بقلم: ناحوم برنياع
يدعي الوزير يوفال شتاينتس منذ حزيران بأن السبيل الوحيد لإنقاذ الإسرائيليين من مصيبة على مستوى تاريخي هو فرض إغلاق تام عليهم. فلا أحد يأتي أو يخرج. ويستند هذا السيناريو المتطرف لديه إلى حسابات بروفيسوريين في الفيزياء وفي الرياضيات يتناسب مع الواقع في نهاية الأسبوع الماضي، ويحذر من إمكانية أن نصل إلى 30 ألف وفاة. وأكرر: 30 ألف وفاة. ينبغي أن يقال في صالحه إن المسألة السياسية التي تنطوي عليها التظاهرات في بلفور لم تشغل باله. فقد جاء إلى هذا الجدال بيدين طاهرتين.
الحل الذي يقترحه هو تشديد القيود والإنفاذ. حد أدنى من المسافة عن البيت، صفر نشاط في الاقتصاد، مزيد من الشرطة في الشوارع، غرامات تعسفية لخارقي الإغلاق، عقوبات. بعض زملائي في "الليكود" يعولون على الشرطة؛ فهي ستقمع التظاهرات، وستفرض النظام، وتفرض الإغلاق.
هو وهم على حد سواء مخطئون. ما أبقى الإسرائيليين في البيوت في الإغلاق الأول كان خليطاً من الخوف الملموس، الشخصي، وإعرابا عن الثقة تجاه المنظومة. كان الخوف حادا على نحو خاص في الوسط الأصولي. ليس بسبب قرارات الحاخامين او جهاز إعلام حكومي بل بسبب بشرى أيوب التي جاءت من كراون هايتس، الحي الأصولي في نيويورك الذي تعرض للوباء. وسار بعض الإسرائيليين خلف ما اعتبر نجاحا: حالات ظهور نتنياهو وبار سيمان توف في التلفاز، وتجنُّد "الموساد" والسييرت، والتطويرات المرتجلة، والابتكارات. وفقط بعد الفعل تبين ان النجاح لم يكن كبيرا جدا، والخروج من الموجة الأولى كان دعوة للكارثة.
إن خطيئة نتنياهو الكبرى، التي لا تغتفر، هي أنه حاول إدارة أزمة "كورونا" بأدوات سياسية. والخطيئة الكبرى للموظفين، من كبار رجالات وزارة الصحة هي أنهم سمحوا بهذا الأمر. أما، الآن، فإنهم نادمون على الخطيئة، كل بدوره: سيغال سيداتسكي، وحزاي ليفي، وايتمار روتو. يحتمل أن يكونوا سعوا الى أن يغطوا بذلك على قصورات جهازهم: يحتمل أن يكون هذا سبيلهم للبقاء. روني جمزو هو الآخر ليس نقيا من المسؤولية.
لم يعرف تسييس "كورونا" حدودا. فقد تلقى تعبيرا في المهاتفات الاعتذارية لرئيس الوزراء الى الادموريين ناكري "كورونا" ممن حاولت الشرطة فرض القانون عليهم؛ ولاقى تعبيرا في القرار لمنع فتح المحلات التجارية الصغيرة بسبب الخوف من ان فتحها سيعطي سلاحا قانونيا في ايدي المتظاهرين في بلفور؛ ولاقى تعبيرا في لحظات ظهور اريه درعي امام الناس، حيث حاول إعجاب الجميع، ليبدي المسؤولية ويثني خارقي النظام في اليوم ذاته، وليغلق ويفتح الكنس في الوقت ذاته. أن يغمز زملاءه على طاولة الحكومة، وغيرها وغيرها.
والنتيجة هي أزمة ثقة من اخطر الازمات التي شهدناها. فُتحت هوة بين الحكومة والمواطنين. فلا ثقة بالتعليمات ولا ثقة بدوافع أولئك الذين يقررون التعليمات. عدم الثقة يتجاوز المجال المحدد لمعسكر سياسي واحد. فهو يعيش ويركل في ساحات الادموريين في بني براك بقدر لا يقل عما يعيش ويركل في مواقع المتظاهرات في تل أبيب.
في الأنظمة الدكتاتورية يوجد طريق بسيط وسريع للتصدي لازمات الثقة: يرسلون كتائب الجيش الى الشوارع ويطلقون النار على كل من يتحرك. أما الأنظمة الديمقراطية فتميل إلى حلول أقل تعسفا. والحل الواجب، الأقل إيلاما، هو استبدال من يفشل. توجد طرق شرعية لعمل ذلك: من خلال تغيير الشخوص، وتصويتات حجب الثقة في الكنيست. لجان تحقيق رسمية، من خلال الانتخابات او التظاهرات. كل هذه الاساليب جربت في إسرائيل بنجاح.
ما يصعب على الوزراء أن يفهموه هو أن هذا لن ينجح بالقوة. فبدون ثقة لن يكون إنفاذ للقانون في ظل الوباء. كل محاولات الشرطة، بداية في القدس وفي منتهى السبت في تل أبيب لقمع التظاهرات بالقوة توسع فقط دائرة المتظاهرين وتشدد مقاومتهم. فالاحتجاج قد يتدحرج إلى تمرد: يحتمل أنه للمرة الأولى منذ قيام الدولة سنشهد هنا عصيانا مدنيا على مستوى واسع. مؤشرات أولية تأتي من المداولات في الشبكات الاجتماعية.
البداية سهلة، شبه طبيعية: أفراد الشرطة حرروا مخالفات للمتظاهرين، هناك قسم منها تجاوزات غير موجودة على الإطلاق في سجل القوانين. لن يدفع المتظاهرون الغرامات؛ لا يوجد ما يدعوهم الى دفعها. وسيختارون، كلهم كرجل واحد، المداولات في المحكمة. سيغرق الجهاز. العصيان المدني يمكن أن يرتدي أشكالا أُخرى. فيلم وثائقي يوثق انهيار نظام سلوبودن ميلوشوفيتس، حاكم الصرب أصبح رائجا في أوساط المتظاهرين. ويركز الفيلم على نشاط "أوطفور!" (مقاومة)، حركة احتجاج للشبان عملت في الشارع، ليس في الساحة السياسية، ركزت كل طاقتها على إسقاط الحاكم وامتنعت عن العنف. ضربتهم الشرطة، ولكن في النهاية انضموا إليه. إسرائيل ليست صربيا، الحياة ليست فيلما، ولكن النموذج موجود.
عن "يديعوت"