يديعوت: الشباب الفلسطيني يكره إسرائيل لكنه لا يحترم السلطة الفلسطينية

فلسطين تنتفض
حجم الخط

كتب أليكس فيشمان محلل الشؤون العسكرية في صحيفة يديعوت أحرونوت تحليلاً سياسياُ قال فيه إن هذه الانتفاضة يقودها الشباب في أعمار العشرين فأقل، وقد أطلق فيشمان على هذه الانتفاضة اسم (انتفاضة الشباب)، وأن الدافع الرئيس وراء قيادة أولئك الشباب لهذه الانتفاضة هو عدم وجود أي أمل في الأفق بسبب قلة الوظائف وارتفاع معدلال البطالة.

 ويقول فيشمان إن هؤلاء الشباب لا تهمهم دعوات التهدئة من الرئيس أبو مازن ورجال أجهزة أمنه وتهديدات إسرائيل لا تؤثر على الميدان على نحو خاص، وذلك لأن هؤلاء الشباب خرجوا ليركلوا المؤسسات – الفلسطينية والإسرائيلية. 

ويضيف فيشمان صحيح أنهم يطعنون إسرائيليين، ولكنهم يحتقرون السلطة.

وإلى نص التحليل:

لا حلاً هادئا ومنطقيا لـ«انتفاضة الشباب» الجارية هنا منذ نحو شهر. وبقدر ما يبدو هذا سيئا، فإن موجة الإرهاب الحالية لا يمكن إيقافها إلا بالقوة، وبكثير من القوة. فلا يدور الحديث عن احتلال الضفة أو فرض إغلاق عام على المناطق. هذه النار سيكون ممكنا خنقها بواسطة إغراق الميدان بالقوات، التواجد الدائم في مراكز الاحتكاك وفي المواقع الحساسة، اعتقالات واسعة للمخلين بالنظام والعقاب الشديد، بما في ذلك لأهالي القاصرين المشاركين في أعمال العنف. مثابرة سيزيفية (عابثة) على مدى الزمن، بهذه الخطوات من القوة كفيلة في نهاية المسيرة بأن تخنق النار – ولكنها لن تطفىء الجمر المتقد الذي سيعود لينفجر في كل مرة يوفر له أحد ما أبخرة الوقود.

هذه الانتفاضة يقودها شباب وشابات أبناء عشرين فأقل، يخرجون إلى الميدان لقتل اليهود. إمكانية أن يقتلوا هم أنفسهم لا تؤدي لديهم دورا مركزيا، إذ أن الاحتمال في أن يصبحوا أبطالا وطنيين وينالوا تقدير المحيط يسحرهم أكثر. من الجهة الاخرى، عندنا، يجدون صعوبة في قبول حقيقة أنه لا يمكن أن نقطع، دفعة واحدة، اندلاع الخواطر، الكراهية والغضب لشريحة الشباب والشابات هذه في المجتمع الفلسطيني. صعب علينا أن نستوعب بأن الحديث لا يدور «فقط» عن انفجار على خلفية ضائقة سياسية، ستختفي إذا أجبرنا السلطة الفلسطينية على إصدار الأمر لهم بالتوقف، أو إذا توصلنا إلى اتفاق ما مع «أبو مازن» على استئناف المحادثات.

كما أن حلا ما حول مسألة الحرم لن يضمن الهدوء الفوري وذلك لأن «انتفاضة الشباب» أخرجت إلى الشارع، حاليا، مجرد تمثيل عن جيش (المخربين) الهائل الذي يعيش في المناطق. فالحديث يدور عن مئات آلاف الشباب، معظمهم متعلمون، قسم لا بأس به منهم أكاديميون، لا يعملون، يسيرون سئمين، مسممين، بلا أي أمل في الأفق. وتشير الإحصاءات الجافة إلى 31.4% من أوساط الشباب في السلطة الفلسطينية ممن لا يوجدون في أي اطار، ولكن المعدل الحقيقي على ما يبدو أعلى. أولئك الاكاديميون، ممن لم ينجحوا في الانخراط في وظائف مناسبة في السلطة، يعملون في الزراعة وفي البناء، مما يزيد إحساس العدم في حياتهم. وهذا الدمل، الذي ينضج منذ سنين، يتفجر الآن في شوارعنا.

في هذه الأثناء تحاول (إسرائيل) والسلطة الفلسطينية أن تمنع انضمام دوائر أوسع إلى موجة العنف. ولهذا يتواصل منح تصاريح الدخول للعمل في (إسرائيل)، يتم الامتناع عن فرض عقوبات اقتصادية على الضفة، لا تنصب حواجز ولا تفرض إغلاقات وحظر تجول. والميل هو لخلق فصل بين المشاغبين وبين باقي السكان في الضفة.

الطاعنون والقتلة الذين يغرقون الشوارع ليسوا غريبي الأطوار من هوامش المجتمع. فهم يكاد يكونون كلهم تحت سن العشرين، تلاميذ ثانوية وطلاب، دون ماضٍ أمني. وإهمال السنين في السلطة الفلسطينية والتجاهل الإسرائيلي خلقا هذه القنبلة. لا تهمهم السلطة – التي أخذت المليارات التي تلقتها من العالم في صالح تسمين الجهاز الإداري وأجهزة الأمن كي تحافظ على ولائهم. وهم لا يخرجون إلى الشارع كي يطعنوا بسبب المشاكل السياسية الاقليمية. صحيح أن المس بالكرامة الوطنية في الحرم هو سبب مركزي للأحداث، ولكن هذا يشكل لهؤلاء الشباب بالأساس دافعا خلفية يدفعهم إلى الانفجار على أفراد الشرطة، على الجنود وعلى المواطنين الإسرائيليين. هذا يبدأ في أن يبدو مثل عمليات التضحية، إذ أن نحو 50% فقط من بين القتلة الشباب يبقون على قيد الحياة. الشباب الفلسطينيون في 2015 لا يشبهون الأجيال السابقة. فهم أكثر وعيا بكثير لقدراتهم، لحقوقهم، للدعم الدولي لكفاحهم. ودعوات التهدئة من «أبو مازن» ورجال أجهزة أمنه وتهديدات (إسرائيل) لا تؤثر على الميدان على نحو خاص، وذلك لأن هؤلاء الشباب خرجوا ليركلوا المؤسسات – الفلسطينية والإسرائيلية. صحيح أنهم يطعنون إسرائيليين، ولكنهم يحتقرون السلطة.

هذه الظاهرة جيش الشباب العاطلين عن العمل معروفة جيدا في الميدان. فمنذ سنين والمهنيين في جهاز الأمن يتابعوها، يكتبون عنها، يحذرون منها ولكن أحدا – لا في (إسرائيل) ولا في السلطة – فعل شيئا في هذا الشأن. فمطلوب هنا سياق طويل المدى، مع استثمارات طائلة، ومن في الشرق الأوسط لديه الزمن لأن يستثمر في سياقات طويلة المدى؟

لهذا الجيش الكثير من القوة. أكثر من 200 ألف طالب يتعلمون في المؤسسات الأكاديمية في غزة وفي الضفة. وفي كل سنة يتخرج 40 ألف طالب. معظمهم أن لم يكونوا كلهم لن يحققوا حلمهم. آلاف قلائل سيجدون عملا في السلطة. أما الاخرون فسيكتفون بالأعمال السوداء مقابل رواتب جوع. وأغلبهم لن يفعلوا أي شيء.

نحو 36% من الشبيبة في الضفة هم متعلمون ثانويون فما فوق. لـ 11% منهم على الاقل يوجد شهادة جامعية أولى. في غزة مستوى التعليم العالي أعلى: 45% هم من الحاصلين على شهادة الثانوية فما فوق، ولدى أكثر من 14% توجد شهادة جامعية أولى. أما في الضفة فنحو 30% من المجموعة العمرية 19 – 24 عاطلون عن العمل. في غزة يصل معدلهم إلى 63%.

هذه المادة المتفجرة المعتملة لا يمكن وقفها دفعة واحدة. ولها آثار شديدة ايضا على المجتمع الفلسطيني. الجريمة في هذا المجتمع، ولا سيما في غزة، تصل إلى حجوم لم يشهد لها مثيل في الماضي في الحجم وفي الشدة. وفي الخطاب الذي القاه نتنياهو في الكنيست أمس – والذي دعا فيه الجمهور العربي ليرى آثار «الربيع العربي» في الدول المجاورة مقابل وضعه الرائع هنا – يدل على أن رئيس الوزراء ومحيطه لا يستوعبون، بل ولا يهمهم، ما يحصل حقا في المجتمع الفلسطيني. أحد السيناريوهات لاندلاع انتفاضة عامة في الميدان، والذي تدرب عليه الجيش مؤخرا، يصف انفجارا كنتيجة لإرهاب أفراد بحجوم كبيرة وبشدة لم نشهدها بعد، ولكننا بالتأكيد في الاتجاه.

وعليه فإن الكبح الفوري، بالقوة، واجب. ومن أجل كبح ما يجري في المناطق يجب وقف موجة أعمال الشغب والطعنات المتصاعدة في أوساط عرب (إسرائيل). وهنا يوجد لـ(إسرائيل) روافع ضغط وقدرة تأثير أكبر. إن وقف الاضطرابات في الوسط العربي سيسمح بتحويل آلاف افراد الشرطة نحو القدس وغلاف القدس. نحن بحاجة لهم هناك من أجل منع اشتعال اقليمي.