قنبلة موقوتة على وشك الانفجار

حجم الخط

بقلم صبري صيدم 

 

قدّم البنك الدولي قبل أيام أمام مجموعة أتلانتيس المكونة من مختصين في قطاع التعليم من دولٍ مختلفة، تقييماً مقلقاً حول واقع التعليم في العالم بأسره، في ظل تصاعد الإصابة بفيروس كورونا، ووقوف البشرية عاجزة أمام توفير اللقاح المناسب، رغم الادعاءات المختلفة لبعض الزعماء بابتكار بلادهم لعلاجات مزعومة.

وتشير الأرقام العالمية، إلى أنه وقبل أزمة كورونا فإن 53% من الأطفال حتى سن العاشرة لم تكن لديهم القدرة على قراءة أبسط النصوص وفهمها، لترتفع هذه النسبة الآن وبعد انتشار الوباء إلى ما يعادل 63% من أطفال العالم. وتحتل دول جنوب الصحراء وافريقيا موقع الصدارة بواقع 87%، ليتبعها الشرق الأوسط وشمال افريقيا بواقع 63%.

ومع اضطراب المسيرة التعليمية في العديد من الدول، فإن الواضح وحسب البنك الدولي، أن 10 ملايين طفل إضافيين، لن يستطيعوا العودة مطلقاً إلى مدارسهم بعد الجائحة، بسبب تبدل أولوياتهم وانتقال العديد منهم نحو سوق العمل، لسد رمق أسرهم، أو التسول لضمان توفير احتياجات عائلاتهم، بعد ما أحدثته الجائحة من نكبات اقتصادية حول العالم. ومع غياب 10 ملايين طفل عن مدارسهم عالمياً، فإن الأثر الاقتصادي الهدام جراء هذا الغياب سيصل إلى 10 ترليونات دولار خلال الأعوام المقبلة، وهو ما يوازي 8% من العائدات الاقتصادية السنوية للعالم بأسره. ورغم تبني معظم دول العالم لمفاهيم التعلم عن بعد، إلا أن اضطراب التدريس وعدم موثوقية خدمات التعليم عن بعد، وانعدام الإنترنت المنتظم في معظم مدارس العالم، أو غيابها بالكامل، قاد إلى تدني مستويات التعليم ونسب التحصيل العلمي، والكفاية الأكاديمية بين 20% من الطلبة الأكثر فقراً حول العالم.

“لقد ساهم الفقر والتخلف وتحكم القيادات الجاهلة حول العالم بمصائر الناس في تغذية الإخفاق في زمن كورونا “.

وفي مقارنة واضحة أجراها البنك الدولي بين بلجيكا وبنغلاديش، فقد اتضح الفارق المهول في الإمكانيات من حيث انتشار الإنترنت وتوفرها، وموثوقية الخدمات التعليمية وطبيعتها، لكن المفارقة الصادمة بالنسبة لبنغلاديش ارتبطت بحقيقة أن الخدمات التعليمية عن بعد، والمتمثلة بالقنوات التدريسية المتلفزة قد اتيحت وفق إمكانات الدولة لـ21% فقط من الطلبة وأن 2% فقط من هؤلاء يستخدمونها، بينما يرفض البقية ارتياد تلك القنوات، ويصرون على العودة للتعليم فور عودة التعليم التقليدي للانتظام. وفي حال انتظام العملية التعليمية عالمياً فإن أعداداً كبيرة ستعتبر أن قطار التعليم قد فاتها عمرياً، أو أن التحصيل العلمي لم يعد من أولوياتها، وفق ما أسلفنا ذكره، من أسباب وصولاً إلى دخول البعض إلى عالم الجريمة المنظمة، أو التسلح الموجه لخدمة تجار المخدرات، أو الصراعات المرتقبة، رغبة في الارتزاق والتكسب. إن ما ساقه البنك الدولي من أرقام يعد غاية في الخطورة، وهو ما لا أريد الاستمرار في ذكره، تجنباً للإمعان في ذكر مآسي عصر كورونا الظالم، وما حمله من نكبات ومصائب، ورغبة مني بإعفاء القارئ من كثافة المنغصات والزلازل المعنوية، التي تجتاح البشرية. لقد ساهم الفقر والتخلف وتحكم القيادات الجاهلة حول العالم بمصائر الناس إلى تغذية الإخفاق في زمن كورونا، خاصة مع تولية مسؤولية إدارة شؤون الدول وماكناتها التعليمية للهواة والحالمين، من دون الاكتراث لضعف ما يملكونه من خبرة وقدرة على مواجهة الأزمات، بل إن هؤلاء وجموع المتندرين سابقاً على التعليم عن بعد، الذين جاهروا بعدم اقتناعهم بدور التكنولوجيا في تطوير المسيرة الأكاديمية للأمم، قد استتروا الآن وصمتوا واحتجبوا، من دون أن يعترفوا بفشل مدارسهم التقليدية المتكلسة، حتى أن البعض قد يلجأ اليوم إلى استسهال إلقاء اللوم على من سبقه، من دون الاعتراف بفشله وسقوطه المريع.

إن انهيار التعليم اليوم عالمياً، إنما يشكل قنبلة موقوتة، لا بد أن تنفجر خلال فترة وشيكة، ما لم يتدخل العالم بأسره لإنقاذ ذاته من التهلكة، بفعل برامج تصحيحية عاجلة، وقرارات سيادية واضحة، ومنظومة قوانين قاطعة توفر مالاً مستعجلاً وتدفقاً سهلاً للخطوات الجراحية التعليمية المطلوبة، وصولاً إلى خطة تعليمية دولية شاملة. إن أثر كورونا على التعليم وما يصحب ذلك من قنبلة موقوتة، ليفوق في أثره في البشرية تبعات الحربين العالمية الأولى والثانية، فهل تستفيق البشرية اليوم قبل فوات الآوان؟