بقلم: غيدي فايس
عند تعيينه مستشارا قانونيا للحكومة وعد افيحاي مندلبليت الشخص المحبب عليه، رئيس المحكمة العليا والمستشار السابق، مئير شمغار، بأنه سيباشر وظيفته بقلب نقي من الغضب ومن شهوة الانتقام ضد من وقفوا خلف التحقيق معه تحت التحذير في قضية «هرباز». وكان من المشكوك فيه أن يكون بإمكانه الوفاء بهذا الوعد غير الانساني بكامله. فقد كان لمندلبليت ما يعتمل في صدره على عدد من المشاركين في القرار، ومنهم المدعي العام للدولة، شاي نيتسان. وكان على قناعة في حينه، وكما يبدو الآن ايضا، بأن هدف التحقيق كان منع تعيينه. وحسب رأيه، حيكت مؤامرة ضده كان مشاركا فيها ايهود باراك ومن سبقه يهودا فينشتاين وشخصيات كبيرة في وزارة العدل، ممن تطلعوا نحو الجلوس في مكتب المستشار، ومراسلون يهتمون بمصالحهم. ايضا قال إنهم حاكوا قضية ضده.
في التسجيلات التي سمع فيها مندلبليت يتباكي امام نفيه وهو يصف نيتسان بأقذع الاوصاف، امتنع مندلبليت بشكل متعمد عن القول بأن القضية ضده أُغلقت بسبب انعدام التهمة، وأنه «يمكنه إمساكه من عنقه»، وهي تكشف خللا في تقديرات المستشار. من تم انتخابه ليترأس جهاز انفاذ القانون الذي بوسعه تنغيص حياة الاشخاص وتغيير مسار حياتهم وحرمانهم من حريتهم، وما كان يجب عليه أن يغرق بهذا القدر في قضاياه الشخصية وأن ينشغل بما كتب عنه في أحد مراكز الشرطة، وبالتأكيد ليس بعد أن تمت تبرئته فعليا عند تعيينه في هذه الوظيفة. إن توقع أن مرؤوسيه سينشغلون بذريعة اغلاق الملف لا أساس له، وكان نيتسان على حق عندما رفض المس بالملف منذ أصبح مندلبليت رئيساً له.
المقلق أكثر في التسجيلات التي كشفت في «أخبار 12» هو علاقة المستشار مع العقرب نفيه. الناشط الحزبي الطموح، المريب والقوي، الذي جند مكتب المحامين من اجل المرشح مندلبليت، حافظ منذ ذلك الحين على علاقة قريبة مع الرئيس الموجود في القمة، والتي تضمنت وجبات عشاء زوجية وكذلك تسجيلات في الخفاء.
في العام 2017 بعد فترة قصيرة من تفجر قضايا الآلاف، تحدث معي مصدر كبير في «الليكود»، وأخبرني بأنه التقى مع نفيه في حفل زفاف. وحسب اقوال هذا المصدر فان رئيس المكتب قام بتهدئته. «قال لي إن مندلبليت قال له بأن الملفات ستنتهي دون أي شيء». توجهت للمتحدث باسم وزارة العدل وطلبت رده. وقد نفى بشدة بأن المستشار أشرك جهة خارجية في تفكيره حول ملفات نتنياهو.
في تلك الفترة اشارت خطوات مندلبليت الى وجود ثقة محدودة جدا بالملفات: احتفظ بتسجيلات نتنياهو – موزيس طوال شهور كثيرة، وتردد فيما اذا كان يجب التحقيق مع نتنياهو في ملف 2000، ورفض طلب قائد «الوحدة القطرية للتحقيق في قضايا الفساد»، كورش برنور، للتحقيق مع رئيس الحكومة وزوجته في الوقت ذاته في الملف 1000، وتدخل بصورة غير عادية في عمل المحققين، بما في ذلك محاولة الغاء اسئلة ارادوا توجيهها للشهود والمشبوهين.
المدعي العام للدولة، نيتسان، أيد كل هذه القرارات، وفرش فوق رأس المستشار مظلة جوية. في الشرطة وفي النيابة العامة كان هناك في حينه من غضبوا من نيتسان، الذي لا يقوم بمحاربة مندلبليت ويمارس مقاومة بالحد الادنى للرياح المتجمدة التي هبت من جهة مندلبليت.
من عرف نيتسان يعرف أنه يعمل مرة اخرى طبقا لشخصيته: ميل اوتوماتيكي تقريبا للتوافق مع رئيسه. وكما أيد فاينشتاين عندما قرر التحقيق مع مندلبليت تحت التحذير، هكذا قام بتأييد مندلبليت عندما مال هذا نحو نتنياهو. بعد ذلك، عندما اقترب موعد تركه للوظيفة، بسط نيتسان جناحيه وأوصى بتقديم نتنياهو للمحاكمة على قضايا فساد في ثلاثة ملفات. تبنى مندلبليت فقط ثلث توصيته في ملف 4000.
لهذا، فان ادعاء زمرة نتنياهو أنه يوجد هنا الاثبات القاطع بأن نيتسان قام بابتزاز مندلبليت بهدف أن يسقط عن طريقه رئيس الحكومة، المكروه على النخبة القضائية، وكل هذا من اجل شق طريقه نحو المحكمة العليا، هو ادعاء موثوق وجدي تقريبا مثل الادعاء بأن «كورونا» هي انفلونزا بسيطة. الحقيقة هي أن اعضاء الزمرة يرفضون استيعاب أن مندلبليت ونيتسان قدموا لنتنياهو تسهيلات طوال الوقت: بدءاً بالبيان غير العادي الذي اصدراه بأنه غير متهم في قضية الغواصات حتى قبل أن يتم التحقيق في القضية بعمق، مرورا بتأخير البدء في التحقيق في الملف 4000، وانتهاء بالغاء ملف الاسهم الذي كانت هناك معلومات اولية عنه لدى الشرطة من العام 2017 وقبل أن تبدأ ساعة التقادم بالدق.
مندلبليت، الذي وصل الى وظيفته بفضل نتنياهو مع شك داخلي تجاه قسم التحقيقات مع الشرطة وتجاه النيابة العامة، مر بانقلاب في علاقته معهم، بالاساس مع رئيس الحكومة.
فعليا حدث التغير النوعي في بداية 2018 عندما اطلع للمرة الاولى على اجزاء المقدمة في ملف 4000: المراسلات الفظة بين شاؤول الوفيتش ومدير عام «واللاه»، ايلان يشوعا، وشهادات شلومو فلبر وشخصيات كبيرة في وزارة الاعلام. كل ذلك روى قصة ثقيلة عن جهة تنظيمية سيطرت كما يبدو على وسائل الاعلام مقابل لفتات حكومية تبلغ قيمتها مئات ملايين الشواكل. مندلبليت المندهش حتى اليوم من قدرة نتنياهو الهائلة أدرك في حينه فقط أنه كان يتعامل مع شخص مصاب بالفساد العميق.
هذه الحقائق لن تغير أي شيء لدى اعضاء الزمرة في السياسة وفي الاعلام: سيواصلون ترديد المؤامرة التي ولدت في بلفور. بهذيانهم، المدعي العام النظامي والموالي للرؤساء في الواقع، هو اخطبوط متعدد الاذرع، قام بامساك المستشار القانوني للحكومة من خصيتيه، ووجه مسدسا الى رأسه وأجبره على الكذب على نفسه وتقديم لائحة اتهام ضد درايفوس الجديد. آلية دفاعهم هي الاسقاط: سيواصلون وصف جهاز انفاذ القانون كمنظمة اجرامية، في حين أنهم هم انفسهم يتصرفون كمنظمة اجرامية.
التعبير الأكثر وضوحا على ثقافة المافيا التي تسيطر هنا هو أن رئيس الائتلاف، ميكي زوهر، هدد، أول من أمس، مندلبليت بأنه إذا لم يقم بإغلاق ملفات نتنياهو بتقديم استقالته، فسيتم استلال تسجيلات اخرى ضده. جهاز عقلاني لانفاذ القانون كان سيفتح تحقيقا ضد زوهر بتهمة الابتزاز من خلال التهديد، في غضون ساعات. ربما كان هذا تحقيقا قصيرا سيقود الى لائحة اتهام وادانة مؤكدة بشأن زيادة وحشية الحكم. ولكن آلة الحرب لنتنياهو سبق وحققت التأثير المجمد: على رأس النيابة العامة يقف الآن اشخاص أصبح الدفاع موقفهم الاساسي، وهم ينتظرون بخوف الانفجار القادم الذي سينزل على رؤوسهم، ويتابعون باستحواذ حملات الصيد والتشويه ضدهم، ايضا في مواقع انترنت خفية.
يبدو أنهم في هذه المرة سيتعافون وسيطبقون القانون ضد زوهر بسرعة.
البقية ستأتي: نفيه، الذي يتصرف مثل حيوان جريح، قال لعدد من الاشخاص بأن لديه تسجيلات اخرى، تضر أكثر، لمندلبليت، في هذه الاثناء هو يحتفظ بها. ربما أن عددا منها يحتوي على رأي المستشار، موديل 2017، عن الاشخاص الذين ُيعملون معه، وكذلك ايضا عن ملفات الآلاف. السؤال هو كم من الوقت يمكن للعقرب أن يضبط نفسه. أول من أمس أُطلقت الرصاصة الأولى.
عن «هآرتس»