دخول تركيا إلى الساحة السياسية الـفـلـسـطـيـنـيـة يـربـك الـحسـابـات

حجم الخط

بقلم: تسفي برئيل


معبر رفح، بوابة العبور الوحيدة بين قطاع غزة ومصر، مغلق منذ آذار، باستثناء المرات التي فُتح فيها لفترة قصيرة. ذريعة إغلاقه هي تفشي "كورونا". تصعب مناقشة ذريعة كهذه. ولكن يبدو أنه منذ الشهر الماضي فان سبب اغلاق المعبر ليس سببا وبائيا، بل جزء من العقوبات التي تفرضها مصر على "حماس" في الآونة الأخيرة؛ لأنها تجرأت على القيام بمبادرة سياسية مستقلة. منذ حوالي شهرين، تناقش "حماس" و"فتح" احتمالية استئناف مبادرة المصالحة واجراء انتخابات للمؤسسات الفلسطينية. في البداية للمجلس التشريعي وبعد ذلك للرئاسة ولاحقا للمجلس الوطني.
بدأت هذه المبادرة بالازدهار قبيل موعد التوقيع على اتفاقات السلام بين إسرائيل والامارات، التي أوضحت للفلسطينيين ما كان معروفا منذ فترة طويلة قبل ذلك. تنازلت الدول العربية عن المبادرة العربية، وتقوم بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل، وتلغي الضمانة النظرية التي تقول إن أي اتفاق عربي مع إسرائيل سيكون مشروطا بانسحاب إسرائيل من "المناطق".
بدأ محمود عباس في البحث عن بدائل لحزام الأمان العربي وسمح لجبريل الرجوب، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، بالبدء في اتصالات مع "حماس" بمشاركة دول أخرى أو برعايتها.
بداية كانت المبادرة عبر لقاء في بيروت في بداية ايلول بين ممثلي "فتح" و"حماس"، وبعد ذلك جرى لقاء بين الأمناء العامين للتنظيمات والفصائل الفلسطينية. وفي النهاية، في 22 ايلول، عقد في اسطنبول اللقاء الذي أغضب القاهرة. في هذا اللقاء تحولت تركيا المستضيفة فجأة إلى اشبين لخطوات فلسطينية سياسية. كان ذلك لقاء اعتبره الفلسطينيون "خطوة اختراقية"، تم فيها التوصل إلى عدة تفاهمات مبدئية تحدد بأن الانتخابات في كل مراحلها ستستمر حوالى نصف سنة، وهدفها تشكيل حكومة وحدة وطنية، تشارك فيها جميع الفصائل الفلسطينية. في المرحلة التالية ستعقد في رام الله لقاءات بين ممثلي "فتح" و"حماس" وباقي الفصائل الفلسطينية من أجل التوصل إلى اتفاق على إعطاء تفويض لعباس لإعلان مرسوم رئاسي يحدد موعد اجراء الانتخابات وطريقة إدارتها.
في المرحلة التالية لهذه المفاوضات سيلتقي الأمناء العامون لجميع الفصائل الفلسطينية في القاهرة. ولكن رغم مرور حوالى ثلاثة اسابيع منذ أن تمت صياغة "تفاهمات اسطنبول"، إلا أن مصر لم تعط بعد مصادقتها على عقد اللقاء على أراضيها. مصدر في السلطة الفلسطينية قال للصحيفة إن السبب هو أن مصر لا تكتفي بدور المستضيفة لأنها "تريد أن تكون شريكة في المحادثات، ويبدو أنها غاضبة لأن محادثات الاتفاق قمنا بإجرائها في تركيا. وبهذا منحنا اردوغان تذكرة دخول سياسية إلى الساحة الفلسطينية الداخلية، وهو دور بقي محفوظاً بصورة تقليدية لمصر".
رسميا، يعلن كبار قادة "حماس" و"فتح" أن مصر هي صاحبة الدور الرئيس في إدارة المصالحة الفلسطينية الداخلية، وليس في نية التنظيمات أن تتبنى لنفسها راعيا جديدا. في الوقت ذاته تنص التفاهمات، ضمن أمور أخرى، على أن اجتماع قادة الفصائل الفلسطينية، إذا كان في القاهرة أو في أي دولة أخرى، سيكون "فلسطينياً خالصاً دون تدخل دول أخرى". أي أن مصر لا تستطيع أن تكون جزءا من المحادثات. في الأسبوع الماضي تم إطلاق سهم آخر مسنون تجاه مصر. بعثة مكونة من كبار قادة "حماس"، برئاسة موسى أبو مرزوق، التقت في موسكو مع ميخائيل بوغدانوف، المبعوث الخاص لفلاديمير بوتين في الشرق الاوسط. وفي أعقاب اللقاء كتب أبو مرزوق على حسابه في تويتر بأن موسكو مستعدة لاستضافة لقاء قادة الفصائل الفلسطينية. عضو المجلس الثوري في "فتح"، عبد الله عبد الله، أوضح أيضا بأنه اذا لم توافق مصر على استضافة اللقاء فان "الفلسطينيين لن يبقوا أسرى لمكان اللقاء... وسنجد طريقة اخرى لعقده في اطار الاتفاق الوطني". وسارع محللون فلسطينيون إلى الاستنتاج بأن مكانة مصر كصاحبة احتكار لإدارة النزاع الفلسطيني الداخلي آخذة في التآكل، وأنه يمكن أن تحل تركيا وقطر مكانها.
عباس ينتظر بايدن
يجب علينا أن لا نحبس الأنفاس قبيل المصالحة الفلسطينية. من الصعب عدّ المرات التي توصلت فيها "فتح" و"حماس" إلى تفاهمات حول المصالحة، أو على الاقل حول التعاون، وبعد ذلك، احيانا خلال ساعات، نعلم أنه ظهر خلاف جديد بينهما ترافقه اتهامات متبادلة عن مسؤولية الطرف الآخر عن خرق التفاهمات. ايضا في هذه المرة ربما أن التفاهمات المبدئية التي تم التوصل إليها في تركيا ستتحطم على صخرة التفاصيل، بدءاً من موعد إجراء الانتخابات وطريقة ادارتها ومرورا بتوزيع التمثيل في البرلمان الذي سينتخب (هذا إذا انتخب) وانتهاء بانتخاب خلف لعباس.
ولكن الجديد في الخطوات الأخيرة يكمن في استعداد ممثلي "فتح" لأن يروا في تركيا، راعية "حماس"، دولة مساعدة، بل وسيطة في عمليات فلسطينية داخلية، وكذلك اعطاء موطئ قدم لتدخل روسيا. بهذا يضع الفلسطينيون أنفسهم داخل صراعات القوى في الشرق الاوسط، التي تدور حول تحالفين متخاصمين ومتعاديين. الاول مكون من مصر والسعودية والامارات ومعهم إسرائيل ايضا. والثاني تشارك فيه تركيا وقطر، وعن بعد أيضا إيران. هذا صراع وجد وتطور دون صلة بالشأن الفلسطيني، لكنه ينزلق بسرعة إلى الساحة المحلية، وسيجبر إسرائيل على اتخاذ موقف.
إن اقتراب القيادة الفلسطينية في الضفة من الدائرة غير العربية ينبع ليس فقط من الاعتراف بفقدان الشراكة العربية الداعمة، بل أيضا من الأزمة الاقتصادية الشديدة التي تحيق بالسلطة. حسب بيانات وزارة المالية الفلسطينية التي نشرت، الأحد الماضي، فإن المساعدة الدولية للسلطة انخفضت بحوالى 81 في المئة في الاشهر الثمانية الاولى لهذه السنة.
من خلالها تقلص الدعم العربي إلى 38 مليون دولار مقابل 198 مليون دولار في الفترة الموازية من العام الماضي. المساعدة السعودية وحدها، التي تمثل نصيب الأسد في المساعدة العربية، انخفضت إلى حوالى 30 مليون دولار مقابل 130 مليون دولار في السنة الماضية.
ما زالت السلطة ترفض تسلم أموال الضرائب التي تجبيها إسرائيل لصالحها بعد خصم المبالغ التي تشكل، حسب تقدير إسرائيل، مساعدة لعائلات السجناء و"الإرهابيين".
وتوجه السلطة إلى دول الاتحاد الأوروبي لاستكمال الفجوة تم الرد عليه حتى الآن بشكل سلبي، بذريعة أنه يجب على السلطة أن تتسلم أولا أموالها، أي ضريبة القيمة المضافة أو الجمارك التي تجبيها إسرائيل بعد الخصم قبل أن يوافق الاتحاد على زيادة المساعدات.
تتعامل إسرائيل مع هذه الأزمة الاقتصادية وكأنها لا تمسها. وقالت مصادر إسرائيلية إن الافتراض الأساسي هو أن الضغط الاقتصادي سيجبر السلطة على تغيير سياستها، وستوافق على تسلم أموال الضرائب المخصومة وتبني خطة ترامب من اجل استئناف المساعدات الأميركية والعربية.
كما أنه يمكن التقدير أن إسرائيل تعتمد على احتمالية أنه إذا تفاقمت الأزمة فستكون هناك دول عربية ستهب لمساعدة السلطة الفلسطينية، مثلما تحولت قطر إلى الصراف الآلي لغزة.
في هذه المرحلة هذه افتراضات لا أساس لها. ولكن السؤال الذي يجب أن يقلق إسرائيل وحليفاتها العربية هو هل سنسمح لتركيا أو قطر أن تملأ خزينة السلطة الفارغة، وبهذا منحها مكانة سياسية مؤثرة على خطوات السلطة.
هذه أيضا هي المعضلة الموضوعة أمام عباس، الذي يجب عليه اتخاذ قرار استراتيجي تكون له تداعيات كبيرة على مستقبل السلطة وعلى مستقبل الحل السياسي.
يبدو أن عباس ينتظر، مثل كل الزعماء في العالم، نتائج الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، قبل أن يقرر إلى أين تتجه فلسطين.
في هذه الأثناء يعطي الضوء الأخضر لمواصلة لقاءات المصالحة مع "حماس"، على أمل أن يهنئ بعد بضعة أسابيع الرئيس المنتخب، جو بايدن، وهو شخصية أكثر ودية مع الفلسطينيين من الشخص الذي يشغل الآن البيت الأبيض.

عن "هآرتس"