حذارِ من الاستعجال

عوكل
حجم الخط

أسبوعان على الهبّة الجماهيرية التي اندلعت أول الشهر وفي اليوم التالي لخطاب الرئيس محمود عباس في الأمم المتحدة، والبعض لا يزال يجادل في أسباب هذه الهبّة ويتوه الغالبية عند الحديث عن تداعياتها ومآلاتها.
من المناسب أن يعرف العالم كله أن الاحتلال الإسرائيلي هو المسؤول الأوّل ودائماً عن نكبات الشعب الفلسطيني، الذي لم تفلح كل المؤامرات في إلغاء وجوده وتغييبه عن الخارطة. ولكن من المناسب، أيضاً، أن يعرف العالم كله أن الضحية الفلسطيني الذي يدافع عن نفسه وحقوقه، لا يمكن أن يستكين أو يهدأ أو يتهاون في النضال من أجل مقاومة الاحتلال والظلم، ولانتزاع حقوقه الوطنية طالما ظلت العدالة الدولية غائبة عن الوعي.
لا ينبغي أن يخجل الفلسطيني من أن هذه الهبّة، جاءت تزامناً مع خطاب الرئيس، لإضفاء مصداقية وجدية على ما احتواه الخطاب وكرسالة تحذير إلى كل الأطراف ذات الصلة بدءاً بإسرائيل مروراً بالعرب وأهل الإقليم والمجتمع الدولي، وتفيد بأن الشعب الفلسطيني لم يعد لديه ما يخسره، وتجفّفت قدرته على الصبر.
الهبّة التي لا تريد لها القيادة الفلسطينية أن تتصاعد إلى الانتقال للانتفاضة، تنطوي رسالتها على فرصة لكل الأطراف لكي تفكر وتعيد حساباتها وأولوياتها التي انحرفت عن الاهتمام بالقضية الفلسطينية، ولأن يفكر أصحاب المصالح في كيفية الحفاظ على مصالحهم في هذا الإقليم المضطرب.
الهبّة تريد أن تؤكد للعالم كله وبالملموس ما أعلنه الرئيس في خطابه من أن القضية الفلسطينية هي مفتاح الحرب والسلام في هذه المنطقة، وأنها جوهر الصراع، وسيندم أيّما ندم، كل من يتجاهل هذه الحقيقة التاريخية.
على كل حال، من الواضح أن الهبّة الشعبية على محدوديتها بما أنها تقع في مناطق «سي»، و»بي»، التي تتحمل المسؤولية عنها قوات الاحتلال، هذه الهبّة حقّقت إنجازات أولية لا ينبغي تجاهلها.
أولاً: أسقطت هذه الهبّة التي تشكل تواصلاً مع ما قبلها مقولة العجوز الصهيوني شمعون بيريس الذي قال ذات يوم «إن الفلسطينيين الكبار يموتون، والصغار ينسون». لا شكّ أن بيريس يصاب بالإحباط عندما يشاهد الشباب الفلسطيني، وهو يتحدى بصدور عارية إرهاب الاحتلال ومستوطنيه.
ثانياً: أسقطت هذه الهبّة، كل الذين اعتقدوا بأن القدس قد ضاعت، والتهمها التهويد والاستيطان وأنها استقرت كعاصمة أبدية موحدة لإسرائيل. معركة القدس مفتوحة على اتساعها، والتحدي فيها صعب ومكلف للاحتلال، فإذا كانت محسومة لصالح الاحتلال فلماذا إذن ينتشر فيها الجيش، ولماذا يجري تطويق الأحياء العربية، ولماذا هذا الجنون الإسرائيلي إزاء ما يجري فيها؟
ثالثاً: أكدت الهبّة الشعبية، فشل المشروع الإسرائيلي المتمثل في السلام الاقتصادي، إذ لم تجد نفعاً كل التسهيلات التي يقدمها الاحتلال، بغرض خلق مصالح للسكان مرتبطة بالاحتلال. الشبان الذين يتقدمون نحو قوات الاحتلال والمستوطنين بإمكانهم، أن يذهبوا للعمل في إسرائيل، وأن يحصلوا على مردود مالي، لكن الأمر يختلف حين يتعلق بالحقوق والمصالح الوطنية للشعب.
رابعاً: هذه الهبّة، تحمل رسالة واضحة، نعتقد أنها وصلت لكل مستوطن، ولكل مسؤول، وهي أن المستوطنين لا يمكنهم أن يستقروا على هذه الأرض، أو أن يتمتعوا بالحدّ الأدنى من السلام والسلامة والراحة، طالما أنهم يقيمون على ارض يستولون عليها بقوة الارهاب والبطش.
خامساً: إن الشعب الفلسطيني موحد على حقوقه، والإشارة تذهب أساساً إلى أن الفلسطينيين في الأراضي المحتلة منذ العام 1948، هم جزء فاعل في معركة التحرير، وهم يتكفلون بأن هذه المعركة ستدخل إلى قلب المجتمع الإسرائيلي. لا يمكن لإسرائيل أن تظل تدير معاركها الاحتلالية خارج الأراضي التي احتلتها عام 1948، وبأن يظل المجتمع الإسرائيلي محيّداً، لأنه لا يشعر بنتائج الصراع الذي تديره حكومتهم.
إذا كانت هذه بعض النتائج الأولية للهبّة الشعبية، فإننا نحذّر من الاستعجال في استثمارها، خصوصاً في ظل تردّد الرباعية الدولية، التي أجلت زيارة وفدها بطلب من نتنياهو وبالرغم مما يقال عن زيارة سيقوم بها وزير الخارجية الأميركية الذي تتبنى بلاده السياسة الإسرائيلية بالكامل.
نحتاج إلى رسالة أخرى لدعم رسالة الهبّة الشعبية، ومضاعفة مفاعيلها على مختلف الصعد، وهذه الرسالة تتصل بالمصالحة الفلسطينية، وهي رسالة تضرب في العمق السياسة الاحتلالية، ومن شأنها مبدئياً أن ترفع مستوى الحماس والمشاركة الشعبية، فضلاً عن معانيها وأبعادها الأخرى، هذه من نوع الرسائل التي تضفي جدية عالية، وتؤكد مصداقية خطاب الرئيس.