هاجموا العرب فانهم بذلك يحاربون الارهاب».
تعرض الشاب العربي للضرب عندما كان ملقى على الارض، وتعرض ميمون وابنه ايضا للضرب الى أن جاءت الشرطة واعتقلت العربي. أول من أمس تم اعتقال خمسة اسرائيليين حاولوا المشاركة في اللنش. «كان هذا فعلا شيطانيا طاهرا وذريعة لتعذيب انسان لا حيلة له». ويضيف ميمون: «لم يضبطوا أنفسهم، وقلدوا ببساطة ما فعله الآخرون مثل القطيع. القبعة التي كانت على رأسي ساعدت وبدأت في الصراخ: ابتعدوا، اليهود لا يتصرفون هكذا. وشيئا فشيئا استجابوا. المنطقة كلها مليئة بالكاميرات، وكان واضحا لي أن الشرطة ستعتقل من ساهم في الامر. وبالفعل حدث هذا، أول من أمس. على الشرطة اظهار أن هناك قانونا، وإذا حدث هذا مرة اخرى فيجب على الجميع أن يعرفوا أنه بدلاً من رفع الكرسي يجب طلب المساعدة».
بعد انتهاء الحادثة اكتشف ميمون أنه أصيب وتم أخذه الى المستشفى. وقال: «أصبت اصابة طفيفة في الرأس وغادرت المستشفى بعد بضع ساعات، وكان قميصي مضرجا بدم الشاب الذي دافعت عنه. وقد التقيت به في المستشفى وكان اسمه عبد جميل، عربي اسرائيلي، وهو من سكان قلنسوة أراد الجلوس لشرب الكولا مع اصدقائه. وكان رأسه مضرجا بالدم وعانى من الألم، وصرخ أنه لا يهتم بالسياسة، فقط جاء للعمل. وقد قال لي شيئا فظيعا: إنه أنقذ في الماضي عائلة يهودية من سيارة محروقة في أعقاب حادثة طرق. أنا انسان مؤمن، وشعرت بأنه يوجد لكل شيء مقابل، أنا أنقذت وهو أنقذ.
«قلت له إنني أريد منه أن يقول للعائلة والاصدقاء إن اليهود ليسوا سيئين مثلما يقولون عنهم في التلفاز. ومن حاولوا التهجم عليه هم أقلية مجنونة. لقد شاركت في حروب اسرائيل، ولم أترك يوما في الخدمة الاحتياطية. وقلت له إن من يصرخ «الموت للعرب» ليسوا من طينتي. ومن المشكوك فيه أنهم كانوا في الجيش. يهمني القول إنه لو كان الحديث عن «مخرب» لكنت سعيت الى أن لا يخرج على قيد الحياة من هذه الحادثة. فلو أخرج سكينا لطعنته بها. ولو ترك السكين واستسلم فانني سأفعل كل شيء للدفاع عنه. لا أريد التفكير في أنه لو لم أكن هناك لما دافع عنه أحد. قناعتي السياسية يمينية. اؤمن أن الدفاع عن دولة اسرائيل واجب، ولكن الاضرار بانسان بريء بسبب اصله - هكذا ينتصرون علينا.
ابن ميمون، دان حن، كتب في الفيس بوك «قمتم بالضرب على خلفية جنائية لذلك البريء، وضربتموني أنا وأبي لأنكم حيوانات. أبي مُسن وتعرض للضرب ولم تستمعوا. لكل اولئك الشباب الذين يتصرفون على هذا النحو أقول من حسن حظكم أن أبي سيطر على الوضع. هذا شيء مخجل، أنقذنا بأجسادنا عربيا بريئا من قلنسوة، أنقذنا حياته لأن مجموعة من الخارجين على القانون جعلتنا نعتقد أنه مخرب. أنا مستعد ليحاكمني أبناء شعبي، وهذا من أجل أن لا يُقال أبدا إن لليهودي دما على اليدين».

على الخط الأخضر
كل يوم عندما يخرج أمير حكميان من بيته أو عمله يصلي حتى تمر هذه المرة ايضا بسلام. كأحد سكان ارمون هنتسيف في القدس، حيث تحدث اخلالات بالنظام في المحيط كل يوم من القرى التي خرج منها عدد من «المخربين»، هناك اسباب كثيرة تدفعه للخوف. «أسكن في مشروع سكني جديد في الصف الاول أمام حي صور باهر»، قال. «أنا وزوجتي من مواليد القدس، عرفنا أنه اذا حدث تدهور أمني فسنجد أنفسنا في وضع صعب. منذ عملية الجرف الصامد نضطر الى التفكير بمفارقات لا يواجهها انسان عادي. قبل كل سفر أفكر عشرات المرات أي طريق سأختار كي لا أجد نفسي وزوجتي وابني الصغير هدفا للقتلة الذين يحملون الحجارة. نتدرب في ذهننا على ما سيفعله كل واحد اذا ما تعرضنا لكمين حجارة أو زجاجات حارقة. الشارع الرئيس في الحي، في شارع آشر ونر، غير مستخدم تقريبا لأنه يمر بجانب صور باهر، الامر الذي يجعل الطريق طويلة الى البيت والعمل. يأتون الينا للشراء في السوبرماركت أو لأكل البيتزا، وهذا جيد. لكننا لا نتجرأ على الذهاب الى جبل المكبر أو رأس العمود أو العيسوية».
المكاتب التي يعمل فيها امير مديرا لشركة سكوبس للتسويق والانتاج توجد في جبل المشارف. وهو منطقة اخرى من مناطق الاحتكاك بالقرب من العيسوية. «بعض العاملين عندنا يصلون من هناك ومعظمهم يعارضون العنف». قال. «أحدهم قال لي إنه سافر مع عائلته في منطقة جبل الزيتون وألقوا عليهم زجاجة حارقة لأنهم اعتقدوا انهم يهود. يصعب ايجاد راحة في اجواء كهذه. أنت لا تعرف من أين يأتي الامر. أرسلت لي زوجتي صورة ابننا في الحديقة بجانب البيت بالقرب من صور باهر، وبدلا من الابتسام من اللحظة حذرتها أن تفتح عينيها. الخوف مما قد يحدث صعب جدا، لكن نحاول بكل قوتنا الاستمرار. الجنون الذي يحدث هنا برز في العناوين في الاسابيع الاخيرة فقط، لكن لا يمكن القول إن العام الماضي كان هادئا. لا أنوي ترك القدس لأن هذه المدينة غالية عليّ، لكن في المقابل لا يمكن انكار حقيقة أن القدس مقسمة فعليا. لا يوجد لنا ما نبحث عنه في القرى العربية، لا يضعون جدارا بيننا وبينهم لاسباب سياسية، من اجل القول إنها ما زالت موحدة. ونأمل أن لا نضطر الى دفع الثمن».

عن «يديعوت»