التأسيس لدولة ثنائية القومية في واشنطن

حجم الخط

 بقلم: دمتري شومسكي


يمكن الافتراض بأن صراخ الفرح العالي لليمين في اعقاب اتفاقات السلام بين اسرائيل وبين دولة الامارات ودولة البحرين، التي تم التوقيع عليها في واشنطن قبل شهر تقريباً، هو سابق لأوانه، حيث أنه ربما تكون عمليات التطبيع في علاقات الدول العربية مع اسرائيل، متجاهلين تخليد الاحتلال والابرتهايد، ستحث الفلسطينيين على بلورة استراتيجية جديدة للنضال على حقوقهم القومية.
يمكن أن تعمق التداعيات بعيدة المدى لهذه الاتفاقيات  لدى الفلسطينيين توجهات فكرية رئيسية. التوجه الاول، ادارة الظهر لضائقتهم يمكن أن تزيد في اوساطهم الشعور بالاغتراب تجاه الفضاء العربي، وفي المقابل تعزيز علاقاتهم المحلية – الوطنية الفلسطينية بصورة أشد. التوجه الثاني، مع التجميد الفعلي لمبادرة السلام العربية – كما يفسر ذلك وبحق، تداعيات هذه الاتفاقات في مكتب محمود عباس – ستتجذر نهائيا في الوعي الفلسطيني فكرة أن تقسيم البلاد واقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة في حدود 1967 لم تعد فكرة واقعية.
يمكن أن يؤدي الربط الديالكتيكي بين زيادة ارتباط الشعب الفلسطيني بوطنه الوطني – المحلي وبين الاعتراف الحاد بأن حلم الاستقلال غير قابل للتطبيق، على الارجح الى اكتماله النهائي بتحقيق المشروع الصهيوني بأقصى نطاق اقليمي له على كامل ارض فلسطين الكبرى.
كما يبدو، تسليم القومية الفلسطينية باقامة دولة يهودية على كل اراضي البلاد، هو كل ما أملت به الصهيونية منذ مقال «الجدار الحديدي» لجابوتنسكي. ولكن من المشكوك فيه أن تجد اليوم اسرائيليين كثيرين سيفرحون بهذا التسليم، حيث أن معناه الفعلي – كما كان مفهوم ضمنا لجابوتنسكي ومقبول عليه – هو التجنس العربي الفلسطيني في الدولة اليهودية.
الاسرائيليون الذين يطاردهم كابوس «الدولة ثنائية القومية» على قناعة بأن الفلسطينيين يأملون من اعماق قلوبهم الحصول على الجنسية الاسرائيلية؛ سواء من اجل التمتع بدفعات التأمين الوطني أو بهدف أن يشوهوا للشعب اليهودي حقهم في تقرير المصير بوسائل ديمغرافية. ولكن هذه افكار هراء، اصلها بالتعالي على وشيطنة الآخر. لأنه لا يوجد شعب يحلم في العيش في دولة عرقية – وطنية وعنصرية، استهدفت أن تخدم بصورة حصرية احتياجات الشعب الآخر. وهذا ما ينتظر الفلسطينيين اذا تجنسوا في أي يوم من الايام في دولة قانون القومية اليهودية.
ولكن بالنسبة لوضعهم الحالي، حيث أنهم محبوسون في بنتوستانات الضفة وفي الغيتو المكتظ والخانق في قطاع غزة، فمن الواضح أن الفلسطينيين يفضلون أن يكونوا مواطنين من الصنف «ج» في دولة ذات سيادة. وبالعكس، اذا نجحوا في أن يخرجوا من داخلهم حركة مدنية هدفها التجنس في الدولة الممتدة على طول وعرض وطنهم، وتحقق الحركة هذا الهدف، فانه بفضل الجنسية الاسرائيلية التي ستمنحهم الحق في انتخابات ديمقراطية، يمكن للفلسطينيين الاسهام في هز الهيمنة العرقية المركزية اليهودية في الدولة واعادة تأسيس اسرائيل كديمقراطية منظمة متعددة القوميات.       
سيضم هذا النظام في شكله حق تحقيق المصير للشعب اليهودي الاسرائيلي وحق تقرير المصير للشعب العربي الفلسطيني الاسرائيلي، وبهذا يتحقق الهدف المأمول للمساواة بين الشعبين في البلاد.
هذه الحركة اذا قامت، يتوقع أن تصطدم بعدة عقبات. حماس ستعتبرها خضوعا مخجلا للمحتل الصهيوني، ورؤساء السلطة الفلسطينية سيتنصلون منها بشدة – بعضهم بسبب عدم الرغبة في التنازل عن مظاهر الاحترام والتقدير لزعماء الدولة العتيدة، والبعض الآخر بسبب الشعور بالمسؤولية والخوف من أن حل السلطة يمكن أن ينزل كارثة على الشعب الفلسطيني وعلى كل المنطقة. من المفهوم ايضا أن معظم الاسرائيليين سيعارضون فكرة تجنيس الفلسطينيين في الدولة اليهودية. أولا وقبل كل شيء لاسباب عنصرية ديمغرافية.
من الناحية الاخرى، من الواضح أنه ليس فقط العنصريون في اليمين وفي اليسار سيتحفظون من حركة التجنس الفلسطينية في اسرائيل، بل ايضا الكثير في اوساط المؤيدين للمساواة والسلام الحقيقي، اسرائيليين وفلسطينيين على حد سواء، حيث أنه من الواضح أن الحل العادل والمنطقي للنزاع الاسرائيلي – الفلسطيني هو تقسيم البلاد الى دولتين قوميتين قابلتين للحياة. وعندما سيتضح نهائيا أن هذا الحل يمكن أن يبقى في طور الحلم، فان الخيار الوحيد أمام مؤيدي السلام والمساواة في الطرفين، سيكون ترك الحلم العادل والمنطق لصالح الحلم الاقل شرا.
هل الحصول على الجنسية الاسرائيلية للفلسطينيين في دولة ارض اسرائيل الكاملة سيكون مهمة اكثر واقعية من الحصول على الموافقة الاسرائيلية للعودة الى حدود 1967 والتمكين من اقامة دولة فلسطينية على اقل من ربع ارض اسرائيل الانتدابية؟ لا يمكن الاجابة على ذلك قبل الدفع قدما بالفكرة بصورة فعلية. يمكن البدء في تطبيقها في شرقي القدس، حيث أن الفلسطينيين المقدسيين يحق لهم تقديم طلب للحصول على الجنسية – حتى لو كان عدد قليل منهم قد فعلوا ذلك منذ 1967، وعدد قليل جدا من الطلبات تم قبولها. وفي موازاة ذلك، من خلال استعداد اجيال من الصراع، يمكن البدء في احتجاج دولي غير عنيف لالغاء الابرتهايد الكولونيالي في المناطق المحتلة. واذا اثمر هذا الاحتجاج فانه وبنظرة الى الوراء سيكون بالامكان أن نقرر بأنه على مسطحات البيت الابيض أسس بنيامين نتنياهو ودونالد ترامب اسرائيل ثنائية القومية.

عن «هآرتس»