استمَعوا إليه، صفَّقوا له، لكن لم يتعاطفوا معه!

20150603075331
حجم الخط

واشنطن. كان خطاب بنيامين نتنياهو الثالث في الكونغرس الأميركي حزينا. فقد قال نتنياهو الحقيقة، ولكن القليلين استمعوا الى حقيقته. حذر من خطر حقيقي، ولكن القليلين استوعبوا الخطر. اطلق نتنياهو نداء استيقاظ مبررا، ولكن احدا لم يستيقظ. فالكارهون كرهوا كما كانوا دوما، والمعجبون اعجبوا كما كانوا دوما، ولم ينتقل أحد من جهة الى الجهة الاخرى من المتراس. والرجل الذي حاول تغيير تيار النهر التاريخي لم يحول شيئا. لم يتسبب بمصيبة، (كما قدر كثيرون)، ولكنه ايضا لم يجلب الخلاص (كما توقع البعض). خطاب نتنياهو كان وكأنه لم يكن.
السبب الاول في أن نتنياهو كف عن ترك اثر على القوة العظمى التي يسعى الى ترك أثر عليها، هو ظاهرة "ذئب، ذئب". فنتنياهو يحذر من ذئب حقيقي، ولكن الذئب اكثر ذكاء منه: فهو لا يندفع نحو القرية النائمة، بل يزحف رويدا رويدا الى داخلها. والنتيجة هي ان نداءات النجدة من الراعي البائس تعتبر نداءات نجدة هستيرية. لقد اتسعت الفجوة بين الخطر الذي يراه المحذر على الابواب وبين الحاجة العميقة للمحذرين في الا يروا الخطر. والسبب الثاني في أن نتنياهو كف عن ترك أثر على أميركا هو الحزبية. فنتنياهو يعتبر هنا في واشنطن جزءاً من جسم الحزب الجمهوري. والاحساس السائد في واشنطن هو انه اذا كان يظهر كالجمهوري، يسمع كالجمهوري، ويمول كالجمهوري – فهو على ما يبدو جمهوري. ويضاف الى ذلك تواجد شلدون ادلسون. بماذا كان نتنياهو يفكر ويقول، لو أن الرئيس براك اوباما جاء ليخطب في الكنيست يرافقه نوني موزيس (صاحب امتياز النشر في "يديعوت احرونوت"). ودانييل لوبسكي (ممول الحركة الداعية الى تغيير الحكم)؟ هذا ما يفكر به ويقوله كل ديمقراطي ليبرالي في الولايات المتحدة.
لاول مرة في التاريخ يعتبر رئيس وزراء اسرائيل لاعبا سياسيا أميركيا داخليا. ولهذا فلم يعودوا يولون اهمية لتقديراته الاستراتيجية كنبوءات غضب جدية، بل كأقوال سياسية تقف خلفها اجندة سياسية: ضرب اوباما.
ولكن السبب الاساسي في ان نتنياهو يثير في أميركا اهتماما محدودا هو حقيقة أنه يصر على الحديث عن التهديد النووي الايراني بتعابير يهودية واسرائيلية. فلا يزال في أميركا تعاطف واسع مع اسرائيل. ولكن لا يمكن لاي قوة عظمى عالمية (كالولايات المتحدة) ان تغير سياستها تجاه قوة عظمى اقليمية (مثل ايران) بسبب محبتها لحليفها (مثل اسرائيل). وحديث نتنياهو عن هامان الشرير وعن التاريخ اليهودي وعن الفخر الاسرائيلي لا تقول شيئا او نصف شيئا للسمكري جو من اوهايو. واذا لم يتحرك جو فان أميركا لا تتحرك.
ان الحجة ضد التحول النووي لايات الله يمكن ويجب أن تكون حجة كونية، تثبت لكل أميركي بان قنبلة نووية ايرانية ستعرض للخطر حريته، نمط حياته، وحياة أولاده. ولكن بدلا من طرح حجة عالمية عامة وأميركية عامة يكرر نتنياهو المرة تلو الاخرى خطابات الكارثة – متسادا خاصته، والتي تأثيرها على الوعي الأميركي جزئي. هذا هو السبب في أن الجميع استمعوا له وصفقوا له، ولكنهم لم يتعاطوا معه بجدية. فالبلاد لم تعصف، والارض لم تهتز، ومحاولة احداث تغيير حقيقي لم تنجح. نتنياهو جاء، تحدث، واختفى.
يحتمل أن هكذا ايضا سيذكر التاريخ رئيس الوزراء المنصرف: نتنياهو جاء، تحدث واختفى. سبب وجود ولايته الثانية والثالثة كان ايران. ولكن في كل ما يتعلق بايران كان نتنياهو محقا، ولكن نتنياهو لم يكن حكيما. في كل ما يتعلق بايران، قال نتنياهو الحقيقة وفشل نتنياهو. اذا ما خسر الحكم في 17 اذار – فان كل ما سيخلفه وراءه سيكون خطابات كونغرس مسرحية لم ترفع ولم تنزل ولم تغير شيئا.

عن "هآرتس"