شهادات مرعبة: هكذا نهب اليهود ممتلكات العرب في العام 1948!

حجم الخط

بقلم: عوفر اديرت

- محاربون، نساء، وشيوخ «انقضوا كالجراد» على بيوت الفلسطينيين
- بن غوريون: «معظم اليهود لصوص»، وغولدا مائير: «لم يبقَ خيط في أي بيت»
- ملؤوا الشاحنات بماكينات الخياطة، والمسجلات، ونهبوا آلات المصانع

«من خزانة مصنوعة من خشب المهاغوني (نوع من الأخشاب الثمينة المستخدمة في صنع الأثاث المنزلي، تنتشر أشجاره في أميركا الجنوبية - المحرر) صنعنا قناً للدجاج، وكنا نكنس القمامة بطبق من الفضة. كان هناك أدوات خزفية مزخرفة بالذهب، وكنا نفرش على الطاولة ملاية عليها أدوات خزفية ومذهّبة، وعندما انتهينا من الأكل أخذوا كل شيء إلى القبو. في مكان آخر وجدنا مخزناً فيه 10 علب كافيار، قالوا. لم يكن زملائي قبل ذلك قادرين على لمس الكافيار طوال حياتهم. من جانب كان هناك شعور بالخجل بسبب هذا التصرف، ومن الجانب الآخر كان هناك شعور بالخروج على القانون. مكثنا هناك 12 يوما، وبينما كانت القدس تختنق بسبب نقص كل شيء كنا نزداد وزناً. فقد أكلنا الفراخ والطيبات التي نقرأ عنها في الكتب».

شهادة على النهب في القدس
في 24 تموز 1948، بعد شهرين على قيام الدولة، قال رئيس الحكومة أشياء قاسية جدا عن المجتمع الإسرائيلي. «تبين أن معظم اليهود لصوص... أقول ذلك بصورة متعمدة وببساطة. لأن هذه هي الحقيقة للأسف». هذه الأقوال مكتوبة، حرفيا، في محضر جلسة لمركز «مباي»، المحفوظ في متحف حزب العمل. «أبناء الغور سرقوا! الرواد من بين الطلائعيين، وآباء أبناء «البلماخ»! وقد شارك الجميع في السرقة، الحمد لله، أيضا أبناء نهلال!... هذه ضربة شاملة. هذا أمر مخيف، لأن هذا يكشف بعض الخلل. سرقة وسطو – من أين جاءنا هذا؟ لماذا أبناء البلاد، البناؤون والمنتجون والطلائعيون وصلوا إلى هذه الأعمال؟ ما الذي حدث؟»، أضاف.
هذا المحضر عثر عليه، مؤخراً، المؤرخ آدم راز في إطار البحث لكتاب جديد، يتناول موضوعا مشحونا وحساسا ومتفجرا جدا: «سرقة الممتلكات العربية في حرب الاستقلال» (إصدار الكرمل، بمشاركة معهد عكفوت). المهمة التي أخذها على عاتقه كانت صعبة ومتحدية – يجمع مرة واحدة، في كتاب واحد، كل المعلومات الموجودة عن سرقة الممتلكات العربية من قبل اليهود في «حرب الاستقلال»، من طبرية في الشمال وحتى بئر السبع في الجنوب، من يافا وحتى القدس ومرورا بمساجد وكنائس وقرى منتشرة بين المستوطنات. لهذه الغاية استعرض جيدا محتويات حوالي 30 متحفاً في أرجاء البلاد، وتصفح صحفا تاريخية وقرأ أدبيات البحث الموجودة. كانت النتيجة صادمة.
«أجزاء كبيرة من الجمهور الإسرائيلي، من مواطنين ومحاربين على حد سواء، كانوا مشاركين في سرقة ممتلكات الجمهور العربي»، قال في أحد المقابلات. «تفشت السرقة كالنار في الهشيم في أوساط الجمهور اليهودي». حسب أقوال راز، شملت السرقة محتويات عشرات آلاف البيوت والحوانيت، المعدات الميكانيكية، المصانع، المحاصيل الزراعية، الأغنام وغيرها. وشملت أيضا أجهزة بيانو، كتبا، ملابس، مجوهرات، طاولات، أجهزة كهربائية، محركات وسيارات. النقاش حول مصير الأراضي والمباني التي تركها خلفهم الـ 700 ألف لاجئ عربي، الذين هربوا أو طردوا في الحرب، يتركه لباحثين آخرين. في الكتاب الحالي ركز راز على الممتلكات المنقولة فقط. الممتلكات التي كان يمكن تعبئتها في أكياس وتحميلها في سيارات.
بن غوريون ليس الشخصية الكبيرة الوحيدة التي اقتبس عنها في هذا السبق في كتاب راز. أيضا اسحق بن تسفي، زميل الدراسة «الختيار» والذي بعد ذلك اصبح الرئيس الثاني، شهد على ذلك. من وصفه يظهر أنه شارك في السرقة وفي السطو «يهود محترمون اعتبروا السطو شيئاً طبيعياً ومسموحاً به». في رسالة لبن غوريون، اقتبس عنها راز، كتب بن تسفي أن ما يحدث في القدس يضر «بصورة مرعبة» بشرف الشعب اليهودي والقوات المحاربة. «لا أستطيع المرور بصمت على السطو، سواء أكان منظماً من قبل مجموعة أو غير منظم، وتم من قبل أشخاص منفردين. أصبح السطو ظاهرة عامة... يتفق الجميع مع الرأي الذي يقول إن لصوصنا سينقضون على الأحياء المتروكة مثل انقضاض الجراد على حقل أو بيارة».
أثمر العمل الأرشيفي الأساسي لراز عن اقتباسات كثيرة قاسية على القرّاء من قبل شخصيات كبيرة وصغيرة في أوساط الجمهور وفي المجتمع الإسرائيلي، بدءاً برئيس الدولة وانتهاء بآخر الجنود. في الملف الأرشيفي لمكتب القيم على أملاك الغائبين عثر راز على تقرير من العام 1949 كتبه دوف شفرير، القيم على الأملاك المتروكة. هكذا كتب هناك: «إن الهروب المذعور للسكان العرب بجموعهم وترك ممتلكات ضخمة بمئات وآلاف الشقق والحوانيت والمخازن والورشات، وترك المحاصيل في الحقول والثمار في البساتين والبيارات والكروم، كل ذلك خلال فوضى الحرب... وضع (اليشوف) المحارب والمنتصر أمام إغراء مادي خطير... نوازع الانتقام، التبرير الأخلاقي والإغراء المادي... تدحرجت الأمور على الأرض في منزلق بدون توقف».
في أرشيف «يد تبنكين» عثر راز على شهادة حاييم كرمر من لواء النقب في «البلماخ»، الذي ارسل في حينه الى طبريا لمنع النهب. «مثل الجراد، انقض سكان طبريا على البيوت. اضطررنا الى استخدام القوة والقبائل، وضربهم من اجل إجبارهم على ترك الأشياء على الأرض»، شهد. في أرشيف «هشومير» عثر راز على يوميات يوسف نحماني، من مؤسسي المنظمة ومن سكان طبريا، الذي وصف كيف في العام 1948 «انقض الجمهور اليهودي وبدأ في السطو على الحوانيت... عشرات عشرات، في مجموعات، انقض اليهود وسطوا على بيوت وعلى حوانيت للعرب».
أيضاً الكثير من الجنود «لم يقفوا مكتوفي الأيدي وشاركوا في هذا الاحتفال»، شهد ناحوم (عبو) عاف، قائد البلدة القديمة في طبريا من قبل (الهاغاناه)، في كتاب المذكرات الذي نشره. وقد وصف كيف أن جنودا يهودا، الذين انتهوا للتو من محاربة المقاتلين العرب، تم وضعهم على مدخل البلدة القديمة من اجل منع سكان المدينة اليهود من اقتحام البيوت العربية. وقد وقفوا مسلحين «مع سلاح أمام اليهود، الذين حاولوا الدخول إلى المدينة بالقوة. وكان هدفهم السطو والنهب»، شهد عاف. «طوال النهار اصطف الجمهور على الحواجز وحاولوا الانقضاض نحو الداخل. اضطر الجنود إلى مقاومة ذلك بالقوة».     
«كانت هناك منافسة بين فصائل مختلفة من (الهاغاناه)، جاءت بالسيارات والقوارب وحملت كل أنواع الأشياء... ثلاجات، أسرة وما شابه»، وصف كرمر في هذا السياق، «من المفهوم أن الجمهور اليهودي في طبريا اقتحم ليفعل مثلهم. هذا ترك لديّ تأثيرا قاسيا جدا، كم هذا قبيح، هذا يلطخ رايتنا... نضالنا تضرر بمستواه الأخلاقي، الخزي والعار... ما هذا الانحدار الأخلاقي؟». «كان يمكن رؤية أشخاص يتجولون بين الحوانيت المقتحمة ويأخذون ما بقي في أعقاب النهب المشين»، أضاف عاف في شهادته. «تجولت في الشوارع ورأيت مدينة كانت قبل فترة غير بعيدة طبيعية بهذه الدرجة أو تلك. والآن هي مدينة أشباح، منهوبة، ودكاكينها مقتحمة وبيوتها مقفرة من سكانها... المشهد المخجل جدا كان لأشخاص ينبشون في أكوام تبقت بعد السطو الكبير. في كل مكان رأيت المشاهد المهينة ذاتها. فكرت: كيف هذا؟ كان يمكن منع ذلك».
نتيفا بن يهودا، مقاتلة أسطورية من «البلماخ» شاركت في المعركة على طبريا، شهدت هي أيضا على ذلك واستخدمت كلمات قاسية جدا لوصف ما رأته. «هذه الصورة كانت معروفة لنا. ولكن دائما فعلوا بنا هذه الأشياء، في الكارثة، طوال الحرب العالمية وخلال كل المذابح. يا للمصيبة، لقد عرفنا هذه الصور. وهنا فعلنا الأمور المفزعة ذاتها بالآخرين». كتبت. لقد قمنا بتحميل كل شيء على سيارة التندر – مع رعشة كبيرة في اليدين. لم يكن هذا بسبب الثقل. وحتى، الآن، يدي ترتعش فقط من الكتابة عن ذلك».
طبريا، التي احتلت في نيسان 1948، كانت المدينة الأولى المختلطة التي تم احتلالها في «حرب الاستقلال». كانت «نموذجا مصغرا لكل ما سيحدث في الأشهر التالية في المدن العربية المختلطة في البلاد»، قال راز. في تحقيقه كشف أنه لا توجد معطيات رسمية عن السرقة، الكمية وقيمتها المالية. ولكن يبدو أنها حدثت في كل مدينة عربية وكل مدينة مختلطة، وبمستويات كبيرة.
هكذا فإن الشهادات التي تصف أحداثا مشابهة للأحداث التي حدثت في طبريا وجدها راز ايضا في توثيق المعركة على حيفا، بعد بضعة أيام من ذلك. «وهم يحاربون ويحتلون بيد، وجد المحاربون الوقت لسرقة، ضمن أمور اخرى، ماكينات خياطة، مسجلات وملابس، باليد الاخرى»، شهد زئيف يتسحاقي الذي حارب في حي الحليصة في حيفا.
«أخذ الأشخاص كل ما طالته أيديهم... المبادرون فتحوا الحوانيت المهجورة، وحملوا البضائع على كل سيارة. لقد سادت الفوضى... إلى جانب السعادة بسبب تحرير المدينة والارتياح الذي أعقب اشهرا من الأحداث الدموية، كان صادماً رؤية حماس المواطنين بالانتفاع من الأرض الحرام والانقضاض على بيوت أشخاص تجهم القدر في وجوههم وحولهم إلى لاجئين»، أضاف تصادوق ايشل، أحد أعضاء لواء كرميلي.
«شيوخ ونساء دون فرق في العمر والمكانة الدينية، جميعهم منشغلون بالسطو. ولا أحد يمنعهم. الخزي والعار يغطي وجهي ولدي رغبة في البصق على المدينة وتركها. فقد الناس كل مشاعر الخجل وأعمال كهذه تضر بالأسس الأخلاقية للمجتمع»، كتب يوسف نحماني الذي زار حيفا بعد احتلالها.
النهب كان كثيرا جدا، إلى درجة أن المدعي العام الذي رافق القوات المقاتلة في حيفا، المحامي موشيه بن بيرتس، قرر في حزيران 1984 أنه «لا يوجد لدى العرب ما يؤخذ. ببساطة مذبحة... للجميع توجد ذرائع: «جئت فقط قبل أسبوعين. ليس هناك من يمكن ضبطه».
«كم هي كثيرة البيوت المهدمة والأثاث يتناثر تحت هذه الأنقاض. أبواب البيوت على جانبي الشارع كانت مقتحمة. أشياء كثيرة من البيوت تناثرت على الأرصفة... على عتبة احد البيوت كان هناك سرير مائل ودمية عارية مهشمة بدرجة ما، كانت موضوعة بجانب السرير وجهها الى الأسفل. أين هذا الطفل، الآن؟ إلى أي منفى ذهب؟ إلى أي منفى؟».

شهادة عن النهب في حيفا
أعضاء مكتب التجارة والصناعة العبري حذروا من النهب. «سنقف في المستقبل أمام التاريخ الذي سيحاكم على هذا»، كتبوا. أيضا المؤسسة التي سميت «هيئة الخدمة القضائية»، صرخت. في تقرير بعنوان «وباء النهب والسطو» كتب: «انتشرت هذه الآفة في كل الوحدات وفي كل مستويات القيادة... أخذت السرقة والنهب أبعادا مخيفة وجنودنا يعملون في هذه المهنة بدرجة تعرض للخطر قدرتهم القتالية وإخلاصهم لوظائفهم».
ايضا الحزب الشيوعي حذر من الوضع، وفي المذكرة التي أرسلها لإدارة الشعب وقيادة «الهاغاناه» كتب عن «حملة نهب، سطو وسرقة، لممتلكات العرب بأبعاد مذهلة». وكتب في المذكرة أيضا بأن «الأغلبية العظمى من شقق السكان العرب تقريبا تم تفريغها من كل شيء له قيمة. وقد سرقت من الحوانيت البضائع والأغراض، ومن الورشات والمصانع تم إخراج الماكينات».
بن غوريون تطرق لهذه القضية. وبعد احتلال حيفا كتب في مذكراته عن سطو شامل وكامل في حي وادي النسناس نفذه اعضاء «الايتسل» و»الهاغاناه». «كانت هناك حالات وجد فيها لدى أعضاء (الهاغاناه) أغراض مسروقة، وكذلك أيضا لدى القادة»، كتب. بعد بضعة أيام، في جلسة لإدارة الوكالة اليهودية قالت غولدا مائير، إنه «في اليومين الأولين كان الوضع في المناطق التي تم احتلالها صعبا، خاصة في القطاع الذي كان تحت سيطرة (ايتسل)، لم يبق خيط في أي بيت».

عن «هآرتس»