مسيرة الحماقة في المستوطنات مستمرة: إسرائيل ستدفع ثمناً باهظاً

حجم الخط

بقلم: شاؤول أرئيلي


قبل أسبوعين أمر رئيس الحكومة بانعقاد مجلس التخطيط الأعلى للإدارة المدنية بهدف المصادقة على بناء واسع في «يهودا» و»السامرة «، بحجم 5400 وحدة سكنية في عشرات المستوطنات. من الواضح أن هذه الخطوة – بعد أن جمّد منذ شباط الماضي تخطيط البناء في «يهودا» و»السامرة» من أجل عدم المس بالاتفاقات مع الامارات والبحرين – هي ثمن سياسي للبقاء. ولكن هذه بالاساس خطوة أخرى في مسيرة الحماقة لاستمرار البناء في المستوطنات، التي هي تبذير عظيم للموارد على حساب المجتمع في إسرائيل، من خلال تعميق الوهم بأنه سيكون بالامكان إملاء اتفاق سلام على الفلسطينيين وإنهاء النزاع سوية مع ضم كل المستوطنات لإسرائيل.
سيحاول القليلون أن يشرحوا «المنطق» في خارطة «مبادرة ترامب» التي تم تبنيها بشدة من قبل نتنياهو- والتي تفرض على إسرائيل وعلى الجيش الإسرائيلي بناء وحماية لحدود جديدة اطول بثلاث مرات من كل حدود إسرائيل الاخرى – بتبريرات أمنية أكل الدهر عليها وشرب. كثيرون آخرون سيشيرون الى السبب الرئيس وهو الرغبة في منع إخلاء للمستوطنات أو أي بؤر استيطانية غير قانونية، من اجل اعاقة تطبيق حل الدولتين. امتدت الحدود الى مسار وطول غير منطقيين من أجل ضم عشرات المستوطنات الصغيرة والمعزولة، وخلق 17 جيبا إسرائيليا في المنطقة الفلسطينية و43 جيبا فلسطينيا في المنطقة التي سيتم ضمها لإسرائيل. الحدود المهووسة هذه ولدت سواء من أجل تقديم ثمن سياسي للمسيحانيين – القوميين المتطرفين في «الليكود» ومن يوجدون على يمينه، الذين يؤمنون بوصية «عليك أن ترث البلاد»، أو من اجل تقديم رد على مخاوف جزء من الجمهور من «حرب اهلية»، نتيجة اخلاء قسري لعدد كبير من المستوطنين. هذا الوضع يشجع رافضي الاتفاق الدائم على مواصلة استثمار افضل اموال الدولة في توسيع المستوطنات بشكل عام، خاصة المعزولة منها، والمس بالتواصل الجغرافي الفلسطيني.
حتى التوقيع على اتفاق اوسلو في العام 1993 فإن معظم الجمهور لم ير أي عيب في المستوطنات، بل برر اقامتها، بسبب الرفض الفلسطيني للاعتراف بإسرائيل على قاعدة القرارات الدولية والتوقيع معها على اتفاق سلام. منذ أن وقعت إسرائيل على اتفاق اوسلو، القائم على قرار 242 الذي معناه بشكل عام عودة الى خطوط 1967، كان واضحا لكل رؤساء الحكومة والوزراء بأنه عندما يستجيب الفلسطينيون للحاجات الأمنية لإسرائيل بوساطة ترتيبات وظيفية، على شاكلة الاتفاقات مع مصر والأردن (كما فعلوا بالفعل)، فان التحدي والعائق الأكبر أمام التوقيع على الاتفاق الدائم سيكون مستقبل المستوطنات.
إذا كان الأمر كذلك، فكيف عملت حكومات إسرائيل فيما يتعلق بعائق المستوطنات منذ التوقيع على اتفاق اوسلو؟ هل حسب ما يدعي الفلسطينيون، عملت كل ما في وسعها لتضخيم هذا العائق من اجل زيادة المساحة التي ستضم الى إسرائيل على حسابهم، أو ما هو اخطر من ذلك – خلق واقع يعتبر في نظر الجمهور الإسرائيلي لا يسمح بحل الدولتين بثمن وطني معقول؟ أم أنها عملت من اجل تقليص للحد الادنى تأثير هذا العائق على احتمالية التوصل الى تسوية؟ سنركز على هذه المسألة في منطقة «يهودا» و»السامرة»؛ لأن الإسرائيليين تم اخلاؤهم من قطاع غزة في 2005، أما القدس فوافق الطرفان في الماضي على تقسيم شرقي القدس على قاعدة ديمغرافية.
في العام 1993، بعد 26 سنة على الاحتلال والمستوطنات، كان يعيش في منطقة «يهودا والسامرة» 110 آلاف إسرائيلي (2 في المئة من اجمالي سكان إسرائيل) الذين كان 75 في المئة منهم يعيشون في كتل وبمحاذاة الخط الاخضر، أي حسب افتراض تبادل المناطق الموافق عليه من قبل الفلسطينيين فان تحدي الاخلاء الإسرائيلي شمل فقط 27 ألف شخص، أو 6500 عائلة. يشكل هذا العدد حوالي نصف في المئة من سكان إسرائيل، أو ثلث عدد الفلسطينيين الذين يعيشون اليوم في مناطق ج، ومن يطالبون بضمهم مستعدون لإعطائهم حتى الجنسية الإسرائيلية. هذه كانت ارقاما مرفوضة تماما من الناحية الوطنية لأن إسرائيل استوعبت في العقد ذاته مليون مهاجر من الاتحاد السوفييتي سابقا.
كيف تصرفت حكومات إسرائيل في الفترة الواقعة بين التوقيع على اتفاقات اوسلو وحتى المباحثات على الاتفاق الدائم في كامب ديفيد 2000، وهي سبع سنوات توزعت بين نتنياهو واسحق رابين، وشمعون بيريس وايهود باراك؟
بعثت إسرائيل 80 ألف إلى «يهودا» و»السامرة» (زيادة تبلغ 73 في المئة). 62 في المئة منهم نتيجة الهجرة من مناطق الخط الاخضر. في كامب ديفيد اقترح باراك ضم 13 في المئة من الضفة مع 156 ألف نسمة ممن يشكلون 82 في المئة من اجمالي الإسرائيليين في «يهودا» و»السامرة». اذا كان الامر كذلك فانه أُضيف للاخلاء المستقبلي، حسب موقف إسرائيل نفسها وبمسؤوليتها، 7 آلاف نسمة أو 1700 عائلة (زيادة تبلغ 20 في المئة).
حتى العام 2001 ارتفع عدد الإسرائيليين في «يهودا» و»السامرة» الى 201 ألف. على خلفية الانتفاضة الثانية هبط عدد القادمين من مناطق الخط الاخضر الى 30 في المئة من اجمالي الزيادة السنوية في عدد الإسرائيليين في «يهودا» و»السامرة». في محادثات طابا التي جرت في السنة ذاتها عرض باراك أن يضم لإسرائيل 6 – 8 في المئة من الاراضي مع 145 ألف إسرائيلي (72 في المئة)، الامر الذي زاد عدد المتوقع اخلاؤهم الى 56 ألف شخص – اكثر بضعفين مما كان في العام 1993. عرض الفلسطينيون ضم 3 في المئة من الاراضي مع 96 ألف إسرائيلي فقط واخلاء الـ 105 آلاف المتبقين.
أثناء المحادثات في انابوليس 2008 وبعد سبع سنوات أخرى، توزعت بين رؤساء الحكومة ارئيل شارون وايهود اولمرت، ارتفع عدد الإسرائيليين في «يهودا» و»السامرة» 90 ألفا (زيادة تبلغ 44 في المئة مقارنة مع 2001)، ووصل الى 291 ألف شخص. 32 ألفا منهم نتيجة الهجرة من داخل الخط الاخضر (36 في المئة). اقترح اولمرت في المفاوضات ضم 6.5 في المئة من اراضي الضفة مع 211 ألف إسرائيلي واخلاء 80 ألف مستوطن، وهو ثلاثة أضعاف ما طُلب من إسرائيل في 1993. في الاقتراح الفلسطيني قفز عدد الإسرائيليين الذين كان يجب إخلاؤهم الى 176 ألف شخص.
خلال عقد كامل تحت حكومة نتنياهو ارتفع عدد الإسرائيليين في «يهودا» و»السامرة» في نهاية 2018 الى 428 ألفا – زيادة تبلغ 47 في المئة منذ انابوليس. نسبتهم مقارنة بسكان إسرائيل ضوعفت بمرتين ونصف من نسبتهم في 1993 وبلغت 4.8 في المئة. يجب التأكيد على أنه في العقد الذي كان تحت ولاية نتنياهو، ورغم الهدوء النسبي، فان نسبة الهجرة من مناطق الخط الاخضر الى «يهودا» و»السامرة» انخفضت بالتدريج لـ 20 في المئة من مجمل الزيادة، في حين أن الزيادة الطبيعية في «يهودا» و»السامرة» – نصفها في موديعين عيليت وبيتار عيليت – قفزت بالتدريج الى 80 في المئة من مجمل الزيادة. الوسط المتدين، الذي كان فقط 6 آلاف شخص من ابنائه يسكنون في «يهودا» و»السامرة» في 1993 (5.5 في المئة من اجمالي الإسرائيليين في «يهودا» و»السامرة»)، تحول الى «محرك النمو» لسكان المستوطنات. في 2018 وصل عددهم الى 150 ألف شخص (35 في المئة من السكان الإسرائيليين في «يهودا» و»السامرة»)، وخلال عقد يتوقع أن يصل عددهم الى نصف اجمالي الإسرائيليين في «يهودا» و»السامرة». أكثر من نصف التصاريح الجديدة للوحدات السكنية (2929) ستخصص للمدينة الأصولية بيتار عيليت. وإذا فحصنا اقتراح اولمرت في 2008 في ضوء الواقع الحالي فانه في نهاية المطاف مطلوب من إسرائيل، حسب موقفها وبمسؤوليتها، أن تخلي 114 ألف إسرائيلي. أي عدداً يفوق مجمل عدد الإسرائيليين الذين كانوا يسكنون في «يهودا» و»السامرة» في 1993، وهو اكبر بـ 4.2 ضعف من عدد الإسرائيليين الذين كان يجب اخلاؤهم في العام 1993.
من هذا التحليل يتضح أن إسرائيل، بكل رؤساء حكوماتها، اختارت سياسة أدت الى تضخيم العائق الذي يكتنف إخلاء إسرائيليين، وذلك عن طريق تمكينها وتشجيعها للهجرة، والبناء وتوسيع المستوطنات بشكل عام، والمستوطنات المعزولة الواقعة خارج الكتل الرئيسية بشكل خاص. فعل رؤساء الحكومة ذلك لاسباب مختلفة: اعتقد باراك بأنه سيتم التوصل الى اتفاق دائم في عهده، لهذا ليس هناك معنى لزيادة 2000 شخص سيتم اخلاؤهم. ورأى نتنياهو في زيادة المستوطنين أداة للقضاء على حل الدولتين واقناع الجمهور أنه بالامكان فرض حكم ذاتي ثقافي فقط على الفلسطينيين.
زاد عدد الإسرائيليين، الذين يعيشون في الضفة الغربية، منذ اتفاق اوسلو بـ 289 في المئة، في حين أنه في دولة إسرائيل كلها ازداد عدد السكان بـ 68 في المئة. بكلمات اخرى، في الـ 26 سنة، من حرب «الايام الستة» وحتى اتفاق اوسلو، ازداد عدد المستوطنين بـ 4 آلاف شخص في كل عام بالمتوسط. في حين أنه بالتحديد بعد التوقيع على اتفاق اوسلو، في الـ 27 سنة التي مرت منذ ذلك الحين اضيف 12 ألف شخص في كل سنة بالمتوسط. فضلت إسرائيل المستوطنات حتى على شرقي القدس، هناك زاد عدد الإسرائيليين من 115 ألف شخص في 1993 الى 218 ألف شخص في 2018 (زيادة تبلغ 89 في المئة).
في العقد الماضي، تحت حكم نتنياهو، أساس البناء هو بالتحديد في المستوطنات المعزولة، وحتى أن الحكومة صادقت على مليارات الشواقل من اجل تحسين الشوارع التي توصل اليها. في اطار المصادقات الجديدة خصص تقريبا 2000 شقة للمستوطنات المعزولة في عمق الاراضي الفلسطينية، مثل عيلي (629)، شيلو (141)، هار براخا (286)، بني كيدم (120)، عيناف (181)، شمعة (21). لو جمدت إسرائيل توسيع المستوطنات المعزولة فان التحدي الذي كان يقف امامها خلال المفاوضات لاخلاء سكانها، كان سيتقلص من ناحية وزنهم النسبي من اجمالي عدد السكان الإسرائيليين في «يهودا» و»السامرة». عدد سكان الـ 17 جيب إسرائيلي الموجودة في خطة ترامب – التي في كل سيناريو ستدمر التواصل الجغرافي الفلسطيني، والتي كانت معدة للاخلاء على يد شارون في اطار خطة الانفصال – كان 5100 شخص في 1993، وهو عدد تضاعف باكثر من ثلاث مرات حتى 2018 – ووصل الى 16400 شخص.
رغم كل الخطوات فان هذه السياسةـ التي هي عديمة المسؤولية الوطنية، فشلت في خلق واقع ديمغرافي وجغرافي من شأنه أن يفرض على الفلسطينيين مبادرة ترامب، أو أي اقتراح آخر غير قائم على تبادل الاراضي بنسبة 1: 1، أو يمنع تواصلا جغرافيا لاراضي الدولة الفلسطينية ويمس بنسيج حياة سكانها. وهي أيضا لم تنجح في تغيير سياسة الدول العربية، أو حتى التي وقعت معها على اتفاقات، مؤخرا، أو حتى سياسة دول العالم. كل هذه ما زالت ترى في خطوط 1967 أساسا للحدود المستقبلية، مع تبادل اراض بنسبة 1: 1. لم تنجح هذه السياسة حتى في الغاء احتمالية حل الدولتين؛ لأن إسرائيل يمكنها أن تبقي تحت سيادتها 80 في المئة من الإسرائيليين الذين يسكنون خلف الخط الاخضر في اقل من 4 في المئة من اراضي الضفة. ويمكنها استيعاب من سيتم اخلاؤهم من ناحية السكن والتشغيل.
سياسة توسيع المستوطنات في «يهودا» و»السامرة» كانت وما زالت غالية بشكل مروع على دولة إسرائيل في المجال الأمني، الاقتصادي، والاجتماعي. معظم قوات الأمن في الضفة مشغولة بحماية المستوطنات ومحاور الحركة اليها. وكذلك منع ارهاب «تدفيع الثمن». وفي كل سنة تضطر إسرائيل الى زيادة دعم المستوطنين الذين يهبط تصنيفهم بالتدريج الى اسفل السلم الاجتماعي – الاقتصادي. كلما مر الوقت فان هذه السياسة لا تحقق أي شيء باستثناء زيادة الثمن الذي ندفعه اليوم، والذي سيكون علينا دفعه في المستقبل.

عن «هآرتس»