المتطوعون الذين ينضمون لقاطفي الزيتون الفلسطينيين ، يقومون بما يحظر على السلطة القيام به

حجم الخط

هآرتس – بقلم عميره هاس

مجموعة المتطوعين الفلسطينيين “فزعة”، التي ينضم اعضاؤها لقاطفي الزيتون من اجل حمايتهم من هجمات المستوطنين، تملأ الفراغ. هذا الفراغ الذي لم تملأه في أي يوم اجهزة الامن التابعة للسلطة الفلسطينية لأن اتفاقات اوسلو منعتهم من العمل في مناطق ب و ج. أي في معظم الضفة الغربية. عشرات آلاف الشباب الفلسطينيين تم تدريبهم على السلاح واجتازوا تدريبات قتالية وتم تجنيدهم لاجهزة الامن الفلسطينية، بما فيها الشرطة. حسب الاتفاقات مطلوب منهم مساعدة الشباك والجيش الاسرائيلي في ملاحقة فلسطينيين، التحقيق معهم واعتقالهم. ويتوقع منهم أن يمنعوا المس بالمواطنين الاسرائيليين. ولكنهم منعوا من الدفاع عن فلسطينيين من هجمات زعران، مدنيين اسرائيليين. ما تبقى للسلطة هو “الادانة”، ولاجهزة أمنها – نقل شكاوى الفلسطينيين الذين تمت مهاجمتهم الى الشرطة الاسرائيلية (قبل وقف التنسيق) وتوثيق الهجمات في سجلاتها.

​وسائل الاعلام الفلسطينية التي ابلغت في بداية الشهر عن تشكيل “فزعة” لموسم قطف الزيتون للعام 2020، لم تطرح هكذا هذه المجموعة الجديدة. لقد اقتبسوا أحد مؤسسيها، محمد الخطيب من بلعين، الذي قال إن “فزعة” (اسناد أو طلب مساعدة في الحرب) هي تقليد فلسطيني يعني هبة جماهيرية لمساعدة اشخاص في ضائقة. نشاطات الفزعة في 1948 محفورة في الذاكرة الجماعية الفلسطينية. في حينه اخرج سكان القرى الفلسطينيين سلاحهم من المخابيء وهبوا لمساعدة المقاتلين الفلسطينيين المنظمين في المعارك مع المنظمات المسلحة لليشوف اليهودي.

​قطف الزيتون ليس مجرد نشاط زراعي موسمي ومصدر للرزق، هو حدث ثقافي مثلما هو حدث عائلي تشارك فيه كل الاجيال وهو حدث احتفالي ينتظرونه بفارغ الصبر، وهي ايام فيها تتجند كل العائلة، من الصغير وحتى الكبير، والتي فيها يتم نقل التراث من الجد الى الحفيد. ولكن في عشرات القرى في الضفة تحول قطف الزيتون بشكل خاص والزراعة بشكل عام الى خطر يهدد الحياة بسبب القرب من البؤر الآخذة في التمدد ومن المستوطنات التي ولدتها. عنف المستوطنين ورفض السلطات الاسرائيلية للجمها، خلقت تأثير كابح: لا يتجرأ الجميع على المخاطرة، لا يريد الجميع أن يأخذوا معهم الاولاد والنساء كي لا يصابوا بالضرر.

خلافا لفزعة 1948، المتطوعون في هذه الايام غير مسلحين بالسلاح، بل فقط بالتصميم والشجاعة والوعي السياسي – بأن التخلي عن المزارع وعن القرية يساعد في مشاعر التفكك الاجتماعي. محمد الخطيب كان من مؤسسي لجنة التنسيق في النضال ضد جدار الفصل في بداية سنوات الألفين، وبسبب نشاطه هذا اعتقل وحكم عليه وسجن. اذا كان يمكن استنتاج شيء من ماضيه هذا فان المتطوعين يأخذون في الحسبان أن الجيش الاسرائيلي سيعتقلهم. عندما يدور الحديث عن فلسطينيين، حتى الدفاع عن النفس من شأنه أن يعتبر مخالفة وذريعة للاعتقال.

​حسب اقوال المجموعة، فان حوالي 200 متطوع انضموا اليها حتى الآن ويمكن أن يعملوا طوال ثلاثة اسابيع حتى انتهاء موسم قطف الزيتون. ولكن العنف ليس فقط خاص بهذا الموسم. فهو يمتد طوال العام، والمزارعون الفلسطينيون يبقى كل منهم وحيد في المعركة وكأن الامر هو قضية شخصية له، وليس أحد الطرق التي تتبعها اسرائيل بصورة مباشرة أو غير مباشرة من اجل تقليل الفضاء الفلسطيني كله.

​العنف الموضعي في موسم قطف الزيتون هو جزء من مجموعة كاملة من الاجراءات الاسرائيلية، التي خلقت تأثير مهديء أو ازالت البهجة عن العمل الزراعي ذاته. في عدد من المناطق يمنع الجيش الاسرائيلي الفلسطينيين من الوصول الى اراضيهم “من اجل منع الاحتكاك” مع المستوطنين العنيفين، ويسمح به فقط لعدة مرات في السنة: في حالة زراعة الحبوب – حرث، زراعة وحصاد. في حالة اشجار الزيتون – قطف، تقليم ورش وحراثة. لهذا السبب تنازل المزارعون عن عادة زراعة الخضراوات بين الاشجار للاستهلاك المنزلي أو للبيع بحجم قليل.

​ايضا جزء من اصحاب الاراضي التي توجد وراء جدار الفصل، تحولوا رغما عنهم الى مزارعين لايام معدودة في كل سنة. مثلا، سكان قرى بدو وبيت اجزا، الذين بساتينهم محبوسة في منطقة مستوطنات جفعات زئيف وجفعون. “في يوم ما كانت هذه البساتين مناطق استجمام وتنزه للعائلة في ايام الجمعة”، قال أحد سكان بدو، وهو ينتظر أن يفتح الجنود البوابة الزراعية في الجدار. “كنا نأتي للعناية بها عدة مرات في الاسبوع. اليوم نحن نزورها وكأننا نزور إبن في السجن”.

​يوجد لآلاف العائلات الفلسطينية عشرات آلاف الدونمات من الاراضي الزراعية الخصبة المحبوسة وراء جدار الفصل. 74 بوابة زراعية وضعت على الجدار، معظمها، 46، تعتبر “بوابات موسمية” وتفتح فقط بضعة ايام في السنة، 28 بوابة اخرى من شأنها أن تفتح طوال ايام السنة أو على الاقل ثلاث مرات في الاسبوع. الجنود يأتون، يفتحونها ويغلقونها بعد فترة قصيرة، ثلاث مرات في اليوم. منذ اقامة الجدار، اسرائيل شددت بالتدريج الشروط التي تسمح بالحصول على تصريح دخول الى الاراضي، عدد التصاريح أخذ في التضاؤل ومعها عدد ابناء العائلة الذين يصلون الى بساتينهم. الشباب بشكل خاص يظهرون اهتمام أقل فأقل بكل هذه المتاعب.

​كل تصريح دخول يعطى بعد فحص واضاعة وقت وركض بين مكاتب الادارة المدنية. قلة الايدي العاملة تظهر جلية في الاشواك التي توجد بين الاشجار، وفي الاوراق اليابسة وفي الثمار غير المقطوفة. احيانا المزارعون مجبرون على المرور عبر بوابات بعيدة والوصول سيرا على الاقدام الى اراضيهم – حيث أنه لا يحصل الجميع على تصاريح للدخول بواسطة تراكتور أو عربة يجرها حمار. باستثناء ساعات فتح البوابات، ليس لهم سيطرة على ما يحدث في اراضيهم. المحاصيل والمعدات تتم سرقتها. يقوم مجهولون برمي النفايات في اراضيهم، الحرائق تندلع، سواء بسبب الاهمال أو بسبب قنبلة صوت القاها الجنود، والمزارعون الفلسطينيون يعتمدون على حسن نوايا الاطفائية الاسرائيلية. هنا لا ينفع متطوعو “الفزعة”: هذه في الحقيقة اراضي فلسطينية خاصة وعامة، ولكن دخولهم ممنوع. الدخول الحر الى الاراضي الفلسطينية مسموح فقط للاسرائيليين والسياح.

​إن نظرة الفلسطينيين لهذا الوضع تتراوح بين نوع من الشفقة على السلطة الفلسطينية وبين الغضب والاستهزاء منها. “ماذا يمكنها أن تفعل؟”، يسأل المزارعون الذين منعوا من الوصول الى اراضيهم بسبب عنف مستوطنين أو قيود الادارة المدنية. هناك من يستنتجون من العجز أن “السلطة لا تهتم بالامر تماما”، هكذا تدق اسرائيل اسفين آخر من الاغتراب وعدم الثقة بين المواطن الفلسطيني وبين مؤسسات الحكم الذاتي الفلسطيني العاجز.