سواء أكان في قرى محافظات رام الله أو نابلس أو بيت لحم أو في غيرها من القرى والأرياف الفلسطينية في الشمال والجنوب، فإن ما يجري على الأرض هذه الأيام خلال موسم قطف الزيتون، من صراع شرس بين أصحاب الأرض والشجر الذي قد يصل عمره الى مئات السنين، وبين من يريد الاستيلاء على الأرض وما تحويه من أشجار وثروات، ليدل على الأهمية الرمزية لشجرة الزيتون، التي باتت تشكل كذلك رمزا للمقاومة الشعبية الفلسطينية، سواء خلال موسم قطف الزيتون أو خلال أيام العام وبالأخص حين يتم وبشكل لئيم وخبيث اقتلاع أو حرق أشجار الزيتون الخضراء، وبالإضافة الى البعد الوطني ورمزية التجذر بالأرض، فإن شجر الزيتون بما يدره من زيت وزيتون أخضر وأسمر، يشكل دعامة للاقتصاد الوطني الهش، سواء للاستهلاك المحلي أو للتصدير، ورافدا للإنتاج الوطني عالي الجودة ومصدرا غذائيا صحيا، بات الكثيرون في العالم يقبلون على استهلاكه لكثرة فوائده الصحية، ولتبعاته الإيجابية على أمراض القلب والكوليسترول والسكري وغيرها.
والزيتون أو زيت الزيتون هو احد المحاصيل او المنتجات المهمة التي ما زال المزارع والمواطن والمسؤول الفلسطيني يحسب له حسابا، او يعتبره أحد السمات الأساسية للزراعة وللإنتاج وللتعلق بالأرض وأهميتها، والزيتون هو احد المنتجات الزراعية الذي حافظ على ديمومته واستمراره وجودته ونوعيته، وهو كذلك من المحاصيل التي تساهم سنويا في الدخل الوطني الإجمالي ولو بنسبة قليلة، وتساهم في إعالة عائلات عديدة في القرى والأرياف، وفي الحفاظ على الأرض والزراعة، وبالتالي فإن إنتاج زيت الزيتون، سواء أكان من ناحية النوعية أي الجودة والصفات العضوية الفريدة التي يحويها، أو من ناحية الكمية، وسواء أكان ذلك للاستهلاك المحلي او للتسويق الداخلي او للتصدير الى الخارج، من المفترض ان يعتبر أولوية لوزارة الزراعة وللحكومة وللمجتمع الفلسطيني بشكل عام.
ولدعم هذا المحصول كمثال على دعم القطاعات الإنتاجية التي تضعها الحكومة من ضمن أولوياتها، وعلى دعم المحاصيل التي يمثلها قطاع الزراعة واستغلال الأرض للإنتاج، فهذا يتطلب وجود استراتيجية وطنية عملية للحفاظ على الزيتون والزيت، من حيث الجودة والكمية، وبالأخص في ظل اشتداد الحملات من كل الأنواع على هذه الشجرة، سواء من خلال قطع الأشجار او حرقها من قبل المستوطنين أو من خلال إقامة المستوطنات وبالتالي القضاء على أراض زراعية بأكملها، أو من ناحية المنع المباشر وغير المباشر من خلال المستوطنات من الوصول الى الأرض والمحصول وبالتالي الاعتناء بالزيتون وقطفه.
وبالإضافة الى الأهداف السياسية والأطماع التي تهدف الى اجتثاث شجرة الزيتون، فهناك ناحية زراعية محضة تتطلب العمل للحفاظ على الزيت والزيتون، وهي تزايد مهاجمة الآفات لشجرة الزيتون ومن ضمنها آفات جديدة لم تكن متواجدة من قبل في بلادنا، وأن تعمل وزارة الزراعة من أجل الحد من التوسع في استخدام المواد الكيميائية من مبيدات وأسمدة في محاصيل الزيتون، وبالتالي التركيز على الممارسة الزراعية العضوية التي اعتدنا عليها خلال عشرات أو مئات السنوات الماضية، والتي ميزت نوعية وجودة والبصمة الخاصة التي يمتاز بها منتج زيت الزيتون الفلسطيني، كمنتج ينافس في الأسواق العالمية المختلفة.
وبالإضافة الى الأبعاد الاقتصادية والزراعية والوطنية، وبالإضافة الى أهمية شجرة الزيتون في الحفاظ على الأرض والتربة، فإن لزيت الزيتون الفلسطيني وكذلك للزيتون الأخضر فوائد صحية جمة، لا يبدو أننا ندرك قيمتها، سواء على مستوى الأفراد او من خلال سن واتباع السياسات والدوائر الرسمية، سواء من الوزارات أو من الدوائر الصحية أو المؤسسات العاملة في مجال الصحة لتبيان أهمية الزيت الصحية، وخاصة للأجيال الجديدة التي لم تعتد على الزيت بل اعتادت على الوجبات أو الطعام السريع غير الصحي، وما يجر ذلك من دهون ومن سمنة وما يتبع ذلك من أمراض مثل السكري والضغط والقلب والسرطان كما نشاهد هذه الأيام.
ويزداد اهتمام العالم بزيت الزيتون كمنتج صحي، يمنح الطاقة النظيفة ويقاوم الكوليسترول وبالتالي يقي من أمراض القلب، ويزود الجسم بالأحماض غير المشبعة، والفيتامينات ويقاوم الأمراض، وبالتالي من الواجب على مؤسساتنا الحكومية وغير الرسمية تبيان ذلك، وبأسلوب علمي يشجع الجيل الحالي على استخدام زيت الزيتون في ظل انتشار الزيوت غير الطبيعية والأطعمة المستوردة والمعبأة، ذات الطعم الذي يختبئ خلفه العديد من الأمراض التي قد تكون مزمنة وخطيرة، وهذا ربما أحد الأسباب التي تفسر انتشار أمراض مزمنة في بلادنا، لم تكن موجودة بهذه النسبة من قبل، حيث باتت أمراض القلب تشكل المسبب الأول للوفاة وأمراض السرطان بأنواعه المسبب الثاني لإجمالي الوفيات في بلادنا، وتزداد هذه النسبة عاما بعد عام.
ولكي نحافظ على الزيتون ومن ثم على الزيت، فيجب الاهتمام بالأرض من خلال الاهتمام بالزراعة والمزارع الذي يقطف الزيتون، وينتج الزيت، والأرض التي تنتج الزيت والتي باتت تتعرض الى اعتداءات شبه يومية، وهذا الاهتمام من المفترض ان يتم من خلال الدوائر الرسمية وغير الرسمية، ولماذا لا يتم تبني خطط وطنية متواصلة بزراعة المزيد من أشجار الزيتون، وبأسلوب علمي، حسب طبيعة المنطقة، واحتياجات الشجرة، وتوفير المياه والأمور اللوجستية، ولماذا لا يتم إرشاد وتوعية الناس حول كيفية قطف الزيتون بالأسلوب الأمثل، مثل ما تقوم به دول أخرى في العالم، حيث يعتبر إنتاج الزيت دعامة أساسية للاقتصاد والصحة عندها.
وأيضا يجب العمل على منع التلاعب في جودة الزيت، أي العمل من خلال الجهات القانونية على منع مزج زيت الزيتون مع زيوت زيتون أخرى مستوردة، او الغش، من خلال المزج مع زيوت ليست لها علاقة بزيت الزيتون، وهذا يتطلب إجراء الفحوصات المخبرية الضرورية لإثبات ان هذا الزيت هو زيت فلسطيني يمتاز بالخصائص المتعارف عليها، او بالنكهة المميزة التي هي ضرورية لتسويقه وبالتالي الحفاظ على سمعته محليا وفي الخارج، من اجل استمرار وزيادة التصدير، ويتطلب التوعية وبالأخص في المدارس لأهمية الزيت الصحية، وكذلك توفير الحوافز المختلفة من اجل ان يتشبث المزارع الفلسطيني بشجرة الزيتون وما تحمله من معان كثيرة، سواء الآن أو للأجيال القادمة.