كورونا والعالم.... والصراع المفتوح!!!

د.عقل أبو قرع.jpg
حجم الخط

بقلم: عقل أبو قرع

حسب منظمة الصحة العالمية، سجل أول من أمس، رقم قياسي بعدد الإصابات بفيروس كورونا، حيث تم تسجيل حوالي 350 الف إصابة في اليوم، بالإضافة الى حوالي 5500 وفاة، وهذا يعتبر مؤشراً كارثياً على ما وصل اليه الوضع العالمي الموبوء بـ «كورونا»، وكذلك مؤشراً على ما ينتظر العالم من هذا الفيروس الغامض في المستقبل، والذي بات من الواضح أنه يستطيع الوصول الى كافة الأماكن، محكمة الإغلاق والأكثر أمناً وسرية، ومن ضمنها البيت الابيض الأميركي، ولا عجب أن استمر هذا الصراع المفتوح وغير المتناهي بين «كورونا» والعالم، بأن تصل الإصابات اليومية وبالأخص خلال فصل الشتاء القادم، الى حوالى المليون إصابة في اليوم الواحد، وما يمكن ان يتبع ذلك من وفيات قد تصل الى حوالى الـ 10 آلاف في اليوم على الأقل، وما يحدث في العالم هذه الأيام، من عودة ثانية أو ثالثة للفيروس، لن نكون نحن بالبعيدين عنه في بلادنا، وسوف نكون جزءاً من هذا الصراع بإمكانياتنا البسيطة وفي ظروفنا الأكثر تعقيداً.
ولا أحد يستطيع في الوقت الحاضر التنبؤ بكيفية انتهاء هذا الصراع الشرس بين «كورونا» والعالم، ومن ضمنه الدول الأقوى في العالم مثل أميركا وروسيا ودول أوروبا المختلفة، التي تشهد عودة قوية للفيروس وبكل المقاييس، وما إصابة الرئيس الأميركي بالفيروس الا مثال على غموض هذا الصراع، الذي من الواضح أنه لا توجد له نهاية في الأفق، والذي ما زال يربك خطط التعليم والصحة والسفر والسياحة والاقتصاد وخطط التنمية في مختلف دول العالم، وما الإغلاقات الشاملة التي نشهدها هذه الأيام في الدول المحيطة بنا، سواء في إسرائيل أو الأردن الا دليل على عمق الإرباك والشلل الذي أصاب وسوف يصيب صناع القرار وواضعي خطط التنمية بأنواعها، وبالطبع ورغم اننا لم نصل ولن نصل الى مرحلة الإغلاق الشامل ولأسباب خاصه بنا، الا أن هذا الفيروس أصاب وبقوة ما كان يخطط له المسؤولون.
ومن الواضح أن الفيروس كسب هذا الصراع على الأقل في الوقت الحاضر، مع عودة انتشاره في معظم دول العالم، حيث انه ومع وجود إصابة غير مكتشفة أو بدون أعراض فإنها قادرة على نقل العدوى الى 3 أشخاص آخرين على الأقل، وهكذا دواليك، ومع ازدياد الإصابات الهائل في المنطقة لن يحتمل النظام الصحي في أي بلد ذلك وسوف ينهار، أو يقف عاجزاً أمام هذا الفيروس.
ورغم أن العالم يحاول انهاء هذا الصراع الشرس مع الفيروس من خلال التركيز على انتاج لقاح فعال وآمن، إلا أن توقعاتي الشخصية وتوقعات عدد كبير من الباحثين وبعيداً عن التشاؤم لا تشير الى ذلك، وبالتالي سوف يستمر الصراع مع هذا الفيروس وبقوه حتى نهاية هذا العام أو العام القادم على الأقل.
ومع هذا الصراع الذي من الواضح أنه يسير لغير صالحنا، وفي ظل هذه الصورة المتشائمة والواقعية، فإننا سوف نشهد موجات متتالية وبشكل أوسع وأخطر، أو بالأدق موجة عميقة متواصلة طويلة، تصيب معظم الناس، مع آثار متفاوتة، وهذا يدعونا الى التحضير الى التعايش مع ذلك، نفسياً وصحياً واقتصادياً وتربوياً واجتماعياً وما الى ذلك، وسوف يكون الانتشار المجتمعي للفيروس متواصلاً، وصولاً الى تحقيق نوع من المناعة المجتمعية، أي إنتاج أجسادنا الأجسام المضادة للفيروس التي تكون قادرة على الانقضاض على الفيروس ومحاصرته، ولكن الخطورة هنا تكمن في تلاشي هذه الأجسام المضادة بعد فترة قصيرة كما تشير بعض الدراسات، أو الى إحداث الفيروس طفرات وبالتالي تغيير نفسه، ومن ثم يمنع الأجسام المضادة في الداخل من التعرف عليه ومحاصرته، وحتى يقضي على فعالية اي لقاح موعود إن توفر.
وعلى الرغم من ترويج الرئيس الأميركي لبعض الأدوية لعلاج تداعيات كورونا، والادعاء انه قد تعافى من الفيروس بسببها، إلا أن العلماء والمختصين يعرفون أن أدوية الفيروسات لا تقضي على الفيروس، ولكن في أفضل الأحوال تحاصره ولفترة مؤقتة وتمنع تكاثره. وفي اللحظة التي يتوقف فيها تعاطي الأدوية، فإن الفيروس يعود وبقوة، وسوف تكون نقطة القوه الوحيدة في جانب العالم هي الوقاية، أي منع وصول الفيروس من الأساس الى خلايا الجسم، والإجراءات الوقائية في هذا الصدد باتت معروفه للجميع، سواء أكان لكبار السن أو للصغار وسواء أكانوا رجالاً أو نساء.
وهذا الصراع غير المتكافئ مع الفيروس قد قلب ما اعتدنا عليه في مجرى حياتنا خلال عشرات السنوات الماضية، فالتعليم سواء أكان تعليماً عالياً أو في المدارس تغير تماماً، سواء من حيث الشكل أو المستوى، ولن يعود الى ما كان عليه في المستقبل القريب، وأولويات الصحة، وأصبح الشغل الشاغل لدوائر الصحة في العالم هو «كورونا» وتبعاته، ومن الواضح أن الوضع لن يعود الى ما كان عليه قريبا، واستطاع هذا الفيروس أن يحطم السياحة ويغلق المطارات ويفرغ الفنادق من القادمين والمقيمين، ومن الواضح أن هذا سوف يستمر، واصبح واضحاً أن هذا الفيروس سوف يكون عاملاً حاسماً، وربما الأهم في تحديد الفائز في انتخابات الرئاسة الأميركية.
وفي ظل هذا الصراع، فسوف يكون التركيز على التعليم وبأنواعه من خلال الاستعانة بالوسائل الافتراضية ولو بشكل تدريجي، وسوف يطال هذا آجلاً أو عاجلاً التخصصات العلمية والهندسية، التي تحتاج الى مختبر ومعمل ومواد، وسوف يطال ذلك كذلك وسائل البحث العلمي وطريقه إجراء البحث وعرض أو نشر النتائج، وبدون شك أن التركيز على مواضيع علمية محددة، سواء من خلال التعليم أو البحث سوف يكون من أولويات الدول والمجتمعات المختلفة، بعيدا عن التعليم التقليدي «الوجاهي»، وبعيدا عن التخصصات الكلاسيكية.
وفي خضم هذا الصراع المرير المتواصل منذ حوالى سبعة اشهر، سوف يحاول كل طرف (أي الفيروس والعالم) اللجوء الى وسائل أخرى، وبما أن العالم سوف يواصل اللجوء الى اللقاح أو الدواء أو وسائل وقاية جديدة، فإن الفيروس سوف يلجأ الى طرق ملتوية قد تكون أشد فتكاً، ومنها التحور أو التغير، أي التغير في تركيب أو شكل جزء من البروتينات أو الأحماض الأمينية التي يتكون منها، أو بالأحرى الجينات المسؤولة عن تخليق هذه المواد الكيميائية التي تنتج البروتينات، وبالتالي إحداث الطفرة، واذا تم ذلك وربما خلال فترة قصيرة، تكون كل جهود العالم لإنتاج لقاح أو مصل أو مطعوم قد تبخرت، وفي هذه الحالة سوف يقبل الناس بالتعايش مع الفيروس كجزء من الحياة العادية، وبالتالي تحمل الخسائر والتداعيات الناتجة عن ذلك، كل حسب ظروفه وإمكانياته.