كشف "رويتر" دعوة السعودية الدول السنية بمنطقة الشرق الأوسط إلى تنحية الخلافات بشأن «الإسلام السياسي» جانبا، والتركيز على ما تعتبرها تهديدات أكثر إلحاحا من إيران وتنظيم «داعش»، واستغل العاهل السعودي الجديد، الملك سلمان بن عبدالعزيز، لقاءات قمة مع زعماء الدول الخمس أعضاء مجلس التعاون الخليجي والأردن ومصر وتركيا على مدار الأيام العشرة الماضية، لتأكيد الحاجة إلى الوحدة والبحث عن سبيل لحل الخلافات بشأن جماعة «الإخوان المسلمين».
ويقول دبلوماسيون إن «انعدام ثقة السعودية العميق في جماعة الإخوان لم يتغير، لكن نهج الملك سلمان في التعامل معها أقل حدة من نهج سلفه الملك عبدالله، الذي توفي، في يناير الماضي، وقد يشتمل على مزيد من التسامح مع الحلفاء الذين يتيحون مجالا لأعضائها لممارسة أنشطتهم».
وذكر دبلوماسي عربي في الخليج: «ربما تعتقد السعودية أنه إذا كانت العلاقات بين السنة جيدة فإنه سيكون بمقدورنا مواجهة هذا، سلمان يحاول توحيد العالم السني، وتنحية الخلافات بشأن (الإخوان المسلمين) جانبا».
إن هم الرياض الأكبر هو إيران الشيعية فقد زادت مخاوفها من صعود نفوذ عدوتها الرئيسية بالمنطقة، في الآونة الأخير، في ظل سيطرة الحوثيين المتحالفين مع طهران على أجزاء كبيرة من اليمن، وتقديم قادة إيرانيين المساعدة لفصائل شيعية تقاتل في العراق.
كما تتزايد احتمالات إبرام اتفاق بين القوى العالمية وإيران بشأن برنامج طهران النووي وهو ما قد يخفف الضغوط على الجمهورية الإسلامية، وراقبت السعودية الموقف بقلق، بينما سعت الولايات المتحدة للتوصل إلى اتفاق مع طهران.
وأكد وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، للمسؤولين السعوديين، أنه لا يسعى إلى «صفقة كبيرة» مع إيران لكن مخاوف الرياض إزاء التزام واشنطن تجاه المنطقة على الأمد الطويل، هي الأساس وراء رغبتها في مزيد من الوحدة العربية.
ويمثل تنظيم «داعش» مصدر القلق الثاني للرياض، ودعا التنظيم السعوديين لتنفيذ هجمات داخل المملكة، وهاجم بعض من المتعاطفين معه قرية يغلب على سكانها الشيعة، في نوفمبر الماضي، فقتلوا 8أشخاص.
وتخشى الرياض من أن ينجح التنظيم من خلال رسائله الإعلامية القوية، ونهجه المتشدد في استقطاب شبان سعوديين ساخطين، لكن في مسعى المملكة نحو وحدة أوسع في العالم العربي إزاء قضية «الإسلام السياسي» يتعين عليها أن ترأب صدعا عميقا بالمنطقة، وهي تبذل جهودا فتتنقل بين الدول السنية التي تقبل بوجود جماعة «الإخوان» مثل قطر وتركيا وتلك التي تصنفها جماعة «إرهابية» على غرار الرياض مثل مصر والإمارات، وحالت هذه الخلافات دون تشكيل استجابة معقولة لمواجهة الأزمات الإقليمية فقد خرجت محاولات للتعامل مع المشكلة تلو الأخرى عن مسارها لتتحول إلى مشاحنات بشأن «الإسلام السياسي».
وصورت الاجتماعات المكثفة التي أجراها الملك سلمان على أنها فرصة للعاهل الجديد لمناقشة الأحداث مع زعماء المنطقة بمزيد من التفصيل عما كان متاحا حين ذهبوا إلى الرياض لتقديم العزاء بعد وفاة الملك عبدالله.
لكن في حين أن الملك سلمان لم يسع بصورة مباشرة إلى تكوين كتلة سنية جديدة أو الضغط على الدول التي تتبنى مواقف مختلفة من جماعة «الإخوان» لتكون أكثر مرونة فإنه ترك احتمال تحسين العلاقات من أجل مزيد من الوحدة مفتوحا.
وقال الدبلوماسي العربي إن «العاهل السعودي في اجتماعه مع الرئيس عبدالفتاح السيسي على سبيل المثال لمح إلى أن الرياض قد تنعش علاقاتها مع دول أخرى»، في إشارة على ما يبدو إلى تعزيز العلاقات مع تركيا، لكنه أكد للسيسي، الذي كان حليفا وثيقا للملك الراحل عبدالله، أن «أي محاولات لتقويض أمن مصر من أي مكان خط أحمر بالنسبة للسعودية، وأن أي خطوات جديدة تتخذها الرياض لن تكون على حساب القاهرة».
ولا يتوقع أحد تغيرات كبيرة في موقف السعودية من جماعة «الإخوان»، التى تمثل مصدر قلق للرياض، التي ترفض مبدأ المبايعة على السمع والطاعة الذي تطبقه الجماعة واجتماعاتها السرية، وصنفت الرياض «الإخوان» جماعة «إرهابية» قبل عام وتعاقب من تثبت عضويته لها بالسجن لفترات طويلة، ويقول دبلوماسيون عرب وغربيونومحللون إن احتمالات أن «يتغير هذا الوضع لا تذكر»، لكن قلق الملك سلمان من دور «الإخوان» في أجزاء أخرى من الشرق الأوسط مثل حزب «الإصلاح» في اليمن أو بين جماعات المعارضة السورية المسلحة أقل من قلق الملك الراحل عبدالله إزاء الجماعة.
كما أن لديه استعدادا أكبر للسماح لـ«الإخوان» بلعب دور خارج الساحة السياسية فهو على سبيل المثال لا يمنع رجال الدين المرتبطين بالجماعة من إلقاء خطب عن القضايا الدينية أو الاجتماعية.
وظهر أحد المؤشرات على نهج الملك سلمان الأكثر براجماتية خلال مؤتمر عقد في مكة، الأسبوع الماضي، جمع كبار رجال الدين السنة وكان
بينهم مفتي السعودية وشيخ الأزهر.
وأشار سعوديون مطلعون إلى أن رابطة العالم الإسلامي هي التي استضافته وهي كيان أنشئ في الرياض في الستينيات لبناء كتلة إسلامية في مواجهة الأيديولوجيات العلمانية المتشددة واستغلت في الثمانينيات لتقوية السنة في مواجهة إيران إبان الثورة الإسلامية، وفي عهد الملك عبدالله لم تحظ بدعم كبير بسبب علاقاتها التاريخية مع الإخوان لكن الملك سلمان يبدو مستعدا الآن لاستخدامها مرة أخرى كأداة لبناء وحدة سنية، ومن بين المندوبين الذين وجهت الدعوة إليهم عضو كبير في جماعة مقرها الدوحة تربطه صلات وثيقة بـ«الإخوان»، وغادر كل الزعماء الذين اجتمع بهم بالرياض وهم واثقون على ما يبدو في أن علاقاتهم بالملك الجديد ستكون قوية.
ونقلت صحيفة «حريت» التركية عن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قوله بعد اجتماعه بالعاهل السعودي إن العلاقات مع المملكة تتحسن على ما يبدو، وأضاف: «زادت آمالي في أن تتحسن علاقاتنا الثنائية كثيرا»، لكن هذا لم يحركه باتجاه المصالحة مع مصر، إذ قال إن «القمع السياسي قد يسبب انفجارا» وهي اللهجة التي تغضب القاهرة.