أحكام "المحكمة العليا" ضد الفلسطينيين: الحقيقة المرّة!

حجم الخط

بقلم: ايلانا هيمرمن



"حسب الأدبيات المهنية فإنه في حالة موت سريري، هكذا أخبرتني الطبيبة شخصياً. الموت قادم، والسؤال هو متى؟". هذا ما قالته المحامية أحلام حداد في بداية مرافعتها في المحكمة العليا عند انعقادها. الشخص الموجود في "مربع الموت" هو موكلها ماهر الأخرس (49 سنة)، من سكان قرية سيلة الظهر في محافظة جنين. هو مضرب عن الطعام منذ ما يزيد على ثمانين يوما احتجاجا على اعتقاله الاداري، وهو يحتضر، الآن، في مستشفى كابلان. هذا الاسبوع، في 12 تشرين الأول، لم تستجب المحكمة للمرة الثانية للالتماس الذي تم تقديمه من أجل إطلاق سراحه من المستشفى الذي يحتجز فيه قسراً.
حضرت جلسة المحكمة المطولة، واستطاعت أذني، التي ملت جدا، أن تستوعب في الفضاء الفاخر لهذه القاعة الضخمة، التفاصيل المفعمة بالحيوية عن المكانة القانونية الدقيقة لشخص أيامه معدودة إذا لم يتم إطلاق سراحه على الفور. المحضر موجود لديّ، وقراءته اكدت لي، للمرة التي لا يعرف أحد عددها، ما عرفته عندما كنت أجلس هناك: هذه ليست محاكمة، بل ظلم، ولم أكن آمل منها في أي شيء.
إن كل نظام القضاء الإسرائيلي، العسكري والمدني، الذي يمسك بأسنانه الفلسطينيين المحتجزين في المدن والقرى، والذي يسلبهم اراضيهم، ويرسلهم بعشرات الآلاف الى التعفن في السجون على اساس قوانين ولوائح، حيث لا يوجد للدولة المحتلة صلاحية للتشريع أو التعديل، كل هذا النظام هو شر. هو الشر في تجسده.
ولكن كيف سيصرخ بهذا الناس "الذين بالنسبة لهم الحقيقة في البيت هي مثل الميت في البيت"؟ (مئير فايزلتر). القليل الذي نشر في "هآرتس" عن الأخرس، الذي ربما لن يكون من بين الاحياء عند نشر هذا المقال، يمكنكم قراءته بأنفسكم في المقال الموضوعي لهجار شيزاف: "معتقل اداري يضرب عن الطعام منذ شهرين ويعالج، حتى بعد أن جمدت المحكمة العليا اعتقاله" ("هآرتس"، 30/9). في هذه الاثناء مر اسبوعان آخران حاسمان.
بالنسبة لي مأساة هذا الشخص – ليته لا يموت – تشكل هنا مثالا. مثال للمأساة والجرائم التي تتواصل منذ 53 سنة في ظل نظام القضاء الإسرائيلي. يقولون: "كم هذا فظيع، هو اعتقل اداريا، لكن الفلسطينيين يعتقلون طوال هذه السنين اداريا دون محاكمة: "الشاباك" والجيش هم الذين يتهمون، وهم القضاة الذين يحاكمون، ولا نعرف على ماذا ولماذا. وحتى الآن، من يدافعون عن حقوق الانسان يتمسكون بواقع كله كذب. الاعتقال الاداري لا يتساوق مع معايير القضاء العادل في الديمقراطية، هكذا يحتجون. واتساءل: ما علاقة القضاء العادل بالديمقراطية وبالفلسطينيين الذين يولدون ويموتون تحت نظام عسكري منذ عشرات السنين؟
بناء على معلومات استخبارية سرية، قيل في المحكمة، هذا الشخص متورط في "نشاطات تنظيمية تعرض أمن المنطقة للخطر". حضرت عشرات المحاكمات العسكرية، وكان هذا النص هو ما قالوه. سواء أكانت المعلومات سرية أم كانت علنية، وسواء أكان المعتقلون والمعتقلات اعترفوا بارادتهم من اجل التوصل الى "صفقة ادعاء"، أم كانت الافادة أخذت منهم بالتعذيب. كل شيء مكتوب وموثق، لكن القليل من الإسرائيليين يريدون أن يعرفوا ذلك. باستثناء حفنة صغيرة من الإسرائيليين (نساء وليس رجالا، هكذا كان الامر ايضا في المحكمة، أول من أمس)، فإن المحاكم تكون فارغة من الجمهور. وأتساءل: هذه الاحكام والاعتقالات الجماعية حسب "قائمة المشتريات من الدكان" ما علاقتها بأمن المنطقة؟ ألا يقتل هنا طوال هذه السنين المئات والآلاف، من المدنيين والجنود، النساء والرجال، الاطفال والشيوخ؟ هل المحاكم والمداولات التي لا اساس لها التي تجري فيها بشأن مصير فلسطينيين هي التي ستضع حدا لسفك الدماء هذا؟
يقررون أن المعتقل أو المعتقلة هم أعضاء في "تنظيم غير قانوني". أيضا عن المضرب عن الطعام يقال ذلك. هو ينفي ومحاميته تحاول أن تثبت النفي. هو ليس عضوا في أي تنظيم، هي تدعي. وأتساءل، ما العلاقة القانونية واخراج مئات التنظيمات الفلسطينية، معظمها مدنية، خارج القانون؟ هم يؤيدون "الارهاب"، يقولون، هم يحرضون على "الإرهاب" في الشبكات الاجتماعية (انظروا حالة دارين تاتور وأغنيتها "انتفض يا شعبي"). هم "إرهابيون" بطبيعتهم – يرشقون الحجارة ويطعنون بالسكاكين ويهددون بالمقصات.
وأسأل السؤال الاهم من بينها جميعا: أي حق يوجد لدولة إسرائيل، وقوانينها ومحاكمها، في تعريف ما هو "الارهاب" وما هو التحريض على "الارهاب" والتمييز بينها وبين المقاومة والانتفاضة؟ أليست حروب إسرائيل وعملياتها العسكرية في لبنان وفي قطاع غزة – التي كان الاغلبية الساحقة من آلاف ضحاياها مدنيين - حروبا ارهابية، بل كل سياستها في الضفة الغربية هي سياسة ارهاب؟ واذا كان الارهاب هو حرب ضد مدنيين ابرياء، عندها ايضا فإن العقاب الجماعي، مصادرة الاراضي، هدم البيوت والمدارس واماكن سكن كاملة، من النقب وجنوب جبل الخليل وحتى احياء القدس، واعتقال مئات الآلاف (اكثر من مليون شخص منذ العام 1967)، وسلب دائم لحقوق الانسان والمواطن في ظل حكم عسكري – كلها اعمال ارهاب.
مؤخرا، نشر هنا (بن شليف، 7/10) قصيدة لمئير فايزلتر كتبت في العام 1968. وفجأة اصبحت القصيدة مميزة بفضل الموسيقي آدم هوروفيتش الذي لحنها. عنوان القصيدة: "بعض الناس الحقيقة مرة بالنسبة لهم – بعض الناس يتقيؤون من رائحة الحقيقة – هناك أناس ترسلهم الحقيقة مباشرة الى المصحات العقلية"، كتب في حينه الشاعر. وفي هذه الايام هو يقول: "أعيش داخل شعبي. لا اتحدث من خلال الاحلام. أتحدث من خلال الواقع: هذه كانت السنة التي بدأ فيها نمو توحش الكذب السياسي النابع من جشع تملك الاراضي".
في اليوم التالي – بالصدفة – نشر هنا مقال لشاؤول ارئيلي يتحدث نثرا وبحكمة عن الحقيقة ذاتها (9/10). ارئيلي، باحث ضليع بالنزاع الإسرائيلي – الفلسطيني، بدأ مقاله بالخبر الحديث عن أن رئيس الحكومة أمر بانعقاد مجلس التخطيط الاعلى للادارة المدنية بهدف المصادقة على بناء موسع لـ 5400 وحدة سكنية في عشرات المستوطنات في الضفة الغربية. بعد ذلك هو يستعرض بدقة تطور مشروع الاستيطان منذ التوقيع على اتفاقات اوسلو ويصل الى استنتاج بأن الفلسطينيين محقون في الادعاء بأن جميع حكومات إسرائيل عملت منذ اوسلو على زيادة المنطقة المضمومة لإسرائيل على حسابهم؛ "أو الاكثر خطورة من ذلك"، كتب، "من اجل خلق واقع يعتبر في نظر الجمهور الإسرائيلي واقعا لا يمكن من تحقيق حل الدولتين بثمن وطني معقول". وفي النهاية يقول: "سياسة توسيع الاستيطان في يهودا والسامرة كانت وما زالت غالية لدرجة مخيفة على دولة إسرائيل في المجال الامني، الاقتصادي، والاجتماعي".
هذه هي حقيقة الشاعر، وهذه هي حقيقة الباحث، وهي موجودة منذ جيلين. الكثيرون ربما يتقيؤون من رائحتها، لكنهم لا يعرفون أو لا يتجرؤون على فعل اكثر من ذلك، حتى المحامون، يهودا وعربا، يتعاونون مع جهاز القضاء الذي شرعن كل هذه الامور. في المقام الاول المستوطنات، عن طريق الفصل بين اراضي دولة (دولة إسرائيل) واراضٍ خاصة. ولكن ايضا كل مقاربة التمييز التي تطورت في هذه الاثناء الى نظام "ابرتهايد" كامل.
وعلى الرغم من ذلك، فإن هؤلاء المحامين الذين يرون بالتأكيد في مهنتهم (المهينة جدا) دفاعا عن حقوق الانسان، ما زالوا يواصلون المرافعة في المحاكم الإسرائيلية، العسكرية والمدنية على حد سواء، مدافعين عن حقوق الفلسطينيين في السكن في بيوتهم وتملك اراضيهم وعدم التواجد في السجون، وكأن جهاز قضاء دولة حول ملايين الاشخاص الى رعايا حكمها العسكري، استهدف الدفاع عنهم، وكأن النزاع بين الشعبين هو موضوع جهاز القضاء الإسرائيلي.
جزء من النقاش الذي جرى، هذا الاسبوع، في قضية الأخرس في الهيئة العليا لهذا النظام، جرى وراء ابواب مغلقة. رجال "الشاباك" والاستخبارات – وهم جزء من جسد هذا النظام – أقنعوا كما يبدو القضاة بأن المضرب عن الطعام الآيل للموت، يعرض أمن المنطقة للخطر، لهذا لم يستجيبوا للالتماس الذي طالب باطلاق سراحه.

عن "هآرتس"