الحرب مزقت بلادهم، والشباب السوريون الآن يقاتلون كمرتزقة في ميادين اجنبية

حجم الخط

هآرتس – بقلم تسفي برئيل

اكثر من 45 ألف شاب سوري سجلوا في “مكتب التشغيل” الذي انشأه الجيش السوري في قاعدة حميميم في اللاذقية. هذه القاعدة التي يتوجه اليها الشباب السوريون الذين يريدون التجند لنشاطات عسكرية في ليبيا. كل يوم يمر بدون تشغيل هو خسارة صافية لمئة دولار على الاقل. عشرات الآلاف من اصدقائهم سبق وانضموا للقوات العاملة في ليبيا، والقصص التي يروونها عن الحياة الجيدة والجيوب المليئة بالمال تفعل فعلها.

​حسب تقارير في وسائل الاعلام السورية والليبية فان تجنيد شباب سوريين للحرب في ليبيا بدأ في 2018 في بلدة تل كلف في محافظة حمص. الجهة المجندة كانت شركة “فاغنر” الروسية، التي مرتزقتها يعملون في دول اخرى في العالم لصالح موسكو.

​وزير الخارجية الروسي، سرجيه لافروف، نفى في الواقع في الشهر الماضي بأنه يعرف هذه الظاهرة أو أن روسيا تقف وراء التجنيد، هذا اذا كان شيء كهذا قائم، لكن مقابلات مع مقاتلين سوريين عادوا من ليبيا تروي قصة اخرى. احدهم تحدث مع موقع “رصيف 22” وقال إن التجند مسموح لأي شخص من عمر 18 وحتى 58 سنة شريطة أن يكون قد خدم في الجيش السوري أو حصل على اعفاء من الخدمة. في بداية الطريق يحصل المجندون على تدريب عسكري أولي يستمر لاسبوعين، ويتضمن تدريبات على السلاح الشخصي ووسائل الحماية وتنفيذ مناورات جماعية.

​عند انتهاء التدريب الاولي ينتظرون مدة اسبوعين وربما اكثر الى أن يسافروا جوا الى ليبيا. في هذه الاثناء يعملون في خدمة رؤساء قبائل سوريين تشغلهم روسيا، لكن يجب عليهم أن يكونوا مستعدين لتلبية نداء دعوتهم للقدوم الى قاعدة خلال ثماني ساعات. في كل هذه الفترة تؤخذ منهم الهواتف المحمولة وجوازات السفر ولا يسمح لهم باجراء اتصالات أو محادثات مع ابناء عائلاتهم أو اصدقائهم.

​عند مجيئهم الى ليبيا يقسم المجندون الى مجموعتين، الذين يعملون في حماية منشآت وانابيب النفط – التي يسيطر عليها جيش الجنرال الانفصالي خليفة حفتر والمدعوم من قبل روسيا – واولئك المستعدون للمشاركة في المعارك. الراتب هو طبقا لذلك. من يؤمنون الحماية يحصلون على ألف دولار في الشهر تقريبا، والمقاتلون يحصلون على ثلاثة آلاف دولار. كل واحد منهم يتعهد بالعمل ثلاثة اشهر متواصلة وبعدها يحصل على اجازة مدفوعة الاجر مدتها شهر في سوريا. المجندون غير ملزمين بالعودة الى ليبيا اذا كانوا لا يريدون ذلك لأن العرض اكبر من الطلب، وفي كل لحظة يمكن ملء الصفوف بأشخاص جدد. هذا ليس عمل يخلو من الاخطار.

​شباب سوريون سبق وعادوا في توابيت الموتى، ورغم أن العائلة الثكلى تحصل على مبلغ خمسة آلاف دولار كتعويض، إلا أنه من اللحظة التي اتضح فيها أنه في ليبيا يمكن ايضا أن يقتل الشخص، جرى احتجاج جماهيري، بالاساس في جنوب سوريا وفي اللاذقية في الشمال. في اعقابه قرر الجيش الروسي الامتناع عن تجنيد ابناء هذه المحافظات. بعد موجة التجنيد الاولى بدأ الروس باتباع طريقة جديدة، التي فيها السوريون الذين سبق وجندوا يتحولون الى مجنِدين جماعيين، المجند يحصل في المقابل على زيادة في الراتب تبلغ 25 في المئة ويعين كمسؤول عن المجموعة في كل نشاطها في سوريا وفي ليبيا.

​الصفقة التركية

​ليس فقط روسيا ومبعوثيها يقومون بتجنيد محاربين سوريين للجبهة في ليبيا. فتركيا هي “المشغلة” المنافسة التي ترسل قوات سورية الى ليبيا لمساعدة الحكومة المعترف بها، التي تؤيدها في حربها ضد حفتر. ولكن تركيا ترسل مليشيات سورية تعمل تحت رعايتها، وحتى أنه نشرت تقارير تفيد بأنها تقترح على اللاجئين السوريين الذين يمكثون على اراضيها بأن يكسبوا رزقهم من هذه الحرب.

​الراتب هو في الحقيقة يشبه الراتب الذي تدفعه الشركات الروسية، لكن الفرق هو أن المرتزقة المبعوثين من انقرة ينفذون نشاطات حربية اكثر خطورة. وعدد قتلاهم أعلى. هكذا، فان مقاتلي المليشيات السورية يفضلوناحيانا الفرار الى الشركات الروسية – بدلا من ارسالهم الى مناطق القتال التي وضعتهم فيها تركيا.

​إن قلق المرتزقة السوريين الذين يعملون في خدمة تركيا أو روسيا هو أن المحادثات التي تجري الآن حول وقف اطلاق النار في ليبيا وجس النبض الذي يجري بحثا عن حل سياسي ستؤدي الى فقدانهم لعملهم واعادة ارسالهم الى سوريا – التي فيها احتمالاتهم في الحصول ولو على ربع الراتب الذي يحصلون عليه في ميادين القتال، غير قائمة.

​إن مستقبل المحادثات السياسية التي جرت هذا الاسبوع في مصر، والتي يتوقع أن تستأنف في تشرين الثاني القادم، ما زال يلفه الضباب. هناك في الحقيقة اتفاق مبدئي على عقد لقاء مشترك بين الطرفين المتخاصمين في ليبيا – الجنرال حفتر والحكومة المعترف بها من قبل الامم المتحدة – وهناك استعداد لتبني الدعوة لوقف اطلاق النار التي اعلن عنها وفورا تم خرقها في شهر آب، ولكن الخلافات في الرأي ما زالت عميقة.

​الاتفاق، حتى لو تم التوصل اليه، لا يرتبط فقط بالنوايا الحسنة للاعداء الليبيين، بل بالاساس بالتفاهمات بين روسيا وتركيا، وبينهما وبين مصر واتحاد الامارات التي تؤيد حفتر. الزخم العسكري للجنرال الانفصالي تم وقفه وتموضع مؤخرا في مواقع دفاعية، هكذا يبدو أنه سيجد صعوبة في أن يشكل رأس حربة لطموحات القاهرة وأبو ظبي. ولكن من شأنه أن يكون لغم شديد في طريق كل حل سياسي لا يضمن له مكانة ونفوذ على الصعيد السياسي.

​حفتر واعداؤه سيتوجب عليهم ايضا التوصل الى تفاهم على انتخابات، بالاساس على قانون الانتخابات وبنود الدستور. هكذا، فان الطريق للحل ما زالت طويلة، والسؤال هو هل هذه الصراعات السياسية ستجري تحت النيران أو أن وقف اطلاق النار سيرافق الخطوات السياسية.

​على جزء من المرتزقة عرض خيار عمل آخر في ماقليم ناغورنو كراباخ – هناك تتواصل حرب اذربيجان مع ارمينيا على السيطرة على اقاليم الحكم الذاتي. تركيا حسب تقارير للمركز السوري لحقوق الانسان، التي أكدها الرئيس الفرنسي عمانويل ميكرون، ارسلت حوالي 1200 مقاتل سوري الى الجبهة في الجيب الارمني من اجل مساعدة القوات الاذرية. هذه جبهة نازفة، أدت الى موت بضع عشرات المقاتلين السوريين، الذين تجندوا للحرب لأنه تم وعدهم بأن يعملوا فقط في نشاطات حماية لانابيب النفط وليس في القتال.

​هذا الاسبوع ابلغ أن حوالي 200 مقاتل سوري طلبوا العودة الى بيوتهم فورا من هذه الجبهة. إن مشاركة المرتزقة السوريين، معظمهم من ابناء الطائفة التركمانية، الذين يتم تشغيلهم من قبل شركات حماية تركية خاصة برعاية المخابرات التركية، تقلق روسيا التي دعت كل القوات الاجنبية للخروج من المنطقة.

​روسيا عالقة بين تعهدها لارمينيا حسب اتفاق الدفاع الذي وقعته معها في التسعينيات وبين رغبتها في مساعدة اذربيجان كجزء من طموحها في ضمها لحلف اقتصادي، وبالاساس ابعادها عن تأثير الولايات المتحدة. تركيا تدفع لمرتزقتها في اذربيجان حوالي 1500 – 2000 دولار شهريا، اضافة الى تدريب عسكري يحصلون عليه في الميدان.

​اللغز السوري

​تجنيد وتشغيل المرتزقة في جبهات متعددة القوميات مثل ليبيا واذربيجان ليس ظاهرة جديدة. اتحاد الامارات جندت مرتزقة من كولومبيا ومن دول افريقية للحرب في اليمن. في فترة حكم معمر القذافي في ليبيا جند مقاتلين من دول افريقية مجاورة. ايران جندت آلاف اللاجئين الافغان الذين كانوا يمكثون على اراضيها للحرب في سوريا، الى جانب قوات بشار الاسد، ووعدتهم باعطائهم الجنسية عند عودتهم. في سوريا تطورت هذه الظاهرة كجزء من الاحباط واليأس من احتمالية التوصل الى حل سياسي وانهاء الحرب.

​التمرد ضد نظام الاسد، الذي تسبب بالحرب الفظيعة التي استمرت تسع سنوات، تحول الى صراع على البقاء بالنسبة لاكثر من 13 مليون لاجيء ومهجر، نصفهم داخل الاراضي السورية. ظروف حياتهم صعبة بشكل خاص، والمساعدة الدولية تغطي فقط نحو 10 في المئة من احتياجاتهم، الخدمات الصحية تقريبا غير موجودة، ويجب عليهم اعداد انفسهم لمواجهة فصل الشتاء. جزء منهم، مثلما في شمال سوريا الذي اقيمفيه نحو الف مخيم للاجئين، يحاولون الخروج من المخيمات بسبب صعوبة مواصلة السكن في خيام بدون خدمات صحية، وهم يفضلون أن يجدوا لانفسهم سكن مرتجل في اراضي خالية.

​من بقي معه القليل من المال ينضم الى عدد من العائلات، ومعا يشترون أو يستأجرون قطعة ارض من اصحابها السوريين بمبلغ 500 دولار في السنة، من اجل أن يقيموا عليها مبان من الاسمنت. في سوريا اصبحوا يتحدثون عن استيطان بعيد المدى للاجئين في مناطق تقع تحت سيطرة حكومة المتمردين المؤقتة، بصورة تغير التوزيع الديمغرافي في الدولة. هذه الظاهرة تذكر بدرجة ما توطن اللاجئين الفلسطينيين في الدول العربية: مخيمات اللاجئين المؤقتة تحولت الى مدن حقيقية، هناك هم يعيشون منذ عشرات السنين.

​إن احتمالات اعادة تأهيلهم وعودتهم الى بيوتهم لا تلوح في الافق. وعن مكان عمل منظم يضمن كسب رزقهم يمكنهم أن يحلموا فقط. المحظوظون يعملون في اعمال زراعية مؤقتة، أو يحصلون على مساعدة من منظمات الاغاثة وعلى تبرعات من دول عربية واوروبية. إن طموح الجميع هو محاولة الهجرة الى اوروبا أو التجند للمليشيات التي تحظى برعاية تركيا، روسيا أو ايران، من اجل الحصول على راتب معقول يبلغ 200 دولار في الشهر. هذا مخزون انساني ضخم بالنسبة لكل من يبحث عن مرتزقة لأي هدف، لكن هذا خيار غير مفتوح امام جميع الشباب.

​ميزانيات هذه المليشيات محدودة وكل تجنيد يشكل عبء مالي يقتضي اعادة توزيع للميزانية. ايضا يوجد اعتبار للانتماء الطائفي للمرشح للتجنيد. لاجئون علويون مثلا لا يتم قبولهم في المليشيات السنية. لاجئون مسيحيون مشتبه بهم دائما بدعمهم للاسد. المليشيات الكردية تجند الاكراد فقط كتجنيد اجباري، في حين أن المليشيات التي ترعاها تركيا لا تجند اكراد وتفضل التركمان أو المسلمين السنيين.

​هناك قضية مقلقة اخرى تتعلق بمستقبل عشرات آلاف المرتزقة الذين ذهبوا للقتال في ليبيا أو اذربيجان. عند عودتهم الى سوريا سيبحثون لانفسهم عن عمل في “المهنة” حصلوا عليها في ساحة القتال. هؤلاء مقاتلون مدربون من شأنهم أن يعرضوا خدماتهم على كل مليشيا أو تنظيم يبحث عن مقاتلين، أو على كل دولة في منطقة توجد فيها حرب ما.

​هذا قلق ليس خاص فقط بمرتزقة الحرب، وهو يشغل ايضا المليشيات والنظام – الذي يجد نفسه امام قوات مقاتلة تنفذ اوامر دول اجنبية. الاسد يسعى منذ سنتين الى دمج المليشيات المؤيدة له في الجيش السوري، لكن ليس لديه خطة عمل منظمة، وعليه أن يواجه مليشيات ليست بالضرورة معارضة له – لكنها تحظى بمكاسب الحرب ولا تنوي التنازل عنها.

​الرئيس السوري في الواقع اعاد لنفسه السيطرة على معظم اجزاء الدولة، لكنه يجد صعوبة في السيطرة على كل القوات المسلحة المؤيدة له، لكن لديها اجندة مستقلة. معركته على الدمج والسيطرة على هؤلاء فقط بدأت.